وإنني أصلي

عبدالله حمود الفقيه

 - «ما ليس مقبولا ولا معقولا      أن يصúبح اليمن الحبيب طلولا»
نص ينبض كل حرف من حروفه بالحزن والألم والأسى والانكسار كتبه الشاعر الإنسان عبدالعزيز المقالح وأدته الفنانة المتألقة شروق في قالب غنائي جميل ومعبر ومتألق رغم الإمكانات البسيطة تشعر - وأنت تسمع وترى- بمقدار الحب الذي
عبدالله حمود الفقيه –
«ما ليس مقبولا ولا معقولا أن يصúبح اليمن الحبيب طلولا»
نص ينبض كل حرف من حروفه بالحزن والألم والأسى والانكسار كتبه الشاعر الإنسان عبدالعزيز المقالح وأدته الفنانة المتألقة شروق في قالب غنائي جميل ومعبر ومتألق رغم الإمكانات البسيطة تشعر – وأنت تسمع وترى- بمقدار الحب الذي تختزنه الكلمات وتمتلئ به القلوب العاشقة لليمن الحبيب ولن تستطيع أن تمنع قلبك من النحيب.
هذا النص – وسواه – يجعلني أعقد مقارنة بين ما يحمله الفن وما تفرزه السياسة بين الوطن الذي يحمله الفن وينشده الفنانون والوطن الذي تصنعه السياسة ويكوöنه السياسيون بين ما يهبه الفن للبلاد والعباد وما تنهبه السياسة وبين سلطة الفن وسلطة السياسة وهذا الأخير بالذات يصيبني بالذعر على مستقبل البلاد في ظل الوضع الذي نعيشه.
يحمل الفن قلبا ممتلئا بالحب والجمال ويدعو إلى السمو والرفعة ويرتقي بالإنسان روحيا إلى مستويات أعلى بينما تحمل السياسة القبح وتكرس البغض وتجعل من الضعة والتفاهة والحقارة والزيف ضرورة ميكافيللية فتهبط إلى أدنى المستويات البشرية وقد تصل إلى الحيوانية.
ينشد الفن وطنا راقيا يسوده الحب والسلام والعدل والحريةوتحفه كل معاني الجمال والبهاء وتنتشر بين أبنائه القيم النبيلة الراقية الرفيعة والإنسانية يصوره في لوحة متمازجة من ألوان قوس قزح بينما تصنع السياسة وطنا معاقا يحيط به القبح من كل مكان وتنتشر بين أبنائه الصراعات والجهل والتناحر والحروب والموت ويصوره السياسيون في مسرح يغلب عليه اللون الأحمر.
لون السياسيون الجدران بالدم والسماء بأدخنة بنادقهم وأحقادهم ونثروا الرصاص والقنابل على قلب الوطن وهدموا المنازل فوق رؤوس ساكنيها واصطادوا العصافير ورموا جثث الأحلام في الشوارع واغتالوا الزمن.
فجاء الفنانون ولونوا جدران المدن بلوحات فنية تشكيلية تعيد للسماء زرقتها تضوع منها روائح المحبة وتتخلق من بين الألوان عصافير منتشية وأطفال مضيئة في وجوههم البهجة وفتيات متهللة على صدورهن عقود الفل ينثرن على رؤوس المارة الحبق الحالم والريحان المتفائل بغد زاه.
الفنانون كانوا النوارس التي حملت اليمن بين حناياها شامخة عزيزة وحلقت بأجنحة الفن على أصقاع الأرض وهي تتغنى بصوت شجي مفعم بالصدق والوفاء والحب والحنين: « أمي اليمن» فتردد الكائنات ويشدو الكون ويصدح العالم « عيني على كل من حلت قليبه اليمن».
حصد شباب اليمن المبدعون – في كل المجالات- النجاحات ورفعوا هامة الوطن عالية وعكسوا الصورة الأروع والأبهى والأنبل عن هذه الأرض الطيبة المعطاءة فالتفت العالم كله نحوهم منبهرا وأرغموه على أن يقولها بإعجاب وبصوت عال: إنها اليمن البلدة الطيبة التي «لم يمت في حشاها العشق والطرب».
وفي المقابل ينعق غربان السياسة بأصواتهم القميئة يتوسلون المساعدة ويمدون أيديهم إلى دول الجوار بطريقة تبعث على الغثيان والقيء وصوروا الوطن على هيئة شحاذ فقير لا يكف عن التسول يطرده الناس من بيوتهم ويلعنونه في كل مكان لا قيمة له ولا مكانة إنه بلد الإرهاب ومأوى السفلة والمجرمين.
يجاهد الفن لمنح اليمن واليمنيين صورة مشرقة ومستقبلا مكللا بالورود والأغنيات والفرح وتناضل السياسة لتشريد اليمنيين وجعلهم مجرد عمال ومتهربين وشحاذين ولصوص لدى دول الجوار و(عيانين) كما يسميهم المصريون حين يرون (اليمنية) في المطار القديم.
غير أن سلطة السياسة أقوى وسطوتها أشد فغرست القبح وأسست لثقافة الغابة ولم تزل تحاول أن تقتلع الفن وتكرس الجهل والأمية والتخلف وتحيل الفن إلى مجرد وسيلة للاسترزاق والفنانين والمبدعين إلى شلة من المنتفعين والمرتزقة والمزيفين بكل الوسائل وشتى الطرق.
وفي ظل هذا الصراع بين سلطة الفن وسلطة السياسة يضع الوطن يده على قلبه خوفا ورجاء «وإنني أصلي».

قد يعجبك ايضا