محللون: عودة المبعدين إلى وظائفهم وإعادة الأراضي لأصحابها يقطع


حمدي دوبلة –
الطريق أمام محاولات استغلال معاناة أبناء الجنوب
القضية الجنوبية طريق الدولة المنشودة .. ومفتاح حلها رفع المظالم وإعادة الحقوق المستلبة
■ .. عندما قرر اليمنيون الانتصار لحكمتهم بتغليب لغة العقل والحوار على أصوات البنادق والارتهان لشريعة الغاب التي سادت لعقود طويلة كانوا يدركون جميعا بأن التركة ثقيلة والتحدي كبير وأن التحول الحضاري ومباشرة التأسيس لمستقبل أكثر اشتراقا وتألقا يتطلب معالجات عملية وجذرية لمختلف القضايا الشائكة والمظالم المتعددة التي واجهها كثيرون من أبناء هذه البلاد جراء أخطاء وممارسات الماضي والتي أثقلت كاهل الوطن وأبنائه لأكثر من خمسة عقود وبات التخلص منها ضرورة ملحة إذا ما أراد اليمنيون الخروج النهائي من أتون الأزمات المتلاحقة إلى آفاق السلام والازدهار وتحقيق أماني الشعب في بلوغ المستقبل المأمول والحياة الكريمة.
■ وانطلاقا من هذه المعطيات والحقائق وبموجب التسوية التاريخية التي ارتضاها جميع اليمنيين بدعم غير مسبوق من المحيطين الإقليمي والدولي وباشرت القيادة السياسية في إنجاز الإجراءات والخطوات الشجاعة التي من شأنها وضع حد للممارسات والصراعات والانطلاق صوب المستقبل المنشود والدولة المدنية الحديثة دولة العدالة والحقوق والحريات دون تمييز أو إقصاء لأي طرف.
ومن هذه القرارات الهامة التي حظيت بارتياح واسع محليا وبترحيب عربي ودولي كبير قرار الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية إنشاء وتشكيل لجنتين لمعالجة قضايا الأراضي والموظفين المبعدين عن وظائفهم في المجالات المدنية والأمنية والعسكرية من أبناء المحافظات الجنوبية في سياق سعي الرئيس هادي الذي قبل التحدي الصعب لمعالجة المظالم التي طالت عددا كبيرا من أبناء الجنوب وكذا تهيئة الأجواء لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي انطلقت فعالياته بعد أسابيع من صدور القرار الجنوبي بهذا الشأن.
أسس هامة
■ القرار الجمهوري الصادر في الثامن من يناير من العام الجاري بإنشاء وتشكيل مجلس معالجة قضايا الأراضي والموظفين المبعدين من وظائفهم من أبناء المحافظات الجنوبية كان بحسب مراقبين ومحللين سياسيين إجراء هاما لحلحلة القضية الجنوبية التي تشكل أهم وأبرز القضايا المنظورة أمام مؤتمر الحوار الوطني الشامل وبدون معالجة جذور هذه القضية الأساسية سيكون من الصعب جدا إنجاح المؤتمر في تحديد ملامح الدولة المستقبلية وصياغة دستور جديد للدولة المنشودة.
ويرى المحللون والمتابعون لعملية التسوية السياسية في اليمن بأن إنشاء اللجنتين وتحديد أسس عملهما وتحديد مهامهما في توضيح المظالم واقتراح المعالجات المناسبة والملزمة بإعطاء كل ذي حق حقه بأنها من أهم الخطوات التي تمت في إطار العملية السياسية في البلاد وأنها قد سحبت البساط من تحت أقدام بعض الأطراف من المتشددين والتي تحاول ممارسة أساليب المزايدة والابتزاز والتكسب غير المشروع من خلال استغلال معاناة أبناء المحافظات الجنوبية في الوصول إلى تلك المكاسب الضيقة.
وحدد القرار الجمهوري الذي حظي بترحيب واسع من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ورعاة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة الأسس الخاصة بعمل اللجنتين وتتمثل هذه الأسس المحددة في المادة الثانية من القرار بأهمية الالتزام والتجرد والاستقلالية والموضوعية وإعلاء المصلحة الوطنية العليا وعدم النظر في القضايا التي تم معالجتها من قبل أو صدرت بشأنها أحكام قضائية وأن يكون نطاق عمل اللجنتين في الادعاءات والانتهاكات التي وقعت على العقارات والأراضي العامة والخاصة أو على العاملين في المجال المدني والأمني والعسكري للفترة من 1990م حتى صدور القرار وكذا الاستعانة والاستفادة من أعمال اللجان السابقة على صدور القرار ونتائج ما توصلت إليه تلك اللجان لضمان عدم تكرار المعالجات كما أكد القرار الجمهوري على ضرورة التزام اللجنتين بالعلانية والشفافية في الإجراءات والقرارات المتخذة من قبلهما ونشرها عبر الوسائل الإعلامية المتاحة.
وتعتبر هذه الأسس مرتكزات رئيسية في أداء هاتين اللجنتين اللتين حدد لهما سقف زمني لإنجاز المهام الموكلة إليهما في غضون عام من تاريخ نفاذ القرار.
مهام واختصاصات
■ المادة الثالثة من القرار الجمهوري تحدد مهام كل لجنة وفقا للاختصاص المحدد لها في تسميتها ومن تلك المهام بحث الادعاءات والانتهاكات المشمولة في نطاق اختصاصها بناء على شكاوى وبلاغات المتضررين وإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة بشأنها والتأكد من وثائق جميع الأطراف والاستماع لكافة الأطراف بشكل عادل للوصول إلى الحقيقة التي نمكنها من إصدار قرارها العادل والقانوني المبني على أسس وحيثيات جوهرية وسليمة وتقديم المقترحات والمعالجات القانونية تقدير التعويضات المناسبة ورفعها إلى رئيس الجمهورية من خلال تقارير ربع سنوية ليتولى إحالتها إلى الحكومة للتنفيذ إضافة إلى تقديم تقرير تفصيلي إلى رئيس الجمهورية في نهاية عملها يتضمن نتائج أعمالها وتوصياتها ومقترحاتها الكفيلة بعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلا إلى جانب اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتنفيذ مهامها واختصاصاتها بالتنسيق مع الجهات المختصة.
صلاحيات واسعة
■ لإنجاز مهام اللجنتين بنجاح وبما يحقق الأهداف المرجوة من هذا الإجراء الهام كان لا بد من منحهما صلاحيات وسلطات واسعة وتحدد المادة الرابعة من القرار الجمهوري (قيد العرض) تلك الصلاحيات المتمثلة في إعطائهما من استدعاء الشهود وأي طرف يكون حضوره مهما والاستعانة بالسلطات المختصة عند الحاجة والنزول إلى كافة الأماكن المدعى بوقوع انتهاكات فيها وفقا لما تقرره اللجنة المعنية وعلى جميع السلطات بما فيها السلطات المحلية تسهيل مهامها والاستعانة بالخبراء والمختصين والفنيين للاستفادة منهم في تنفيذ مهامها وطلب أية وثائق أو مستندات أو تقارير وبيانات تتطلبها الأعمال والاستعانة بموظفين حكوميين للعمل تحت إدارتهما على سبيل الانتداب.
وقد أكد القرار الجمهوري على كل لجنة وضع لائحة لتنظيم احتياجاتها وآلية اتخاذ قرارتها وبحيث تكون معلنة على الرأي العام.
ونجد أن اللجنتين قد باشرتا في أداء مهامهما بعد أيام قلائل على قرار الإنشاء والتشكيل حيث ضمت لجنة معالجة قضايا الأراضي من القضاة والشهود لهم بالكفاءات والنزاهة في حين تشكلت لجنة معالجة قضايا المبعدين من 9 أعضاء من القضاة والعسكريين.
أداء متواصل وآمال منتظرة
■ لجنتا معالجة قضايا الأراضي والمبعدين في المحافظات الجنوبية باشرتا مهامهما عمليا بعد أيام قليلة على صدور القرار الجمهوري وقد أقرتا اللوائح التنظيمية لهما وقسمت المهمام والاختصاصات بين أعضائهما أواخر يناير الماضي وما تيزالان تتلقيان المزيد من التظلمات والشكاوى وسط آمال عريضة من قبلهم بالانصاف وإعطاء كل ذي حق حقه.
وقد تقدم إلى اللجنتين خلال الفترة الماضية عشرات الآلاف من المتضررين والمتظلمين الذين قاموا بتسليم ملفاتهم ووثائقهم.
ويتوقع مراقبون أن تسفر نتائج هاتين اللجنتين عن عودة ما لا يقل عن 31 ألف موظف في السلك العسكري والأمني من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية إلى وظائفهم بانتهاء عمل اللجنة المعنية مطلع العام القادم وأكثر من 40 ألفا من موظفي الجهاز المدني للدولة إضافة إلى استعادة آلاف المواطنين لأراضيهم التي أخذت منهم بطرق غير قانونية.
ويؤكد رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي في لقاءته العديدة على مختلف الفعاليات الخارجية والمحلية بأن عودة هذه المجاميع الكبيرة يتطلب تمويلات كبيرة .. مشددا بأن على الجهات المانحة سرعة الإيفاء بالتزاماتهم وتعهداتهم لمواجهة هذه الأعباء الضرورية لمتطلبات التحول الحضاري في اليمن .. كما أن هناك عشرات الآلاف من المتظلمين فيما يتعلق بالأراضي في انتظار التعويضات المستحقة جراء ما لحق بهم وممتلكاتهم وهو ما يفرض على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته التاريخية في دعم اليمن الذي يمر بمرحلة استثنائية وتحولا جذريا لا بد من الإيفاء بمتطلباته.
فرز وتدقيق
■ يؤكد مسؤول اللجنتين المعنيتين بأنه وبعد أن تم استلام وتوثيق عشرات الآلاف من التظلمات يتم الآن التحضير لوضع التصورات والحلول والمعالجات للتظلمات المقدمة.
وهناك آمالا كبيرة بإيجاد الحلول والمعالجات المناسبة لكل تلك التظلمات خاصة وأن مسيرة التسوية التاريخية تسير قدما ومن نجاح إلى نجاح محفوفة برعاية شعبية عارمة في معالجة المستقبل الأجمل وبدعم دولي غير مسبوق بعد أن رأى في النهج اليمني في التغيير نموذجا جديرا بأن يحتذى في المنطقة العربية بأسرها.

قد يعجبك ايضا