وزارة الصحة لا تطبق قانون التخلص من النفايات الخطرة .. وهيئة البيئة لا تفعل صفة الضبطية الممنوحة لها بالقانون

تحقيق عبد الناصر الهلالي


تحقيق/ عبد الناصر الهلالي –
خبير : ابخره الحرق قد تسبب تشوهات الأجنة والتخلف العقلي

محفوظ سعيد (49) عاما يعاني منذ 15عاما من التهابات حادة في الرئة أدت إلى ضيق في أحد صمامات القلب والتهاب في الكليتين بحسب أوراق الفحوص والأشعة التي كان يمتلئ بها كيس بلاستيكي بجواره.
تقول زوجته:” هذا حاله يوميا .. تعبنا وين نروح نعالجه” فيما ينظر أطفاله إليه خشية فقدانه ذات مساء. أما طاهر نعمان – 62 عاما- فيباغته ضيق التنفس بين الفينة والأخرى ويقول بضجر: “مصيبتنا هذا المكب .. هو الذي جلب لنا الأمراض”. ومثله توفيق القاسمي 38 عاما الذي استقبلنا بغضب شديد قائلا: “قولوا للمسئولين يعملوا لنا حل..الدخان أصابنا بالمرض وتعبت من شراء العلاجات لي ولأبنائي المصابين بالربو”.
ثمانية من كل عشرة أفراد يقطنون في محيط مكب النفايات الذي يبعد (15) كم إلى الغرب من مدينة تعز يعانون من أمراض في الجهاز التنفسي جراء الدخان المتصاعد من الاحتراق الذاتي للمخلفات التي تلقى في المكب منذ نهاية الثمانينات. يلي ذلك أمراض التشوهات الخلقية والتخلف العقلي وقصور كلوي بحسب استبيان وزعه كاتب التحقيق على 100 عائلة في محيط المكب.
مكب تعز – الذي انتهى عمره الافتراضي عام 2000 بعد 17 عاما على إنشائه – يواصل نفث الغازات المضرة بالصحة الناتجة عن الاحتراق الذاتي للمخلفات الطبية والمنزلية ما يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية ورفع نسب الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي في ظل تراخي صندوق النظافة والتحسين في المدينة عن نقل المكب بعيدا عن التجمعات السكنية وغياب الدور الرقابي لهيئة البيئة. ومما يفاقم المشكلة عدم وجود إحصاءات رسمية لدى وزارة الصحة توضح الآثار الصحية للمكب على المواطنين فضلا عن سماحها بترحيل النفايات الطبية إلى المكب دون فصلها على ما توصل إليه كاتب التحقيق من مشاهدات ميدانية ومقابلات.
طاقة المكب التصميمية كانت في حدود (150) ألف نسمة عام 1983. ولكنه بات يخدم (900) ألف نسمة في مدينة تعز بالتزامن مع انتهاء عمره الافتراضي. ويحترق به ذاتيا نحو مليوني طن من المخلفات فيما يعيش في محيطه نحو 45 ألف نسمة “ما يجعله أسوأ مقالب اليمن” بحسب رئيس قسم ترحيل المخلفات بمشروع النظافة التابع لصندوق النظافة والتحسين عبد الحكيم ناصر.
– مرضى بالجملة
أسبوعيا يعالج الدكتور محمد الحمادي عشرات الحالات المصابة بأمراض (الربو والتهابات الحنجرة والصدر والحساسية) في عيادته الواقعة على بعد أمتار من المكب. ويرجع د. الحمادي أسباب هذه الأمراض التي انتشرت بين السكان إلى الغازات الناتجة عن الاحتراق الذاتي لمخلفات تطمر تحت طبقة رقيقة من التراب ولا تدفن بشكل صحي نظرا لعدم توافر آلات الدفن.
الطفلة فردوس في الخامسة من العمر من قرية الشويهية القريبة من المكب معاقة حركيا منذ الولادة ومثلها العديد من المعاقين والمتخلفين عقليا في ذات القرية التي يصل إليها الدخان المتصاعد من المكب على مدى 30 عاما منذ إنشائه وسط المساكن. وأكد أطباء أن لغازات أول وثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق المخلفات علاقة بإصابة الأجنة بالتخلف العقلي عند استنشاق النساء الحوامل لتلك الغازات.
ويشكو عبده سعيد (32) عاما من معاناته مع أطفاله الثلاثة المصابين بانسداد في الشعب الهوائية ويقول: “أنظر إلى وجوههم الشاحبة .. أسبوعيا أسعفهم إلى تلك العيادة” مشيرا بأصبعه إلى عيادة الدكتور الحمادي.
– أمراض خارج السجلات
يقول الدكتور فؤاد نعمان مدير مركز الأمومة والطفولة في منطقة المطار القديم الذي يبعد خمسة كيلومترات عن المكب إن عدد المرضى الذين يصلون إلى المستشفى من ضاحية المكب يوميا عشر حالات تعاني أمراضا في الجهاز التنفسي.
راجع كاتب التحقيق المستشفى الوحيد القريب من المكب للحصول على أرقام تبين طبيعة الأمراض التي يعانيها السكان لكنه اصطدم بعدم وجود أي سجلات أو أرقام حول الأمراض وتصنيفها لسكان المنطقة المجاورة للمكب.
على أن الدكتور علي ناجي مدير هذا المستشفى العربي- وهو مستشفى خاص- يؤكد وصول أربع حالات يوميا إلى المستشفى من السكان المجاورين على امتداد العامين الماضيين. ويقول: “هذه الحالات مصابة بأمراض الجهاز التنفسي المختلفة (ربو وحساسية والتهابات في الجيوب الأنفية)”.
بدوره بحث كاتب التحقيق في سجلات وزارة الصحة ليتأكد من ذلك لكنه لم يجد فيها أي إحصاءات عن الأمراض التي تصيب السكان في منطقة المكب. إضافة إلى ذلك تغيب المرافق الصحية عن مديرية التعزية التي يقع المكب في نطاقها باستثناء ثلاثة مراكز صحية أقصى ما تقدمه هو تطعيم الأطفال كما يقول علي عبد السلام الجميلي أمين عام المجلس المحلي في المديرية. ويعتبر الجميلي نقص المعلومات في سجلات الوزارة تقصيرا من جانبها في متابعة هذا الملف.

قد يعجبك ايضا