اليمن.. وحدة الجغرافيا وتعدد التعبيرات
عبدالرحمن مراد
مقالة
عبدالرحمن مراد –
مقالة
ما هو ثابت وفق قانون الصيرورة التاريخية أن الواحد يتعدد وأن الجغرافيا الواحدة قد تعدد فيها الحيوات وتعدد فيها الثقافات والنزعات العرقية وقد تترك العوامل التاريخية ظلالا مؤثرة في الحيوات المستقبلية للأمم.
فالجزيرة العربية في التاريخ القديم كانت وحدة جغرافية مترابطة وكانت مسرحا لأحداث تاريخية ذات تعدد وذات تنوع إذ نشأت فيها ممالك وحضارات كانت تتسع بذاتها أو بنفوذها في كل الجزيرة وتحدد المعلومات المعتمدة عند المؤرخين القرن العاشر قبل الميلاد كزمن بزوغ الحضارة اليمنية التاريخية وترى في ذلك التاريخ بداية حركة التاريخ السياسية والثقافية والحضارية ويقترن ذلك الزمن بسبأ كدولة أو كحركة تاريخية بأبعاد سياسية وثقافية وحضارية إذ يرى فيها كثير من المؤرخين أنها قطب حركة التاريخ اليمني بكل ما يحمله من أبعاد فدولة سبأ التاريخية هي أكبر وأهم تكوين سياسي ولم تكن دولة معين وقتبان وحضرموت سوى تكوين سياسي تدور في فلكها فهي قد ترتبط بها – أي بالدولة السبئية أو قد تنفصل أو قد تندمج فيها لتكون دولة واحدة مثل دولة حمير التي لقب ملوكها بملوك سبأ وذي ريدان وذو ريدان هم حمير.
وقد ذكرت النقوش ملكة سبأ التي حكمت في القرن العاشر قبل الميلاد وبعدها ذكرت عددا كبيرا من المكربين والملوك الذين توالوا الحكم في دولة سبأ والفرق بين الملك والمكرب هو أن الملك يحكم شعبا واحدا أو قبيلة واحدة بينما المكرب لقب للموحد لعدة شعوب ووجود المكربين في تاريخ اليمن القديم يوحي بالتعدد ويوحي بنزعة الانتماء للجذر الحضاري والتاريخي وفي دراسة إحصائية لأحد الباحثين في التاريخ وجد أن المكربين أي الموحدين لليمن في الدولة اليمنية القديمة بلغوا ما يقارب خمسين مكربا وكانت إحصائيته قائمة على التراتب الزمني مبتدئا من القرن الثامن إلى القرن الأول من قبل الميلاد ومن أولئك كرب إل وتار بن ذمار علي ويرجح المؤرخون أن صاحب نقش صرواح الكبير الذي ورد في مضمونه أنه قام بعدة حملات عسكرية داخلية خلال فترة حكمه يهدف منها إلى تثبيت السلطة المركزية لدولته وتأديب من خرج عنها وشملت حملاته مناطق أوسان وغيرها من المناطق الجنوبية حتى باب المندب كما شملت حملاته أيضا مناطق امتدت ما بين نجران والمعافر من بلاد الحجرية وبعض مدن وادي الجوف مثل نشان ونشق ويذكر النقش أنه كافأ المناطق التي حافظت على الولاء له مثل حضرموت وقتبان ويذكر المؤرخون أن سبأ ظلت حتى القرن الخامس قبل الميلاد هي الدولة المركزية القوية ثم بدأ يدب الضعف فيها فخرجت عن سيطرتها مناطق عدة واستطاعت تكوين كيانات مستقلة ودخلت الدولة الناشئة في منافسة مع الدولة المركزية وحاولت مشاركتها النفوذ السياسي والتجاري مثل معين وقتبان وحضرموت.
ويروي المؤرخون أنه في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي انتهت حضرموت كدولة على يد شمر يهرعش بن ياسر يهنعم وهو الملك الذي تنسب إليه الأخبار كثيرا من البطولات والأمجاد وهو من أبرز الشخصيات الملحمية في القصص والحكايات وقد استطاع هذا الملك أن يوحد الكيانين السياسيين الباقيين وهما:
سبأ وحمير في كيان واحد وأقام حكما مركزيا قويا وحمل لقب ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت