العيدروس.. آكل رمضان في حارتنا
عبدالوهاب الضوراني
عبدالوهاب الضوراني –
> لا يسلم أو يأمن أحد كان من كان منه ومن مكائده ومقالبه اليومية وسلاطة لسانه في رمضان.. الشخص الوحيد الذي لا يجرؤ الرجل.. العيدروس على أذيته أو التحرش به هو الطفل أو المرأة أو أي نوع من أنواع الحيوانات الأخرى الأليفة.. عندما يصادف طفلا أو شحاتا أو أمرأة تتألم أو تتضور جوعا يهب لتوه لإفراغ كل ما تحويه جيوبه أو يدخره من دراهم ونقود دفعة واحدة. العيدروس.. الوحيد في حارتنا الذي يزهو ويجهر ويتباهى في الأسواق وأمام المارة عيني عينك بأكل رمضان بلا تحفظ أو حياء أو قطرة دم أو عرق واحدة تراق وتتصبب من جبينه.
يدعو يوما المحويتي خطيب وإمام جامع ذو النورين في حارتنا ليشاركه ويقاسمه وجبة الغداء في قهوة البرعي فيصب عليه الرجل جام غضبه ويستأنف السير صوب الجامع ليؤذن لصلاة العصر وهو يغلي ويزبد ويردد في أعقابه: لعنة الله عليك وعلى البرعي والزنادقة والفاطرين أمثالك!!
في خواتم رمضان يفرض الرجل أتاوات ونوعا من الضرائب الزكوية الإلزامية على أصحاب البسطات وتجار وسماسرة الحراج والباعة المتجولين في الميادين والجولات والأسواق الأخرى الواقعة والمدرجة عادة في نطاق مسؤوليته وحمايته وبسط نفوذه ونشاطه ويعتبرها الرجل مكاسبا وموارد زكوية وإيرادية مشروعة وواجبة تماما كجزء من زكاة الباطن وتطهير الأموال ويزعم متشدقا بالفم المليان أنه لا ينقص مال من زكاة والويل كل الويل لمن يماطل أم يحجم ويجرؤ على عدم دفع زكاة ماله يجعله العيدروس فورا ملطشة وهدفا للبلاطجة وصعاليك الباب والمطراق ومدعاة لاستخفافاتهم وتبادل نكاتهم وتعليقاتهم ويحثه فورا بالقوة وتحت التهديد واستخدام العنف على الإفطار إجباريا وإبطال صومه ويومه.
يضبطه المارة يوما في رمضان في النهار يغازل ويقتفي أثر مويم عفوف المجنونة آخر بقايا أحفاد سلالة الأحباش الشهيرة طورا بـ »الصومالية« وبـ »المولدة« طورا آخر وهو يطاردها من شارع إلى آخر ومن جولة إلى أخرى. ويدعوها كعادته ودأبه للاختلاء بها على انفراد إما في الكنداسة أو مجمع الشحاتين أو الساحل فتبصق الفتاة في وجهه وتستأنف السير هرولة وهو في إثرها وهي تولول أمام المارة وتستغيث..
التافه السافل.. اسألوه ياناس ماذا كان يريد مني قليل الحياء!!
وفي حارة المغتربين يضبطه المارة يوما وهو يأكل ويلتهم بشراهة وعلى عينك يا تاجر سنبوسة وتمرا أخذهما عنوة وبالقوة من بائع متجول وهو يردد أمامهم بصوت مرتفع بكل وقاحة وقلة حياء : اللهم لك صمت وبرزقك أفطرت. عندما يؤذن لصلاة المغرب يكون العيدروس أول من يرتاد وتطأ قدماه عتبة المسجد ليس لتأدية الصلاة أو تلاوة القرآن ولكن ليشارك الصائمين فطورهم وجزءا من محتويات موائد الخير والبركة الجماعية ويكون أول المغادرين له بمجرد إقامة الصلاة. في الليل تجده إما في قهوة الزوملة حكواتي رمضان أو متسكعا وهاما على وجهه في العديد من حارات وأحياء المدينة القديمة كسوق الهنود حارة الأتراك والمغتربين وباب المشرف حيث تحلى الحكايا ويطيب السمر والعديد من التسالي والأللعاب الرمضانية التقليدية الأخرى