الوزراء المبجلون والشارع !

خالد الرويشان


 - كنت أحب للحكومة أن تصل إلى عدن وتعز والحديدة برا وليس جوا كما حدث ! وحتى لا يصبح الوزراء في أبراج عاجية طائرة بعيدين عن الشارع ومعاناته, والناس وأحزانهم.
كنت أتمنى أ
خالد الرويشان –

كنت أحب للحكومة أن تصل إلى عدن وتعز والحديدة برا وليس جوا كما حدث ! وحتى لا يصبح الوزراء في أبراج عاجية طائرة بعيدين عن الشارع ومعاناته, والناس وأحزانهم.
كنت أتمنى أن يسافرالوزراء برا حتى يستمتعوا بالمطبات وأنواعها والتقطعات وأسبابها, والإضرابات وجذورها, والأسواق المختنقة بالفوضى, والإهمال واللامبالاة, بدءا من قرية حöزúيزú المريعة, مرورا ببلاد الروس والتي يمكن أن تدخل موسوعة جينيس القياسية في عدد المطبات! ووصولا إلى عواصم المحافظات جميعها..
كنت أتمنى للحكومة أن تنزل إلى الشارع, وأن تكتشف أحزانه, وتعايش كآبته, وتعيش ظلامه ووحشته! وكنت أتمنى ألا يستنكف الوزراء المبجلون من الجلوس مع الناس البسطاء المتعبينوالباعة الجائلين المكافحين, ووسط أسواق متخمة بالمخلفات, عائمة في ما يشبه المستنقعات!
وكنت أريد لأعضاء الحكومة المبجلة أن يشاهدوا قوافل الاخوة الصوماليين الهائمين على الطرق الطويلة, وكأنهم في ماراثون سباق.. أما لماذا لا يركبون مع أحد,.. وكم يموت منهم على الطريق, وكم بقي منهم أحياء فالأرجح أن الإجابة يمكن أن تكون في جيبوتي أو طوكيو وليس في صنعاء!
كنت أريد للوزراء المبجلين أن يمروا بالمدن الحزينة المنطفئة بعد مغرب كل يوم ومنذ سنوات! بدءا بذمار ومرورا بيريم, وإب, والقاعدة, وصولا إلى تعز, وعدن, أما باجل فإنه الموت! ومثلها مدن الساحل التهامي العريقة الكريمة الصابرة! كأن ناسها يكتفون بضوء قلوبهم وملابسهم البيضاء في دجى الظلام والرطوبة والحر! بينما التلفزيون يناشد المواطنين القبض على مجرمي ضرب الكهرباء! أما ماذا يفعل الجيش والأمن, وأين ذهبت القوات الصاعقة, والعاصفة, والعمالقة, والحرس الخاص والعام, والفرقة الأولى بكسر الفاء, وقوات مكافحة الإرهاب ممن نراهم في الشارع بالسيارات الغريبة, والبنادق الطويلة, والسواعد المشمرة, والنظارات السوداء(…)
كنت أتمنى من الوزراء المحترمين أن يخرجوا على الأقل إلى الضواحي القريبة من صنعاء ولو لمسافة كيلومتر واحد!.. مثلا إلى أرúتöلú, أو قرية حمöلú أو نöمران ليكتشفوا حياة مواطنيهم.. فلا طريق, ولا مستشفى, ولا مدرسة, ولا هاتف, ولا حتى سيارات! بعد أن تم التخطيط لهذه المنطقة وخلال ثلاثين سنة أن تكون مجرد مخزن بشري للتجنيد والموت!جنود حتى يتوفاهم الله.. إذ لا ضباط في هذه القرى لأنه لا تعليم ولا مدارس,.. وحتى لا نبالغ فإنه توجد مدرسة واحدة لكل عشر قرى!
كنت أتمنى أن تزور الحكومة المحويت,.. فقط, كي تتعلم معنى العمل والإنجاز, وكي تكتشف معدن هذا الشعب العظيم,.. وسأصر على عظمته لأني خبرتها, وعاينتها عبر تأملاتي, وشغفي الدائم بكفاح الإنúسان وصبره, ونبله في هذه البلاد رغم كل الظروف القاهرة والقاسية, فقد زرت المحويت بعد أربعة أيام فقط من نزول المطر قبل أسابيع, لأفاجأ, بأن الأرض محروثة بالكامل!وعلى طول الطريق إلى المحويت,..على سفوح الجبال, وبطون الأودية, وجنبات الشعاب,
..كل شبر من الأرض! متى حرثت.. وكيف تسنى ذلك خلال أربعة أيام فقط! وأين ذهب المزارعون.. فأنا لا أكاد المح أحدا في حقل, أو في طريق.. أو حتى على سطح منزل أو على باب! كأن جöنا نزلوا من السماء.. حرثوا الأرض ذات ضحى وغادروا!
هذا هو شعبكم المكافح أيها الوزراء المبجلون! تأملوا مدرجات الجبال, وآلاف القرى والحصون المبنية بإحكام عبقري, وأسوار خرافية.. بينما تعجزون عن ملاحقة بضعة مجانين يضربون الكهرباء, ويفجرون انابيب النفط,.. وتعجزون حتى عن إزالة المطبات, وأقترح أن ترحöلوا قضية المطبات إلى مؤتمر الحوار!.. فالقضية أصبحت أكبر مما تتصورون, وأخطر مما تتخيلون!
أخيرا.. فإنني أتمنى أن يكف الوزراء المبجلون عن الضحك, وتوزيع الابتسامات الخالية من أي معنى أمام كاميرات التلفزيون! فساعة الضوء الوحيدة المتاحة للمواطن أمام التلفزيون لا تحتمل, ثم إن عيون المواطنين ممتلئة بالدموع, غارقة في الظلام!

قد يعجبك ايضا