»مشاكلك واصبر .. يلعن أبو من حرش«

تحقيقعباس السيد


تحقيق/عباس السيد –
المتاريس منتشرة في الحقول والبساتين .. ونذر حرب ثانية بين «قراضة والمرزح» على تقاسم المياه

في الثلث الأسفل من جبل صبر جنوب شرق منتزه زايد المطل على مدينة تعز تأخذ قريتا قراضة والمرزح كل موقعها في مواجهة الأخرى تفصل بين القريتين سائلة تسمى ” العيون ” يتدفق منها عدد من عيون المياه ومعها ينابيع من الخلافات والمشاكل التي يعود جذورها إلى ما قبل أربعمائة عام. أول الأحكام القضائية في تنازع القريتين صدرت عام 1002 هـ .. ولكن المشاكل كانت تتجدد مع تجدد الدويلات والسلطات . أحد الأحكام ممهور بتوقيع أمير تعز أحمد بن يحي حميد الدين وآخر بخط الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني والأخير برعاية الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتم توقيعه في القصر الجمهوري بتعز عام 2000م .
وطوال القرون الماضية ظل الخلاف محصورا في أروقة المحاكم والمحكمين حتى تحول مؤخرا إلى نزاع مسلح بدأ عام 1998 م .. ومعه بدأت المياه تمتزج بدماء أبناء القريتين بين الفترة والأخرى وفي غياب التدخل الحكومي الفاعل تزداد معاناة الناس تحت وطأة الخوف والعطش .
وحين تتحول الخلافات حول حصص المياه إلى معارك من أجل الحياة تجف الحلوق والحقول وتتساقط ثمار البلس والفرسك في القريتين اللتين تعدان الأشهر والأعرق في زراعة هاتين الفاكهتين تذبل الورود والمشاقر .. تتبدل أحوال الناس ويصبح لسان الحال : ” مشاكلك واصبر .. يلعن أبو من حرش ” .

السبت قبل الماضي سقط الشاب عبدالله صادق محمد ـ 18 عاما ـ ضحية جديدة على مذبح سائلة العيون والسابعة خلال الـ 12 سنة الأخيرة . فهل تكون دماء هذا الشاب إعلانا لجولة جديدة من المعارك وإزهاق المزيد من الأرواح .. هذا ما يخشاه أهالي ” القاتل والمقتول ” .
قد تكون المواجهات المسلحة وسقوط الضحايا في معارك بين القبائل أو التجمعات القروية أمرا مألوفا في كثير من المحافظات اليمنية ولكنها في صبر ” موضة جديدة ” فالمعروف عن أهل صبر أنهم فقط ” مشارعون ” فهم يعتمدون على القضاء في كل خلافاتهم ولا يلجأون إلى العنف والقوة التي تصل حد القتل مهما بلغت درجة الخصومة أو المظلومية وإن طال أمد التقاضي . وفي كثير من الأحيان يخرج المتخاصمان من جلسة التقاضي أو من ديوان ” الحاكم أو العامل ” ويجتمعان على طاولة واحدة لتناول الغداء ثم يتقاسمان فاتورة المطعم بالتساوي .
ونتيجة لفساد أجهزة الأمن والقضاء تحول السلوك المدني الحضاري لأبناء صبرفي نظر البعض إلى مادة للسخرية وتأليف النكات التي تظهرهم ” كعشاق للشريعة ” .أستغل القضاة والحكام ومسؤولو الأمن ثقة أهل صبر في أجهزة الدولة وخضوعهم لسلطاتها وسلوكهم المتوارث في نبذ العنف وعملوا على إطالة أمد النزاعات بين الناس لاستنزاف أموالهم بشتى الطرق فقد كان أهل صبر يتمتعون بمستوى دخل أفضل نسبيا من بقية المناطق المجاورة حيث كانت زراعة القات في المحافظة وحتى قرابة ثلاثة عقود ماضية محصورة في صبر قبل انتشاره في بقية المناطق لتتراجع صبر خلال السنوات الماضية إلى المؤخرة .

نمــــــوذج
وأجدني هنا مضطر لسرد هذه الحالة التي رواها لي ” مصطفى ” وهو شاب من أبناء صبر على مستوى عال من الثقافة وهي نموذج للسلوك الذي يمارسه بعض المسؤولين الحكوميين في إدارتهم لشؤون هذه المناطق يقول مصطفى : ” ذات مرة كنت في مبنى الصندوق الإجتماعي للتنمية بصنعاء لمعرفة مصير مشروع إعادة بناء مدرسة قديمة في إحدى قرى الجبل وقد كان موقع المشروع محل خلاف لأربع سنوات وبعد أن تبين للأهالي إصرار الصندوق على تنفيذ المشروع في قرية مجاورة بنفس الإسم والموازنة والوثائق رفعوا دعوى قضائية ضد الصندوق . وفي مكتب المسؤولة عن المشاريع ـ وقد كانت شخصية تربوية مشهورة في تعز ـ سمعت نفس الإسطوانة عن صبر وحبهم ” للمشارعة ” وحملت الأهالي مسؤلية عرقلة المشروع قلت لها : كيف تلومين المواطنين البسطاء وهم يرون أن المشروع الخاص بقريتهم سيبنى في قرية أخرى والمدرسة القديمة التي بنوها في السبعينيات ستلغى وتتحول إلى اصطبلات للحمير.¿ وأضاف مصطفى : لم تتوقف المسؤولة عن سرد النكات ولم تجد في توضيحاتي المشفوعة بالأدلة والوثائق سوى أنني ” مشارع بارع ” .
واستطرد في روايته : بعد أربع سنوات بنيت المدرسة الجديدة في موقع القديمة كما كان يطالب الأهالي وكما تنص لوائح الصندوق الإجتماعي والذي كان مديره السابق في تعز يحاول مخالفتها ولكن الأهالي كانوا قد بذلوا من المال والوقت والجهد ما يقارب تكلفة المشروع ” .. انتهت رواية مسطفى . ولكن قضية قراضة والمرزح لم تنته بعد .

عود ا على بدء
ينظر الكثيرون إلى ما يحدث في قراضة والمرزح من معارك واقتتال بأنه خروج عن المألوف ومؤشر على

قد يعجبك ايضا