في كهفه المسحور

محمد المساح


 -  يخرج من كهفه إلى الشارع «السوق» يتدحرج مع إخوته البشر أوتوماتيكيا كما تتدحرج الحصاة الملساء في السائلة عند المطر.. يخرج من زقاق ليدخل إلى آخر يلقي نفسه في شارع لا بأس به في الاتساع والضيق.. يقفز إلى شارع أوسع يتمارى بوجه
يخرج من كهفه إلى الشارع «السوق» يتدحرج مع إخوته البشر أوتوماتيكيا كما تتدحرج الحصاة الملساء في السائلة عند المطر.. يخرج من زقاق ليدخل إلى آخر يلقي نفسه في شارع لا بأس به في الاتساع والضيق.. يقفز إلى شارع أوسع يتمارى بوجهه الكالح على زجاج الفترينات.. والسماء التي لا يراها بين الغيم والصحو لا يألو جهدا في التفرج على ظلال السيارات العابرة والواقفة.. إخوته المتدحرجين مثله يركض.. ليلحق بـ«دباب» لا يسأل عن اتجاهه.. من شدة معرفته بالأماكن.. بعد أن تشابهت وأصبحت كلها دكاكين في زمن العولمة كما يقولون وصرعة الحداثة «اللي مهليش».. عند الظهيرة لا يدري كيف يقيس الزمن.. أقبل الأذن.. أم بعده.. لم يعد مشغولا بالوقت والساعة اليدوية لم تعد ضرورية.. المهم عند الظهيرة أو بعدها بقليل أو كثير تزغرد «أمغاله» في البطن.. هي الساعة البيولوجية والوحيدة التي يسمع تكتكاتها يدلف أول محل يصادفه للأطعمة وهناك يتسلى هو و«أمغاله» ويناجيها بعذوبة.. كلي الآن وإشبعي وإذا أكلنا لا نشبع «حكمة يرددها دائما.. بعدها يحمد الباري على النعمة السابغة عليه» أفضل من غيره بكثير ما زال قادرا على أن يؤكل نفسه بعدها يطفئ الخرامة بحبة سجائر أي كانت نوعها مع واحد شاهي أحمر بالنعناع إن وجد.
يقفز في الزحمة يصادم الأكتاف.. ويخرج وهو يتحسس كنزه المخبوء في حشبه الزغن الكيس النايلون للقات القطل.. يعرج على أطراف دكان.. يعتل في يديه قارورة المياه البلاستيكية وحينها يأخذه الحنين إلى جرة أمه الفخارية في الزمن القديم وشربه هنية.. والماء يتكارع من لقفها المدور.. وينتابه إحساس دافق.. إلى تلك الجرة الفخارية.. التي تناستها البشرية في زمن العولمة اللعين.
يؤوب إلى كهفه المعتاد وهناك ينزوي كفأر أسطوري في الزاوية الركنية.. يدخل في الطقوس الاعتيادية المكرورة في الزمن.. يكور «بحمته» وينفخ الدخان تغيم السماء في الخارج.. وينكع السؤال داخله أخرج اليوم من كهفه حقيقة أم جال المدينة وتدحرج في شوارعها..¿ أو هو نوع من السطلة والوهم.. يغيب السؤال ويغيب بصره.. في عمود الدخان السجائري الصاعد المتبدد في كهفه المسحور.

قد يعجبك ايضا