إضاءة في مترادفة لغوية
علي أحمد عبده قاسم
تعد المترادفات اللغوية في لغتنا العربية إحدى الميزات التي تعكس خصوصية لها مما يشكل ثراءة ليس باليسير وتطرح المفردة الواحدة في مترادفاتها الكثير من الدلالات في تعدد ألفاظها والاختلاف اليسير في المدلول أو الاختلاف العميق في المدلول والأثر مما يفضي إلى الثراء للغة ويعكس قدرات المستخدم لها والتربية الثقافية والقرائية له ولذلك تعددت علوم اللغة العربية في المفردات والاشتقاقات بدءا بالمعاجم اللغوية التي تضمنت المفردات والبنى والاشتقاقات إلى فقه وعلم اللغة وتطورت تلك العلوم عبر العصور.
وفي هذه الإضاءة سأتناول مترادفات “الشك” محاولا طرح صورة للاختلاف اليسير في المدلول والثراء الذي تتميز به اللغة العربية والدقة في المضمون في استخدام المفردة.
يقول أبو هلال العسكري عن المفردة “الشك” بأنه “استواء طرفي التجويز بمعنى إن الشاك يجوز كون ما شك فيه يحمل إحدى صفتين لأنه لا دليل لديه ولا أمارة بينما الظن رجحان أحد طرفي التجويز لذلك يكون الشاك غير محتاج للظن لأن الظن قوة بلوغ المعنى في النفس غير أن هذه القوة لا تبلغ حال الثقة النابتة أما الشكة وقوف النقيضين من غير تقوية أحدهما على الآخر”. ويقارن أبو هلال العسكري بين الظن والحسبان حيث يقول: “إن الظن ضرب من الاعتقاد بينما الحسبان ليس باعتقاد لذلك يجوز القول: حسبت فلانا قد مات مع اعتقادك أنه حي”.
لذلك يصف الله سبحانه وتعالى صورة أهل الكهف بقوله ((وتحسبهم أيقاظا وهم رقود)) فالرائي عند رؤيتهم تترسم صورة اليقظة مع اعتقاده أنه رقود فالحسبان شيء من الوهم الذي ينتهي بالوصول للحقيقة لذلك يقول الله سبحانه وتعالى في وصف أعمال الكافرين في سورة النور ((والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا)) ويفرق أبو هلال العسكري بين الشك والريب حيث يقول: “إن الارتياب هو الشك ولكنه يتهمه لذلك لا يجوز القول: أنا مرتاب من فلان لأنك زدت على الشك تهمة” ولذلك يصف الله سبحانه وتعالى القرآن بقوله ((لا ريب فيه)) إشارة لخيرية القرآن وينفي كل ما في العقول أيضا عبر العصور من وساوس الشيطان وتثبيتا راسخا لمبادئ القرآن السماوية في نفوس المؤمنين والأجيال المتعاقبة.
ويفرق العسكري بين العلم والظن حيث يقول: “إن الظان لا يحقق شيئا بينما العلم يحقق المعلوم كله لذلك جاء الظن في القرآن الكريم بمعنى الشك والظن في قوله تعالى ((وإن هم إلا يظنون) ويسترسل في المقارنة حيث يبين الظن والجهل حيث يقول: “إن الجاهل يتصور نفسه بصورة العالم ولا يجوز خلاف ما يعتقد فيتضح جهله”.
ويفرق العسكري بين الظن والافتراء حيث يوضح ……… بأنه “استخراج الشبه لمشكلة دون حل للمشكلة نفسها” لذلك وصف الله الكافرين والمشركين بـ(يمترون ممترين) وكأنهم في اضطراب نفسي وعقلي وعجز روحي مع أنفسهم ومع ما جاءهم فتستمر مشكلتهم لأنهم استخرجوا شبه المشكلة ولم يحلوا المشكلة.