عداء مستفز
عبدالعزيز المقالح
عبدالعزيز المقالح –
تخطئ الولايات المتحدة ويخطئ الأوروبيون إذا توهموا أن ردود أفعال مواقفهم العدائية من الإسلام ستظل مقصورة على الأفعال الموسمية التي تقوم بها بعض الجماعات التي يصفونها بالإرهابية فقد بات العداء السافر للإسلام يستفز كل المسلمين وفي مقدمتهم تلك العناصر التي كانت تسمى بالعلمانية والتي تجسدت مواقفها في أهمية التعايش بين الديانات والثقافات. وما حدث منذ أيام في إحدى القواعد العسكرية الأمريكية في أفغانستان من إحراق للمصاحف كان ذروة الشناعة والبشاعة لذلك العدوان المتلاحق وما كان له أن يحدث لولا التوعية العدائية على الإسلام ذاته وليس على جماعة أو فئة من المسلمين المتطرفين كما كان يقال ويتردد في وسائل الإعلام التابعة للتحالف المحتل.
كما أن ما يحدث في القدس وحول المسجد الأقصى لا يبعد كثيرا في خطورته ونتائج أفعاله من حرق المصاحف في أفغانستان فالموقف الاستفزازي واحد والصمت على ما حدث ويحدث من تهويد القدس والاستيلاء على المسجد ومحاولة منع الأذان في الأرض المحتلة كل ذلك يعجل بردود أفعال شاملة من شأنها أن تجعل العالم الإسلامي كله في حالة استنفار وتحفز شديدين فقد اتضحت أهداف القوى المتحالفة في أفغانستان وأوضح جنود الاحتلال النوايا الحقيقية وبات كل مسلم على وجه الأرض يرى نفسه في موضع المصحف الشريف محروقا تتلاعب به نيران الحقد . ولا يكفي للرد على ما حدث أن يقدم الرئيس الأمريكي اعتذاره عن جريمة بشعة كهذه هزت وجدان المسلمين وألهبت مشاعرهم ووضعتهم أمام نوع من الأفعال اللاأخلاقية غير المسبوقة في تاريخهم مع الأعداء بما فيها الحروب الصليبية وقد كانت حروبا دينية وسياسية طاحنة.
ولا أشك في أن المشهد العربي الراهن بما فيه من ثورات شبابية وانتفاضات وطنية يصعب احتواؤها أو التحكم في مسارها مايزال غائبا عن الإدراك الأمريكي والأوروبي وأن الساسة مايزالون ينظرون إلى ما يحدث وكأنه سيظل قاصرا على تغيير الأنظمة في حين أنه في جوهره وسياقه الاجتماعي والسياسي ضد القوى الخارجية التي أفسدت الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي وجعلتها تابعة ذليلة انطلاقا من اعتقاد خاطئ أوهم تلك الأنظمة بأن الولايات المتحدة كفيلة بحمايتها من كل طارئ وإذا بها في أيام معدودة تجد نفسها عارية أمام شعوبها لا تجد منú يحميها أو يتقبل استضافة رؤسائها فضلا عن حمايتهم . والبرهان الأوضح في مصر التي بدأت تستعيد حريتها واستقلال قرارها بعد سنوات من الخنوع والاستكانة للخارج.
إن المتابع المحايد من خارج الاستقطاب الأمريكي والأوروبي لا يتردد عن القول إن الغباء الضارب أطنابه في هذين القطبين المتحالفين قد وصل إلى ذروته من خلال المشهد الدولي الراهن وإن مصالح الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا باتت معرضة لأسوأ انتكاسة في التاريخ الحديث لاسيما في مناخ عودة الحرب الباردة والنهوض السياسي والاقتصادي الذي يشهده الشرق وما تمثله روسيا الجديدة من عودة إلى قواعدها السابقة برؤية هادئة واستقطاب عقلاني لا يصطدم بالأديان ولا بالقوميات مع فهم يبدو عميقا وواضحا لجوهر الصراع الدائر في المنطقتين العربية والإسلامية بعد أن وعى ساسة روسيا الجديدة واستفادوا من دروس الاتحاد السوفييتي السابق وهي الدروس التي لم يستوعبها الأمريكيون والأوروبيون جيدا وأسكرهم مفهوم نهاية التاريخ وما حشدته الصحافة المفرغة من المنطق عن ذلك المفهوم المختل من قراءات خاطئة ومضللة.
دار الحليل