جيش من الموظفين.. نصفهم عمالة فائضة
أحمد عبدربه علوي
أحمد عبدربه علوي –
تضخم الجهاز الإداري للدولة أصبح مشكلة صعبة أدت إلى ترهل في وظائف السلطة وتكدس الجهاز الحكومي بالمستشارين والوكلاء والمدراء العموميين والموظفين أدت إلى ترهل في دواوين الحكومة والذين يملكون مشكلة مزمنة منذ عدة سنوات فليس هناك حاجة للكثير لخدماتهم «جيش من الموظفين» يحتل دواوين الحكومة تعدادهم بمئات الآلاف يتقاضون مرتبات بعشرات الملايين من الريالات نصفهم يمثل عمالة فائضة تترتب عليها سلبيا آثار متعددة تستدعي الضرورة التخفيف من التضخم المتزايد في الجهاز الإداري للدولة على نحو يجعل إدارة الدولة والمجتمع تكتسب مزيدا من الحركية والفعالية.. ونوضح هنا أن الحكومة ليست مجلس الوزراء فقط نحو أكثر من ثلاثين وزيرا تقريبا وليست سلطات الحكم الثلاث «التشريعية والتنفيذية والقضائية» وإنما هي أيضا الجهاز الإداري للدولة فضلا عن شركات وهيئات القطاع العام والإدارة المحلية ومن في حكمها التي تضخم مئات الآلاف من الموظفين والعمال ويتسع نشاطه ليغطي الكثير من الأمور الصغيرة والكبيرة في حياتنا .. كما يلزم توضيح التداخل الملحوظ في بعض المفاهيم المستخدمة في هذا الصدد مثل الحكومة والدولة والمجتمع المدني الدولة – أصلا- هي الجماعة السياسية الوطنية وتتكون من مجموعة كبيرة من الأفراد «الشعب» يقيمون بصفة دائمة على إقليم معين «الوطن» وتدير شئونهم هيئة منظمة استقر على تسميتها بالحكومة.. ولكن نظرا لتزايد حجم الحكومة ودورها أصبح الإدراك الشعبي يخلط بين كل من الدولة والحكومة..
فقد يعني حجم الحكومة ذلك الخير المكاني الذي تشغله في مختلف قطاعات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية علما بأنه لا علاقة بين الحجم وبين الفعالية فقد توجد حكومة كبيرة في دولة ضعيفة «في مواجهة الضغوط الخارجية» وقد توجد إدارة ذات حجم ديناصوري ولكنها هزيلة الأداء.. تكبير وتخليد دور الحكومة- الدولة أدى إلى تحويل كل دور إلى وظيفة فبدلا من أداء دور الحكومة عن طريق مجموعة من السلبيات والخطط والبرامج والتوجهات الفعالة أنشئت المؤسسات والأجهزة وتضخمت الهيئات الإدارية بغرض القيام بهذه الوظائف المزعومة هذا الكائن الديناصوري الضخم هو المشكلة في حد ذاتها فقد وجد أصلا لحل المشكلة الاجتماعية ولكن مع التعدد والتفلطح الذي أصابه أصبح الجهاز الإداري للدولة والمجتمع غاية في حد ذاته يميل إلى تخليد نفسه والمحافظة على بقائه بالحصول على المزيد من الموارد والطاقات بصرف النظر عن الجدوى الوظيفية من وراء هذا التوسع الأمبراطوري المتزايد في الجهاز الحكومي بل إن النظام أخذ يعيد إنتاج نفسه بحكم قانون التوالد والتكاثر لمزيد من الأجهزة والمجالس.. مثل هذه «الحكومة البدنية» كانت أيضا النتاج الطبيعي لظاهرة الركود التضخمي المعاصرة وذلك إلى جانب عوامل أخرى تاريخية وحضارية فالوجه الأول- أي الكساد والبطالة والتوقف والإفلاس أحيانا يدفع الناس إلى التمسح والتعلق بذيل الرداء الفضفاض الدولة وإلى «التمرغ في تراب الميري» بغرض الحصول على مرتب ثابت – ومضمون في شكل مرتبات وأجور وفروق معاشات وهذا يفسر لنا الميل الواضح لدى الشباب الذين سدت في وجوههم أبواب الهجرة للعمل في الحكومة والشركات العامة دون المشروعات الصغيرة الخاصة غير المأمونة كما أنه يفسر لنا أكثر ميل الشيوخ إلى التعلق بنافذة «قطار الميري» في شكل إدارة أو استشارة كل ذلك تضخم وظيفي وبطالة مقنعة وأجور تدفع دون عائد حقيقي وإنما هي تتيح لأصحابها مواقع حصينه للتربح واستغلال النفوذ.. أما الوجه الثاني لظاهرة الركود التضخمي – أي موجات أرتفاع الأسعار – فهي تدفع بطبيعتها إلى التضخم غير الصحي للجهاز الإداري للدولة حيث تنشأ مجموعة من المواقف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة التي تؤدي إلى مزيد من نمو الأنشطة السيادية كالأمن والعدالة والرقابة والخدمات المركزية ثم يزداد الطين بلة بأتساع وظيفة – وليس دور- الدولة خارج هذه الأنشطة التقليدية متمثلا في دعم السلع والخدمات مما يتطلب ضرورة تدبير موارد جديدة سواء بأذون خزانة أو الأقترض الداخلي والخارجي.. هذا هو بالضبط ما يحدث في الجهاز الحكومي في بلادنا وغيرها فالمسئوليات الجسام والأعباء الضخام الملقاة على عاتق النخبة الحاكمة من قيادات سياسية ووزاء ومحافظين ومسئولين تنفيذيين تماثل تماما ذلك الضغط الهائل على القلب والعضلات والشرايين الناجم عن ترهل الجسم وتهدده على هذا النحو نستطيع أن نرصد مظاهر الترهل التالية: