الثلاث الموبقات
معين النجري
معين النجري –
لا يمكن إقامة دولة مدنية حديثة قادرة على الحياة في ظل وجود ثلاث كتل كبيرة يمكن لواحدة منها منفردة أن تعيق مشروع الدولة المدنية فما بالكم إذا ما اجتمعت الثلاث “القبيلة والطائفية والجيش” إذ لا يمكن في أي حال من الأحوال_بناء دولتنا المنشودة في ظل وجود كل هذا الكم من مشائخ القبائل المسنودين بمليشيات مسلحة ومستعدة لتلبية رغبات الشيخ مهما كانت باطلة أو ضد القانون والدستور وحقوق الإنسان وحتى ضد الدين.
يشهد على ذلك الصدامات المسلحة التي تشهدها المدن اليمنية بشكل يومي والتي في الغالب يكون طرفيها أو احد أطرافها شيخ قبيلة ناهب أرض أو باحث عن جاه أو معتد على مرفق حكومي.
إن ما يقوم به مشايخ القبائل في المدن اليمنية يتعارض جملة وتفصيلا مع أسس ومبادئ الدولة المدنية دولة النظام والقانون ولا علاقة لها بأي نوع من أنواع النظام الديمقراطي.
ولكي نتخلص من هذه الكتلة نحتاج إلى دولة قوية منحازة كليا إلى النظام والقانون لا تفرق بين حارس عمارة وشيخ قبيلة وتخضع الجميع للقانون دون أدنى تمايز.
أما كتلة الدين فقد تكون أكثر خطرا على الدولة المدنية لأن الارتباط العقائدي يجعل من التابع مجرد أداة يمكن أن يقدم على الموت راضيا مستبشرا بالجنة معتبرا أن ما يقوم به هو جهاد في سبيل أعلى كلمة الرب حتى لو كان سيقتل عشرات المسلمين.
والمشكلة التي نعاني منها ليس في وجود هذه الطوائف والفرق ولكن رغبة كل طائفة فرض عقيدتها على الأخرى واعتقادها الراسخ بأنها هي الفرقة الناجية الحقة المحقة وما دونها باطل وسعيها لفرض عقيدتها على المجتمع بالقوة وما حدث خلال الفترة الماضية من مواجهات دامية في مناطق حجة وصعدة والجوف وأبين وحضرموت ورداع إلا علامة واضحة لما تخبئه لنا هذه الطوائف وما اليمن قادم عليه من سباق طائفي لفرض الهيمنة على الدولة.
وفي مثل هذه الأجواء وتحت أي حكم طائفي لا يمكن إطلاقا أن يقام أي شكل من أشكال الدولة المدنية الحديثة أو حتى تطبيق النظام الديمقراطي الذي يكفل للجميع مواطنة متساوية في الحقوق والواجبات بغض النظر عن مذاهبهم أو عقائدهم.
ولكي نتخلص من الكتلتين السابقتين “القبيلة والطائفية” نحتاج إلى بناء الكتلة الثالثة بشكل سليم إذ يكمن العائق الثالث في عدم وجود جيش وطني قوي ومستقل لا يمثل أي طائفة أو قبيلة أو منطقة.
جيش عقيدته اليمن أرضا وإنسانا جيشا متحررا من النفوذ القبلي و المناطقي والطائفي والمذهبي مؤمنا بحرية الإنسان اليمني وكرامته وأمنه واستقراره.
جيش قوي يهابه الجميع وتستطيع الدولة تطبيق القانون والنظام على الجميع مستندة على هذه القوة التي باستطاعتها ردع أي قبيلة أو طائفة أو جماعة ترغب في فرض إرادتهاأو عقيدتها على الشعبأو تحاول الوصول إلى السلطة بطرق غير ديمقراطية من خلال الانقلابات أو فرض السيادة والنفوذ مستندة على مليشيات أو مسلحين.
عندما تستطيع اليمن التخلص من الكتلتين السابقتين وتبني الكتلة الثالثة حينها يمكن أن نطمئن لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تكفل الحرية وتطبق العدالة بين كل مواطنيها.