الجلاء عنوان وثمرة جهد وحدوي نقاط على الحروف
أ.د/ عبدالله أحمد الذيفاني
الوحدة لفظة ذات قيمة عظيمة في تاريخ الإنسانية فهي مطمح وأمل وهي حقيقة منشودة وهي معان قيمية تحرسها الطبيعة البشرية والفطرة التي تنزع إلى الجماعة وتتشكل بها فالإنسان لا يمكن أن ينمو ويكتسب فاعلية لحضوره ومشروعية لدوره وجدوى من وجوده إلا إذا حظي ببيئة اجتماعية دافئة ومحيط مجتمعي سوي يعيش تفاعلا اجتماعيا إيجابيا يثمر إنتاج مراكز وأدوارا اجتماعية لهذا الفرد وتلك الجماعة وذلك الفريق.
الوحدة التوحد الاتحاد تعني حاجة الكل للكل وتشير إلى أن الحياة تزداد أهمية وتتأصل معها التنمية والإعمار للأرض والإنسان والتي لن تتحق كعملية بعيدا عن تعاضد الجهود وحشد الطاقات والموارد وتوظيفها لتحقيق أقصى وأعلى درجات التنمية والرفاه للفرد والمجتمع ومن هنا وجدنا دولا تفترق في الكثير التقت في المصالح ووضعت لنفسها قاعدة من قواعد التوحد وعند تتبع مسيرة الاتحاد الأوروبي نجد أن البداية كانت لتنسيق المصالح والحفاظ عليها وتحقيق أعلى درجة من التنظيم لحماية هذه المصالح وضمان استمرارها ولكنها تطورت إلى أن وصلت إلى عملة واحدة ومفوضية للخارجية ومن قبل حلف الناتو.
الوحدة ليست مطلبا عاطفيا كما أنها ليست حاجة جغرافية أو استجابة لمتغيرات سياسية تترجم توجهات لهذا الطرف أوذاك بل هي حقيقة تسكن التاريخ وتعيش في كل منعطف ومحطة مرت بها البلاد وعايشتها وتظل النبض الذي تتدفق به حياة اليمن واليمانيين وتبقى الدورة الدموية التي تمد الجسد اليمني بالحيوية والقوة ومعاني الاستمرار الفعال والفاعل على هذا الكوكب لا نقول هذا من قبل الزعم والعاطفة بل نقول بوعي مستمد من التاريخ ووقائع الحاضر ومؤشرات المستقبل من جهة وقراءة الشواهد الحية لتجارب دولية أقيمت على أساس الوحدة.
يحكي التاريخ المعاصر الممتد إلى القرن العشرين قصة ولع اليمنيين باليمن وطنا يقلهم ويظلهم ويحتويهم بجغرافيته التي لا تعرف في تاريخها مسمى غير اليمن وإن شهدت على ظهرها كيانات وأنظمة شطرية في فترات تاريخية والتي لم تذهب جميعها إلى القول أنها قامت على أرض غير يمنية ولم تسع لابتداع مسميات أو اختلاق حدود قطعية ونهائية تفصلها عن الجغرافية الأخرى التي تتقاطع معها سياسيا.
القارئ لتاريخ الحركة الوطنية اليمنية في شقيها المناهض للاستبداد والمناهض للاحتلال يجد وبدون شك الوحدة اليمنية مهيمنة على الخطاب السياسي الوطني للحركة الوطنية بكل فصائلها وتكويناتها المختلفة وظلت كذلك الوقود الذي يحرك المسار الوطني ويحرك لغتها ومفرداتها وبما جعله بوصلة وطاقة في آن واحد للأنشطة المناهضة والمقاومة والثورية التي ظلت تناضل وتكافح وتبذل التضحيات النفيسة قوافل لم تتوقف حتى بلغت اليمن الحرية والاستقلال و استمرت حتى بلوغ ذروة الغنيمة بتحقيق إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م.
ولا يخفى على أحد أن مواطن المقاومة وحصن الثورة لم تكن تنحصر وتتقوقع في هذا الشطر أو ذاك قدر ما كان اليمن بشطريه ساحة واحدة لحركة الوطنيين الأحرار والفدائيين الثوار في شقي الحركة الوطنية شمالا وجنوبا وكانت اليمن الحضن الدافئ الذي حمى ورعى وقدم البيئة التي مكنت الأحرار والثوار من بلوغ أهدافهم هنا وهناك فكانت عدن الصدر المقابل الذي أستقبل ثوار الجنوب ولم تتوقف المسألة عن حدود الجغرافيا قدر ما امتدت إلى أن عضوية الفصائل الوطنية لم يكن في كل مراحل النضال والثورة كانت مفتوحة لكل يمني بغض النظر عن الجغرافيا فوجدنا أول تكوين معارض تشكل في القاهرة قد جمع يمنيين من صنعاء وتعز وعدن وشبوة ولحج وغيرها ولم يكن المتابع المدقق لمسار العمل الوطني التخندق والإدعاء الشطري حتى في ذروة الصراع بين النظاميين الشطريين وهذا يجعلنا نقول أن الوحدة اليمنية كانت وستظل الدورة الدموية الضامنة لاستمرارية حيوية الجسد اليمني واستمرارية رسالته الحضارية…
وفي هذا السياق نقول أن ما حدث بعد 1990م لا يمثل موقفا من الوحدة أو تنكرا لها أو مؤامرة عليها من أبناء اليمن هنا أو هناك قدر ما كانت سلوكا غير مسؤول من إدارة فاسدة وجهت بسلوكها البائس والانتهازي ضربة قوية للعمل الوحدوي والممارسة الوحدوية بسبب من احتساب ذلك السلوك على الوحدة ومعانيها ومضامينها التي ظل اليمنيون يناضلون لأجلها… وهو تفسير لعمري فيه الكثي