صمت وسكون..
محمد المساح
محمد المساح –
يحيط به سكون غريب في عمق الليل يتراءى له في تلك اللحظة أن الصمت سيخرج له من الغدرة إنسانا بتكوين مدهش يحمل في يده سراجا داخل مربع زجاجي يناوله يده الأخرى ويرحلان معا في خبت الليل?
كان ذلك في البدء.. افتراض خيالي لكنه على ما يبدو في استغراقه المتأمل وشروده الطويل..رحل بالفعل مع الرجل وعلى ضوء السراج الذي ظلت شعلته متوجهة اخترقا بحر الليل وأبحرا كلاهما في زورق الخيال?
في أول منحنى وقف الاثنان فجأة ونظر كل منهما في وجه صاحبه ليتأكد كل منهما.. من هو الحقيقي¿ ومن هو الخيال¿ تداخل الوجهان وذابا في وجه واحد?? حمل السراج في يد واليد الأخرى ظلت تمسك المجداف على شرفة الزورق في بحر الليل?? كان المجداف ثقيلا?? لم تستطع اليد الواحدة القبض عليه فهوى في بحر الليل وظل هو في وسط الزورق وحيدا يلتمع وجهه في ضوء السراج?? نقطة مضيئة?? تهادى الزورق لوحده بفعل التموج واستوى في وسطه حتى يحافظ على توازنه وضع السراج أمامه غير بعيد?
وعاد السكون عميقا هذه المرة وشاملا..غاب وزورقه في لجة الليل.. ظل الزورق يتمايل على جانبيه وكلما مرت على أسفله موجه صعد بهدوء وعاد إلى تمايله المعتاد?? تناول السراج أمامه وحدق في شعلته التي لا تصغر ولا تكبر رفع الزجاج عاليا ونظر مليا ليرى هل تشتعل تلك الشعلة بفعل الزيت?? أم بطارية في عمق الصندوق الزجاجي?? لم يتبين الفارق وهو يبحث في ذهنه ذلك التساؤل?? عصف الهواء بنسمات دافئة لامست وجهه فسرت في جسمه حرارة بطيئة?? وحرك يده ووضع السراج غير بعيد عنه تناهى إلى سمعه ضجة خافتة في البدء? واحتمل تصاعدها ليميز بعدها من الذبذبات الصوتية مصدرها ونوعها?? أصاخ السمع جيدا?
خفتت الضجة وتلاشت ظل ممتنا بداخله لتمايل الزورق وصعوده الخفيف وهبوطه المتقطع وخالجه ارتياح لذيذ.. تذكر الهندول القطني المربوط على حافة القعادة الخشبية?? ذكرى بعيدة صعدت بصعوبة من أغوار الزمن القديم?? وحاول دفع الذاكرة لتلم عناصر المشهد?? انفلت السراج بغتة من حافة الزورق وغاب في بحر الليل توقف تمايل الزورق?? ولفه بعدها سكون عميق?