من الإصلاح الديني إلى التنوير!!!
سامي عــــطا
الفكر نوعان:
فكر توصيفي وآخر استشرافي نقدي. الأول يصف حالة قائمة وينقلها من حالة الفعل إلى حالة التفسير والفهم فكرا, أما الثاني فينقد حالة قائمة سواء في حالة فعل أم أصبحت فكرا لكنه ينتج فكرا جديدا أو يدعو إلى تغيير الحالة القائمة ويفترض رؤى وتصورات بديلة. لكن عندما تفشل هذه الرؤى أو الفروض أن تتحقق تغدو يوتوبيا, الأول نجده عند نيقولا ميكافيلي في كتابه “الأمير”, أما الثاني فنجده عند كارل ماركس ومجمل نظريته الاجتماعية.
ومنذ أن مزق مارتن لوثر مرسوم البابا بدأت أوروبا تدخل حركة الإصلاح الديني, لكنها ما لبثت أن وجدت نفسها تخوض حروبا دينية استمرت ثلاثة عقود, وعندما لم تحقق شيئا انتقلت إلى التنوير .
من الإصلاح الديني إلى التنوير ففي الأولى حاولت التمرد على أحادية واحتكار بابا الكنيسة تفسير الإنجيل . ومثل ظهور البروتستانتية منذ مزق مارتن لوثر مرسوم البابا بداية الإصلاح . وأخذ لوثر يدعو إلى أن تفسير الإنجيل, وجسد بذلك كسر احتكار تفسير الإنجيل وصار بمقدور كل إنسان تفسيره. لقد مثلت البروتستانتية مرحلة تدشين الحرية الفردية لكنها دشنت بداية ظهور تيارات دينية متنازعة كل فرقة منها تدعي صحة تفسيرها .الأمر الذي جعل المجتمع في حالة حرب. وانتشر التعصب واشتد أواره فأشعل بذلك الحروب باسم الله. وجاء عصر التنوير بمبدأ التسامح وفكرة التقدم للخروج من هذا النفق المظلم. فإذا كانت حركة الإصلاح الديني أكدت على الحرية الفردية إلا أنها أفرزت عيبها الرئيسي أعني التعصب. لذلك جاء عصر التنوير بمبضع التسامح وفكرة التقدم, وبذلك عالج أدران حركة الإصلاح الديني.
ويبدو أن حركة الاصلاح الديني في الدين الإسلامي التي بدأها محمد عبده نهاية القرن19تشابهت في بعض نتائجها مع مثيلتها في أوروبا, سيما ما يتعلق بظهور فرق وتيارات دينية تصارعت كل يدعي بأنها الفرقة الناجية من النار وتستأثر بصحة تفسيرها للدين. فانتشر التعصب والتناحر والتنافر. وأنتج هذا الوضع مجتمعا مفككا في حالة صراع حاد بل تكفيري دموي إقصائي. أمام هذا الوضع ما أحوجنا إلى عصر تنوير عربي يضع مبدأ التسامح وفكرة التقدم أساسا له. علينا أن نجعل من مبدأ التسامح أساسا لتكريسه في المجتمع فالتسامح يعني في نهاية المطاف الاعتراف بحق الآخر أن يكون له رأيه الخاص دون وصاية أو جبر من أحد. يعني تعايش الناس المختلفين في الرأي والحوار أساس رفع اختلافهم. وفكرة التقدم تعني أن أي مجتمع لا يبقى كما كان “بقاء الحال من المحال” تاريخ المجتمعات تحول وتغير دائما لا بل لا زال في تحول وتغير مستمرين. كما أن البون الشاسع بيننا وبين المجتمعات المتقدمة تفرض علينا مهمة بالغة تتمثل بتسريع عملية النهوض والتقدم من أجل اللحاق بها. مالم فأننا نحكم على مجتمعاتنا بالاندثار والتلاشي. إننا أمام تحد صعب ينبغي أن نواجه تبعاته.
أستاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث
قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن