مؤتمر السياسات والتنمية الثقافية

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - ربما كانت الثقافة في اليمن من الاشكالات الوطنية الكبيرة فهي منذ 90م حين تم دمج المؤسسات في الشمال - حينها - والجنوب في بنية مؤسسية واحدة ظل التراكم الشطري بكل أخ
عبدالرحمن مراد –

مقالة

ربما كانت الثقافة في اليمن من الاشكالات الوطنية الكبيرة فهي منذ 90م حين تم دمج المؤسسات في الشمال – حينها – والجنوب في بنية مؤسسية واحدة ظل التراكم الشطري بكل أخطائه حاضرا في البنية المؤسسية الجديدة التي ظلت بعيدة عن التحديث والتطوير وتجديد الوظائف واستيعاب مفردات اللحظة الحضارية الجديدة التي يمر بها العالم في منظومته التقنية والاتصالية الحديثة.
ولم يكن ذلك الثبات هو الوحيد في تعميق الإشكالية الثقافية بل كانت السياسات العامة للحكومات سببا جوهريا أيضا فيها إذ ظل البعد الثقافي بعيدا عن المشاريع الاستثمارية فلم يكن حظه من كل الحكومات إلا الاستبعاد رغم أهميته في التكوين وفي البناء الحضاري وفي تكامل دوائر التطور التي يتحدث عنها الفكر الإنساني باعتبار الفن حياة مركزه فالإنسان يريد أن يكون أكثر من مجرد كيانه الفردي إذ أنه يسعى إلى الخروج من جزئية حياته الفردية إلى كلية يرجوها فهو يسعى إلى عالم مثالي أكثر عدلا وأقرب إلى العقل والمنطق ولا يتحقق له الامتلاء بمثل ذلك إلا بالفن الذي يستطيع من خلاله أن يجعل من فرديته كلية اجتماعية بإطلاعه على تجارب الآخرين وهي التجارب التي يمكن أن تكون تجاربه ففي الفن تكمن قدرة الإنسان على الالتقاء بالآخرين وعلى تبادل الرأي والتجربة معهم فالفن لازم للإنسان حتى يفهم العالم ويغيره وضرورته تكمن في الاكتمال وفي السحر الكامن فيه.
يقول أحد المفكرين أن النظرة الجمالية السائدة في مجتمع يحكمه صراع الطبقات تتطلب أن يكون الأثر المباشر للعمل الفني هو إخفاء الفروق الاجتماعية بين المتفرجين بحيث تنشأ منهم جماعة لا تنقسم إلى طبقات وإنما تكون وحدة إنسانية شاملة.
ويكاد الفكر الإنساني أن يجمع على فكرة أن الثقافة عنصر حيوي ومهم في التطور والنماء والانتقال بل ذهب بعض أولئك من أرباب الفكر إلى القول أن الثورة لا تفضي إلى التغيير بل التغيير في المفاهيم والمنطلقات الفكرية ومنظومة القيم والمبادئ ومفردات العلائق الإنسانية هي من يفضي إلى الثورة وعلى مثل ذلك دلت حقائق التاريخ وأحداثه.
ومن هنا أصبح من الضرورة بمكان صياغة سياسات ثقافية وطنية جديدة أي صياغة استراتيجية وطنية للثقافة متوافقة مع حالات التغيير والانتقال وقيم العصر ومتغيراته وتكون مبنية على أسس ديمقراطية وقائمة على قيم عدالة التوزيع للخدمة الثقافية وحرية الإبداع والتنوع وتعدد الاشكال والمصادر والأهم من كل ذلك أن تبتعد عن المركزية المفرطة وبحيث تصبح المراكز الثقافية التاريخية في الجغرافيا الوطنية ذات حضور حيوي وتفاعلي وبحيث تتحول الأطراف والسلطات المحلية إلى حامل للهم الثقافي ومشغول به من خلال تكريس حضوره وتكرار سؤاله في الاشتغال العام.
ولعل أبرز اشكال يقف حائلا أمام تطور وانزياح الفعل الثقافي بكل أبعاده هو حالة الازدواج بين المؤسسات الرسمية فالأوقاف تتداخل مع الآثار والمخطوطات من حيث الوظيفة والاختصاص والدفاع تتداخل مع الثقافة من حيث القلاع والحصون الأثرية وتبعيتها وثمة تداخل في الوظيفة الثقافية بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الإعلام ووزارة الشباب هذا بالإضافة إلى التداخل والازدواج بين الهيئات والوحدات الإدارية داخل المؤسسة الثقافية نفسها فقطاع الثقافة بالوزارة في حالة تضاد مع الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة للآثار والمخطوطات في حالة تضاد مع قطاع الآثار والمخطوطات وهكذا دواليك وهو الأمر الذي أفضى إلى حالة التعطيل والشلل التام في الوظيفة الأساسية للمؤسسة الثقافية الرسمية.
وإذا كان الإنسان هو ديدن التنمية وهدفها الأساسي فإن الاعتناء به وتحقيق متطلبات التكامل في البناء النفسي والذهني والحضاري والثقافي له ضرورة تفرضها حاجات النماء والتحديث وحالات الانتقال.
ومن هنا يمكن القول أن مؤتمر السياسات والتنمية الثقافية الذي انعقد بصنعاء من 6 إلى 8 مايو 2013م كان باعثا للسؤال الثقافي الذي يفرضه واقع اليمن الجديد وواقع البناء للدولة الحديثة الذي يناقش ملامحه العامة مؤتمر الحوار الوطني فالحاجة ضرورية والسؤال الثقافي هو الأكثر إلحاحا في الحاضر والمستقبل.. فالامتلاء الحضاري في الوجدان الجمعي ليس أكثر من تفاعل وجودي قد يكون أكثر نموا وتطورا وفي المقابل فإن الفراغ ليس أكثر من حالة تيه تدور في فلك الكون الحضاري الجديد ولن تنتج سوى الحالات القهرية ولن تجدد سوى عوامل وعناصر الصراع.

قد يعجبك ايضا