قراءة مفتوحة في أفق مؤتمر الحوار الوطني الشامل
د. فاضل القعود

د. فاضل القعود –
ولا شك أن اليمنيين بهذا الفعل الذي احتشدوا جميعا حوله فعل الحوار الذي أداته اللسان ومنبعه العقل المتجرöد من الأهواء لا يمارسون فعلا جديدا على عقولهم ونفسياتهم وبيئتهم بل إنه يمثل سجية أصيلة في جبلاتهم ونفوسهم وتاريخهم ووجودهم وكينونتهم وإنهم ليستمدون ذلك من تاريخهم الضاربة جذوره في طبقات الزمن الأرضي حتى لنستطيع القول بأنهم من أوائل البشر اتخاذا للحوار سبيلا لحل كل مشúكöل كان يواجههم ويكفي أن نشير فحسب إلى قصة بلقيس وقومها اليمنيين مع نبي الله سليمان التي عكسها القرآن في سورة سبأ والتي كشفت عن حوار خلاق مثمر بين الملكة والنخبة من شعبها الأمر الذي جنب الوطن اليمني في تلك الحقبة الزمنية من تاريخه الويلات والخراب والفساد والذöلة والهوان .
وهذا درس بالغ الخطورة من التاريخ الوطني البعيد لابد أن يستفاد منه ويستضاء بمعطياته ومآلاته لاسيما من قبل أعضاء الحوار الوطني الشامل الذين هم في مكانة تشريف وتكليف في آن معا تشريف وتكليف من الله والشعب اليمني برمته ولعمري إنها لمكانة جöد خطيرة ينبغي عليهم أجمعين أن يدركوا مدى أهميتها وأن يستشعروا عظمتها ذلك أنهم بهذا الحوار يصنعون مستقبل اليمن ويرسمون خارطة دولة القانون والنظام والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية التي ينتظمها جميعا مفهوم الدولة المدنية حلم اليمنيين الذي ينبغي احتشاد الجميع حوله في سبيل تحقيقه كاحتشاد الظامئين في الصحارى حول نبع ماء اكتشفوه بعد أن تقطعت بهم أسباب الحياة وحاصرتهم – وعلى نحو مفجع – مشاعر قوية من الإحساس بالضياع ومواجهة الفناء والهلكة لا محالة هذا الحلم الذي من أجله قدم الطليعة من شبابنا دماءهم الطاهرة ثمنا له.
غير أن هذه المكانة التي تسنمها هؤلاء المتحاورون حدية بطبيعتها فإما أن يحوزوا المكانة المجيدة من التاريخ أو المكانة النقيضة تماما. ونعتقد – جازمين- أنهم إلى المكانة المجيدة أقرب أي أن نجاحهم في تأدية الحوار على أكمل وجوهه هو الراجح وليس فشلهم لأن فشلهم- ببساطة شديدة- سيقود حتما إلى احتراب الإخوة ودمار العباد والبلاد الشيء الذي لا يمكن أن يقبل به من عنده أقل ذرة من عقل فما بالك بمن يملكون عقولا نيرة ورؤى بصيرة وحكمة ساكنة في جيناتهم في ضوء كلام المصطفى كيف لا وعدم النجاح في الحوار لا يعني إلا غرق سفينة الوطن بكاملها وتحقق المثل الشهير ” تفرقوا أيدي سبأ “¿
وهكذا – إذن – فإن مهمة أعضاء الحوار جد صعبة ونحسب أنه ليس أمامهم سوى خيار واحد وحيد وهو النجاح والنجاح وحده وإلا ‬