حرق المصحف .. هل نحن متدينون حقا¿

عصام عبدالله

عصام عبدالله –
لليوم السابع علي التوالي تتواصل المظاهرات في أفغانستان احتجاجا على حرق جنود أمريكيين نسخا من المصحف حيث تبنت حركة طالبان عددا من التفجيرات الانتقامية وقتل وإصابة عدد كبير من الجنود الأمريكيين وقوات حلف الناتو. الملاحظة الأولى هي أن المظاهرات الغاضبة في أفغانستان لم تمتد إلى العالم الإسلامي الذي يسيطر على معظمه الآن “الإسلاميون” ولم نسمع “تنديدا واحدا” من أمير قطر أو قناة الجزيرة أو من ملوك وحكام العرب مجتمعين وكأن “المصحف الشريف” هو كتاب الأفغان فقط وليس كتابا مقدسا للمسلمين! .. بينما أندلعت المظاهرات في العالم الإسلامي والعربي (وأمريكا وأوروبا وآسيا) بمجرد تهديد القس المعتوه “تيري جونز” بإحراق نسخ من القرآن الكريم قبل عامين (2010م) في ذكري 11 سبتمبر 2001م !
الملاحظة الثانية هي أن حرق بعض النسخ من المصحف – وهو سلوك مرفوض جملة وتفصيلا – سبقه وتزامن معه تسليم ماليزيا للمبدع الواعد “حمزة كاشغري” للسلطات السعودية لمحاكمته (وتعريض حياته للخطر) عقابا لما كتبه في تغريداته عن الرسول في يوم مولده. وهو ما يفتح قوس كبير حول العلاقة بين “الحرية الدينية” وبين “حرية التعبير” في عالمنا العربي والإسلامي البائس حيث ينظر إلى هاتين المجموعتين من الحقوق في مطلع الألفية الثالثة على أنهما متداخلتان ومتشابكتان: إذ أن حق المرء في التعبير عن أفكاره يتضمن بالضرورة القدرة على اعتناق وممارسة أي معتقد ديني يختاره.
التزامن بين قضية “حمزة كاشغري” وحرق “المصحف الشريف” سلط الأضواء مجددا على هذه النقطة تحديدا فقد شهد العقد الأول من الألفية الثالثة حملة لمحاولة التصدي لكراهية الأديان بمنع الكلام والتعبير بحجة تحريم الإساءة للأديان من خلال سلسلة من القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وفي مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف. بعض الدول الأعضاء في المنظمة الأممية (في مقدمتها الدول الإسلامية) تؤيد هذه القرارات في محاولة لفرض حظر دولي على أي كلام يسيء إلى الأديان وذلك من خلال إيجاد آلية ملزمة في القانون الدولي.
المفارقة هنا هي أن مبدأ الإساءة إلى الأديان كان يستخدم في العديد من هذه الدول للتسلط على الأقليات الدينية التي تعتنق معتقدات تعتبرها الدولة مسيئة للدين القومي أو الدين الذي تؤيده أغلبية السكان. أضف إلى ذلك أن كثيرا من البلدان التي تؤيد منع الإساءة إلى الأديان تطبق هذا المبدأ لحماية دين واحد فقط وتقبل – في داخل بلادها – خطابا متشددا وأعمالا معادية تستهدف أديان الأقليات الأخرى. وتدل هذه التناقضات على أن الاندفاع إلى فرض حظر عالمي على الإساءة إلى الأديان لا يحمي أتباع كل الديانات على أساس من المساواة مثل ما ينبغي لقرارات الأمم المتحدة والأعراف القانونية الدولية أن تفعل.
إن القوانين التي تقيد حرية التعبير باسم حماية الدين أو العقيدة لا تنتهك الحق في التعبير الحر أو تقيد ممارسة هذا الحق فحسب ولكنها في كثير من الأحيان تحد من ممارسة الحرية الدينية خاصة بالنسبة للأقليات صحيح أن الكلام المهين والمفعم بالكراهية الذي يستهدف أتباع بعض الطوائف الدينية وكذلك الأقليات العرقية والجنسية موجود في كثير من دول العالم بما في ذلك الدول الديمقراطية مثل الولايات المتحدة حيث يوجد مناخ من الكراهية وعدم التسامح فضلا عن جميع أشكال التمييز والعنف إلا أن مواجهة هذه المشكلات لا ينبغي لها أن تنطوي على فرض قيود على حرية التعبير وإلا عدنا إلى القرون الوسطى المظلمة في القرن الحادي والعشرين.
لقد أثبتت الطريقة التي تم بها اعتقال “حمزة كاشغري” ناهيك عن السبب الذي أعتقل من أجله وردود الأفعال المتناقضة والمثيرة للعجب بعد العثور على نسخ محروقة من المصحف الشريف (بطريق الصدفة) بأننا لسنا “متدينين” ولا “غير متدينين” وإنما نمارس أشد أنواع “النفاق الديني” والقهر باسم الدين ونتلاعب بـ”مساحة الحرية” نضيقها أو نضبطها على “المقاس” و”الظرف السياسي” نهيج العامة والغوغاء وقتما نريد ونقمعهم وقتما نشاء وكأننا “السحرة الأشرار” في هذا العصر.

قد يعجبك ايضا