التراث الفني همزة الوصل بين الماضي والحاضر

د ليلى الشيباني *


د / ليلى الشيباني * –
” التراث هو ما يرثه الأبناء عن الآباء والأجداد من متروكات فنية من خلال التجارب الناجحة للآباء والأجداد أو بمعنى آخر هو حصيلة التجارب الناضجة للجنس البشري التي أبدعها عبر العصور ولابد للفنان الأصيل أن يعي ويستوعب تراث أجداده ويضيف إليه من ابتكاره الفني ما يواكب طبيعة عصره لان الإنسان لو استوعب التراث القديم ونفذه كما هو وقع في خطأ التكرار والتقليد الساذج وحصلنا على رؤية فنية مكررة من الماضي وفقدنا رؤية العصر الحاضر. فالفن ليس هو تقليد للمأثورات ونسخ من التراث. فالمتذوق عندما يدرك تاريخ الأمم الحضاري تصبح لديه حصيلة ثقافية عن كل الحضارات وأيضا معلومات فنية كرصيد يضمه إلى خبراته وتساعده على التجاوب الفعال مع الاعمال الفنية علاوة على قدرته على التمييز بين ما تحمله الاعمال الفنية من تقاليد وقواعد فنية ثابتة لكل فن من الفنون عبر التاريخ ومن ثم التفريق بين عمل شعبي ينتمي إلى البيئة وآخر دخيل عليها.
إذن فالتراث الفني يعني الاعمال الفنية الغابرة أن تنقل إلينا الماضي نفسه وكأنما هي ” همزة الوصل بين الماضي والحاضر” أو كأنما قد استطاعت أن تجمع نظرات القدامى ونظرات المحدثين في سلسلة فنية واحدة متصلة وقد يحدث في بعض الأحيان أن يكتسب العمل القديم قيمة كبرى لم يستطع معاصروها أنفسهم أن يفطنوا إليها حيث يكون الوعي الجمالي قد نضج بالدرجة التي تسمح لهم أن يفهموه وعندئذ لا يلبث الإنتاج الذي كان موضع نفور في عصر ما أن يصبح موضع تقدير وإعجاب من جانب عصر آخر فلو قدر لمثل هذا الإنتاج أن يظفر بإعجاب الجماهير المتزايد لفترة طويلة من الزمن فانه قد يكتسب طابع من ينقله من محيط جمهور محدود إلى محيط البشرية بأسرها. ”
وهكذا فالتراث بالمعنى المتقدم يمثل صلة وأداة تواصل بين الوارث وبين أسلافه وبين من يأتي من بعده فالتواصل يربط حلقات وجود الجماعة عبر الزمن مدعما استمرار ذلك الوجود ويزكي شعور الجماعة بامتداد جذورها من الماضي إلى الحاضر كما يوحي للأحياء بإمكان استمرار جزء من عالمهم وذلك إذا ما خلفوا لمن يأتي من بعدهم ما يجدونه نافعا وذا قيمة وأهمية لهم.
فالتواصل هو الأداة التي من خلالها يمكن للتراث أن يضم أشياء جديدة من صنع الأحياء..إن للأعمال القديمة سحرها وتأثيرها الخاص على النفس البشرية إذا يضاف إلي أنماطها وأساليبها وقدراتها المتنوعة في تحقيق القيم الجمالية تعاطفنا الفطري مع قيمتها الزمنية ومن ناحية أخري انبهارنا بقدرة الإنسان في هذه الإنجازات الإبداعية عبر العصور المختلفة وتفوقه في تحقيق القيم الجمالية الخالدة ولا شك أن في هذا النوع من المتعة يزيد من وعي الإنسان بذاته وقدراته الخلاقة فترتفع معنوياته وتستثمر طاقاته وإمكاناته لتحقيق مزيد من التطور والرقي.
إن التراث يتصف بالنمو والتطور وكأنه كائن حي يمر بمجموعة من المراحل العمرية تمتزج فيها عناصر مادية متمثلة في الإنتاج الفني ومعنوية متمثلة في الخلفية الثقافية. إن أهم ما يميز التراث هو المرونة التي يتسم بها والحيوية الدائمة والمستمرة والتاريخ الحضاري فهو يمثل تفاعل البشرية مع الماضي والحاضر والمستقبل مما يجعله القلب الذي ينبض لإحياء الجسد وهو خلاصة التجربة البشرية التي مرت عليها وأسهمت في نقل أحاسيسه .إن التراث تجسيد إبداعي لرؤية الفنان وتعبير عن واقعه وطموحاته وآماله وأحلامه نحو المستقبل أي أنه تعبير عن مشاعره الإنسانية.إن كل الأعمال التي نحصل عليها من إنجازات الإنسان في أي عصر من العصور هي عناصر وعلاقات اتخذت طرازا موحدا متميزا هي دليل على محتوى من الخبرة والفكر تدركه الحواس وتتأثر به المشاعر من خلال ذلك تبلغنا هذه الأعمال عن ما كانت عليه الفكرة وما وصلت إليه الخبرات حين أبدعت هذه الأعمال في زمانها ومكانها.فمن خلال التراث نستطيع أن نطلع على مسيرة الفكر الإنساني عبر التاريخ ومنطق تطوره وأثار سمو السلوك وتحضره وكذلك تنمية القدرات والملكات حيث انتقل تفكير الإنسان بين مستوى التفكير الغيبي وبين مستوى التفكير العقلاني العلمي من هنا نجد التراث يعكس مدي تمسك الإنسان بمنطق التطور وكذلك مدي معايشته لمستوي عصره فكرا وفلسفة.
إن التراث.. مقوم جوهري وأساسي من مقومات الشخصية الثقافية والحضارية والتراث الفني من أهم المراجع لحياة الشعوب ويمثل التراث مجموعة القيم المتواصلة التي يعيش عليها الإنسان عبر العصور وما زال يهتم بها ويعشقها ويخلدهالأنها تمثل إنسانيته وقيمة الباقية وهو الجذر لكل شيء وبدونه لا يستقيم شيء أو تطرد مسيرته فالتراث عبارة عن عناصر الثقافة التي تتناقل من جيل إلي جيل آخر فهو أيضا ما خلفه السلف للخلف من تقاليد وأنظمة(ومن هنا لا يكون التراث هو ذات الأشياء التي خلفها السلف على إطلاقها وإنما ما يراه الوارث ذا قيمة وجدوى وأهمية في حياته هو

قد يعجبك ايضا