حöمار ابتسام

سعيد شجاع الدين

سعيد شجاع الدين –
لا تدري‮ ‬ابتسام أين تضع سرها‮ ‬ففي‮ ‬كل صباح‮ ‬يراودها الحنين إلى أمها‮. ‬نعم إنها كذلك‮ ‬وهي‮ ‬تسرد قصتها على زملائها‮ ‬كلما اتيحت لها فرصة الإجابة على أي‮ ‬من الأسئلة التي‮ ‬تنهال عليها‮ ‬رغبة في‮ ‬معرفة المزيد عن شخصيتها‮. ‬إنها مجرد عاملة نظافة‮ ‬أو كما‮ ‬يسمونها‮ »‬فراشة‮«‬‮ ‬تأتي‮ ‬إلى المكاتب المكلفة بها‮ ‬أحيانا‮ ‬لتمسح عنها الغبار‮ ‬إذ قلما تقبل تلك المكاتب الأوساخ‮ ‬لأنها من الخشب الراقي‮ ‬كما أن الموظفين هم من الفئة التي‮ ‬تعرف جيبدا‮ ‬كيف تنظف نفسها‮ -‬‮ ‬ولا سيما بعد أن ترسخت مفاهيم كثيرة ظل الموظف المسكين‮ ‬يبحث عنها لسنوات‮ ‬بل لعقود خلت‮. ‬إنها النظافة‮ – ‬إذا‮ – ‬أو هكذا‮ ‬يتراءى لابتسام‮ ‬ولقطعة القماش‮ »‬الممسحة‮« ‬التي‮ ‬تحملها في‮ ‬يدها‮ ‬وصارت جزاء منها‮ ‬هذ الأشياء‮ ‬الكثيرة في‮ ‬يد العامل‮ ‬كثيرا‮ ‬ما تحس بانتمائها للواقع‮ ‬وأنها جزء منه‮.‬
تحدثني‮ ‬ابتسام بنشوة وهي‮ ‬ممسكة قطعة القماش قائلة‮: ‬هذه المنشفة هي‮ ‬ضماري‮ ‬بها أساعد بيتي‮ – ‬فالعمل ليس عيبا‮ ‬العيب أن تسأل الناس‮.‬
ولأنني‮ ‬أعلم أن ابتسام تخفي‮ ‬عن أمها حقيقة وضعها‮ ‬فلا‮ ‬يعلم أحد من أفراد أسرتها أنها تعمل‮ (‬متعاقدة‮)‬‮ ‬فأجدها مناسبة لأقول لها‮: ‬ماذا لو علمت أمك أو علم أبوك أو أحد أخوتك أو‮…….‬إلخ‮.‬
ترد‮: ‬ومن سيخبرهم ما دمت أنا وزوجي‮ ‬متفقين‮ ‬ومضت سنوات وأنا أعمل برضى زوجي‮ ‬وبمعرفة عدد من أهله ممن‮ ‬يقيمون معنا هنا‮ ‬حيث استأجرنا منزلا‮ ‬يأوينا‮.‬
في‮ ‬منتصف الشهر‮ ‬تعاود ابتسام الدخول إلى المكاتب للمرة الثانية‮ ‬تطلب ممن تجده التأشير على الاستمارة الشهرية لتتمكن من استلام راتبها الذي‮ ‬يقارب ثلاثة عشر ألفا‮ ‬تتقاضاها من إحدى شركات النظافة‮ ‬وهذه الشركة هي‮ ‬الموكل إليها القيام بأعمال النظافة‮ ‬بناء على عقد توقعه مع الجهة الحكومية‮ ‬ولأن مثل هذه الشركات تسعى للربح فإنها تستغل حاجة الناس‮ ‬وتحديدا‮ ‬النساء اللواتي‮ ‬اضطررن للعمل بأي‮ ‬مبلغ‮ ‬ولطالما حاولن الحصول على جزء من حقوقهن في‮ ‬رحلة جهاد‮ ‬يزيد من قساوتها أنهن لا‮ ‬يعرفن القراءة‮ ‬والكتابة‮ ‬وإن كانت ابتسام تتباهى أنها تعرف حقوق زوجها‮ ‬وكيف تحافظ على استقرار أسرتها في‮ ‬مثل هذه المدينة‮ ‬إذ كثيرا‮ ‬ما تزهو ابتسام بعملها‮ ‬ولكنها عندما تتحدث عن طبيعة عملها وتصفه‮ ‬وما إن ترد على لسانها كلمة‮ “‬المدينة‮” ‬نراها تشير بإصبعها‮ ‬إلى الأرض‮. ‬ومن المصادفات أنها في‮ ‬كل مرة لا تسلم من تدخل البعض‮ ‬ممن‮ ‬يوجهون لها أسئلة قد كون محاولة منهم للدخول معها في‮ ‬نقاش‮ ‬يبدو لي‮ ‬متحيزا‮ ‬إلا أنها تتلقف الكثير منها‮ – ‬أي‮ ‬الأسئلة‮ – ‬محاولة الغوص في‮ ‬أعماق المجهول‮.‬
ما أراه في‮ ‬عينيها وهي‮ ‬تحدثني‮ ‬عن الحقيبة التي‮ ‬وجدتها في‮ ‬أحد الحمامات‮ ‬يظهر لي‮ ‬أنها أكبر من كل شيء حين أعادت ما وجدته لصاحبه دون أن تأخذ شيئا‮ ‬إلا أن إصرار صاحب الضايعة جعلها تقبل مكافأة بسيطة‮.‬
نعم‮ ‬أجد ال

قد يعجبك ايضا