المدينة .. المقلب
محاسن الحواتي
محاسن الحواتي –
زرت عددا من عواصم العالم عربية وأجنبية ربما لسوء حظي حتى في هذا أعود وأتألم على بلدي أو من حسن حظي حتى أعود وأكتب للمخلصين والشرفاء وللجهات المختصة بأن انتبهوا نحن نغرق في القمامة نعيش بين ارتال المخلفات المنزلية وملايين الجراثيم التي تتوالد كل يوم وتغزو البيوت والمدارس والمحلات و…. الخ لا أحد يعبأ تتفاقم المشكلة كل يوم خاصة بعد هطول المطر هي ليست إشكالية إضراب عمال النظافة بل هي إشكالية وعي ضعيف تجاه التعامل مع البيئة ومخلفاتها .. إشكالية تجاوزها العالم ونحن مازلنا نعاني منها أين ترمي المخلفات ومتى وكيف¿ التعاون مع عامل النظافة وجهود النظافة عموما .. المتعلم فينا يرمي أعقاب السجائر على الأرض وعلى الموكيت طالما لم يره أحد.
الشوارع الفرعية غير مرصوفة بشكل جيد بمعنى (اشتغلت بلا ضمير) لذا عندما يهطل المطر تنجرف كل الحجارة والرمل والطين وغيرها إلى الشوارع الرئيسية التي تكون في حالة يرثى لها .. الأرصفة هي الأخرى تقذف ما في جوفها ويعري المطر تلك الضمائر الهزيلة التي تولت الأعمال في يوم ما وأنجزت مشاريع السلفتة والرصف وغيره .. تلك الجهات التي رسى عليها العمل ولم تعمل بنية صادقة ولم تحاسب لأن شعارنا كان (من يحاسب من¿) فهل بلغ بنا ضعف الوازع الديني إلى هذه الدرجة¿ البلد أمام إشكالية جديدة هي إعادة بناء ما دمره المقاولون ثم إعادة ما دمرته الحرب فإعادة المدمر منذ عشرات السنين.
أحد الدبلوماسيين قال ذات يوم (إذا أردت أن تعرف إذا كان هناك نظام وقانون في البلد وأنت تزوره لأول مرة فانظر إلى الأشجار التي بالشوارع إذا كانت مرتبة ومقصوصة جيدا وخضراء تسر الناظرين كانت هناك دولة ونظام) .. فانظروا إلى أشجارنا تعكس كل فوضانا هزالنا المعيشي اصفرار البشرة وشحوبها الإهمال التسيب عدم المساواة …….!!
فهل تستحق مدننا هذه القسوة والغلاظة في التعامل تكسير الأرصفة حفر الشوارع بعشوائية تشويه الجزر والشجر حرمان الشجر من الماء لفترة طويلة حرقها رمي المخلفات تحتها.
أعتقد أن الوعي أضعف من الرغيف أبو عشرين والوازع الديني يتراجع يوما بعد يوم والقانون غائب كغياب موظفي الحكومة عن أعمالهم هذا إلى جانب التربية الخاطئة فالأبناء لا يحترمون عامل النظافة ولا يساعدونه في رمي المخلفات في أماكنها الصحيحة.
الفقر جعل بعض المواطنين يعبثون بالبراميل ومحتوياتها فكيف تحل هذه الإشكالية هل يمنع العبث بالمخلفات¿ إذن من أين يأكل هؤلاء الفقراء¿ إذن يصعب التكهن بولادة مدينة نظيفة في اليمن.
عموما تفتقد المدن في وطني للنظام ومواقف السيارات تنبئك بالكثير وإشارات المرور تعكس العقلية التي تدير الأمور .. مدننا تعيش البؤس منذ سنوات والآن زاد بؤسها فهل آليات العمل في مشاريع النظافة غير كافية أم أن المال المسخر للنظافة غير كاف أم أن الإدارة تحتاج إلى تأهيل أو صلاحيات إضافية أم ماذا¿
إن ثقافة العامل الذي يؤدي عمله يوميا برتابة وسط غبار وأتربة وأناس غير مساعدين أي بيئة غير محفزة على العمل هي ثقافة متواضعة فيما يخص أهمية العمل الذي يقوم به ومن الوطن ينبغي أن تتكامل الجهود والمدينة النظيفة هي عنوان أهلها والنزاهة تقتضي أن نعمل الأشياء بإخلاص حتى وإن لم يرنا أحد .. متى ما شعر عامل النظافة أن عمله هام وجزء من أعمال كثيرة يقوم بها الجميع ليكون الوطن أجمل.. يأتيه السياح من كل مكان يستمتع فيه الناس صغارا وكبارا كان عطاء العامل أكبر .. وحتى ما وجد التعاون كان ذلك إيجابيا بقدر كبير.
إن ظروف عامل النظافة هي الأدنى بالطبع فهل من التفاتة لهذه الشريحة لانتشالها من واقعها¿ هي تحتاج إلى توعية بالنظافة وتحسين ظروفها في مقر سكنها وبيئتها حتى تعطي بشكل إيجابي .. كما أنها تحتاج لعدد من الخدمات التي تعتبر أساسية كالمسكن الملائم الماء الكهرباء الأجر الجيد لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
لقد تحولت مدينة صنعاء إلى مقلب كبير للقمامة ومقلب آخر لأنها حلمت ذات يوم أن تكون المدينة الأجمل والأرقى المدينة التي مازالت تحتفظ بتاريخها وجمالها المعماري وخصوصية أهلها في الذوق الرفيع والنظافة وأنها حوت كل فن.
المدينة التي لا تضاهيها مدينة تغرق اليوم في وحل القمامة أليس هذا مقلبا أعد لها مصادفة أم بصورة مقصودة ليس يهم .. ما يهم هو لا بد من معالجات عملية لقضية عمال النظافة حتى لا تتكرر الإشكالية وتفعيل القانون ورفع وتيرة الأعمال ولا ننسى التوعية للأمهات أولا وفي المدارس وفي المرافق المختلفة بأهمية الحفاظ على البيئة .. والتعاون مع عمال النظافة والحفاظ على مدننا ومظهرها النظيف.
> رئيس تحرير صحيفة (8 مارس)