المرأة.. تحضر جسدا وتغيب كيانا!!

جميل مفرöح


جميل مفرöح –

> في معرضها الشخصي القائم حاليا في بيت الثقافة بصنعاء تكرöس الفنانة التشكيلية الكبيرة د.آمنة النصيري ثنائية الحضور والغياب في آن واحد للمرأة اليمنية ففي الآن الذي تكافح وتنافح المرأة لإعلان حضورها كنصف متمم للمجتمع من خلال مشاركاتها السياسية والاجتماعية والثقافية عموما عبر المؤسسات والنقابات والكتابات والتخصصات الوظيفية والإبداعية تشخص في الإنتاجات الكتابية والفنية والإبداعية ككائن مستلب ومهضوم لاينال أدنى ما تستحقه مكانته الطبيعية باعتباره النصف المكمل لقرينه الرجل في تكوين وتشكيل المجتمع والحياة وبالذات الحياة الحصرية التي أصبحت شراكة المرأة فيها واقعا مفروضا بطبيعة الوجود والفاعلية والجدوى.
> والفنانة الكبيرة د.آمنة النصيري في معرضها تضع المرأة على طاولة حوار إبداعي مدهش بقدر ما هو حافل باللون وتقاسيمه وتأثيراته البصرية المباشرة على التلقي يحفل بقضايا أزلية وعصرية تتعلق بوجود المرأة وحضورها وفاعليتها وأثرها فمن الوهلات الأولى التي تطرق فيها هذه اللوحات أبواب التلقي تشخص معان قوية تكاد المرأة من خلالهما أن تصرخ بصوت عال معلنة إما حضورها بشموخ وثقة كحاجة ماسة لتواصل الحياة أو من خلال رفضها للكثير من الممارسات الاجتماعية التي تجري في حقها والمتمثلة في تعمد التهميش والإقصاء والإصرار في كثير من الإحيان على اعتبارها جزءا ثانويا في الحياة في مقابل استئثار الرجل على رئيسية الدور والحضور والهيمنة والقرار وتوجيه دفة الحياة.. ففي هذه اللوحات يبرز رفض صارخ واحتجاج عارم على مصادرة المرأة وحقوقها وعلى رأسها تلك الحقوق حق الشراكة الفعلية واعتبارها طرفا أساسيا في ثنائية الوجود البشرية.. وتتجلى من أول لحظة تلقى تجاه أعمال المعرض قضية المصادرة والتهميش والتغييب وإقصاء المرأة إلى ما وراء الحجب الستر من خلال تصدير نساء لا يظهر من أجسادهن شيء يدل على وجودهن سوى نوع الملبس الساتر للغاية.. فمعظم النساء التي كن موضوعا أو كتلا بصرية أساسية لتشكيل اللوحات مسترات بأشكال وأنواع مختلفة من الملابس المحلية في الغالب التي لا تكاد حتى تعبر عن ماهية هذا الكائن المتلفج بها عدا كونه في غالب الاحتمال وليس بشكل مؤكد!! قد يكون النصف الآخر للوجود البشري «المرأة».. ومن هنا تؤكد الفنانة على الرفض والمقت والاحتجاج الواضح لابقاء المرأة مغيبة وراء الحجب سواء أكانت حجبا بصرية مادية مباشرة أو كانت حجبا معنوية ثقافية وفكرية كرسها التاريخ الثقافي والديني المتزمت للمجتمعات العربية ومنها المجتمع اليمني..
> من جانب آخر تبرع الفنانة النصيري في إيصال رسائل بصرية وثقافية متنوعة حافلة بالاحتجاج ومحاولة الوقوف في وجه ثقافة التهميش والإلغاء التي تتعرض لها المرأة اليمنية والمرأة العربية عموما ثم تبرع بالتالي في التعبير عن واحدة من أهم مميزات حضور المرأة وأساسية شراكتها الطبيعية من خلال حرصها على رسم تقاسيم الجسد المتواري بالحجب بشكل ملفت للتلقي لا يخلو من الجوانب الإغرائية والفاتنة على الرغم من التواري شبه الكلي للأجساد المغموسة في تغييب القماش الظاهر لتثبت من ناحية كون هذا الغائب المغيب هو المرأة كمعادل موضوعي لتغييب حضورها وحقوقها من خلال تغييب جسدها وراء تلك الحجب والستر فيما هو ذلك الجسد الذي تعتبر الحاجة إليه حاجة ماسة مشترطة لتواصل الحياة واستمرارها مؤكدة في ذات السياق ونفس الرسالة على أن المرأة مكون ثنائي أساسي لا يمكن الاستغناء عنه وعن حضوره وبعبارات لونية وشكلية مبهرة تكاد تنطق بالاحتجاج وبالحضور والاستيقاظ بعد سبات طويل فرضته الثقافات التقليدية الظالمة والمصادرة وهنا تبرز دلالة الغياب والحضور واضحة بقوة على أعمال الدكتورة آمنة في معرضها التشكيلي الشخصي هذا الذي يشكل إضافة جديدة حقيقية لتجربة إبداعية نسوية تكاد تدلل في معنى التجربة أيضا على قوة الحضور داخليا وخارجيا حضورا يكاد يتغلب على حضور شقيقها الرجل فيما يوجه رسالة إنسانية وثقافية وحضارية قوية المعنى للمجتمع والواقع ليعترف صراحة لا ضمنيا بأساسية الشراكة بين الرجل والمرأة وكون غياب أو تغييب أحدهما يدل بالضرورة على إخلال فادح ولا منطقي في طبيعة الوجود والحياة في مختلف أوجهها.

تصوير | حامد فؤاد

قد يعجبك ايضا