الحوار الوطني .. استعادة التوازن المفقود

عارف الدوش


 - 
مرت اليمن بفقدان توازن سياسي وعسكري كبير منذ حرب صيف 94م بشكل واضح وطاغ في مختلف مناحي الحياة فقبل ذلك كان التوازن إن اختل في أحد شطري اليمن يلجأ من يتأثرون من اختلال المعادلة
عارف الدوش –

مرت اليمن بفقدان توازن سياسي وعسكري كبير منذ حرب صيف 94م بشكل واضح وطاغ في مختلف مناحي الحياة فقبل ذلك كان التوازن إن اختل في أحد شطري اليمن يلجأ من يتأثرون من اختلال المعادلة السياسية أو يتعرضون للمطاردة والتضييق والتهميش أو الإقصاء إلى الشطر الآخر فمنذ ثلاثينيات القرن العشرين الماضي عندما بدأت تكوينات الحركة الوطنية في النشاط والمطالبة بالإصلاح والتغيير تعرض الأحرار لصنوف القتل والمطادرة والتضييق ففرمن صنعاء إلى عدن» الزبيري والنعمان ومعهم ثلة من الأحرار وحتى من أفراد الأسرة الحاكمة إلى عدن وكذلك فر المناضلون ضد الاستعمار في عدن إلى تعز أمثال عبد الله عبد الرزاق باذيب وبعد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر عندما اندلع القتال بين الجبهتين القومية والتحرير في عدن فر قادة وأعضاء جبهة التحرير إلى الشمال « الحديدة وتعز وصنعاء « وبعد أحداث أغسطس 68م المشئومة فرت القوى اليسارية في الجيش والقطاع المدني بعد حرب شرسة في صنعاء إلى عدن وبعد أحداث 86م الدامية في عدن فرت مجموعة الرئيس علي ناصر بجيشها وكوادرها إلى الشمال.
هذه مقدمة مختصرة جدا توضح أن التوازن السياسي كان كلما اختل في شطر من اليمن تم معادلته في الشطر الآخر ولكن بعد تحقيق الوحدة اليمنية أصبحت اليمن واحدة برا وبحرا كما يصدح بذلك بلبل اليمن أيوب طارش العبسي فجاءت حرب صيف 94م لتحدث خللا في التوازن السياسي والعسكري وهو ما لم تستوعبه حتى اليوم الكثير من مراكز القوى الحاكمة في البلاد ولازالت تغطي عيونها « بغربال» وتتناسى عن عمد أن هناك ميزان قوى وتوازنا يجب أن يسود في اليمن ولم تستقر أي دولة في اليمن إلا تلك التي كانت تحافز على ذلك التوازن حتى من قبل احتلال بريطانيا لعدن وسيطرة الدولة العثمانية على الشمال ومن ينظر للخارطة السياسية والجغرافية لليمن سيجد نظام « المخاليف « في إطار دولة اتحادية ثم الدويلات المستقلة وشبه المستقلة المتحاربة ولنا في إرسال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة « أربعة ولاة وأربعة مخاليف «.
ونحن على أبواب الحوار الوطني الذي سيدشن في 18 مارس الحالي بدار الرئاسة بصنعاء نتمنى من كل قلوبنا أن يعيد الحوار الوطني التوازن الذي فقدته اليمن في حرب صيف 94م المشئومة لتتجنب اليمن التمزق والتشتت الذي يخاف منه الشعب بل ويرفض العودة إلى الدويلات والصراعات والحروب التي سئم منها أبناء اليمن بل وتعبوا وذاقوا الويلات وهذه المرة نريده توازنا سياسيا اجتماعيا ثقافيا يحدث شراكة في الحكم والسلطة والثروة والتساوي أمام القانون بدون تعول عسكري ومليشياتي وفكري واقتصادي ومن يستطيع أن ينكر أن حرب صيف 94م قضت على التوازن السياسي والعسكري في البلاد وأحدثت خلالا ينذر اليوم بأن يتحول إلى صراع وانقسام وربما تفكك إن لم تحل معضلات التوازن على مستوى الحكم والسلطة والثروة بطريقة جديدة مبدعة.
والحوار الوطني الذي نحن على أبوابه وسيلة لإعادة صياغة يمن جديد بعد أن أدرك العالم من حولنا على مستوى الإقليم والعالم أن فقدان التوازن السياسي والعسكري والمالي في اليمن سيؤدي إلى تشرذمها وتمزقها مما ينذر بكارثة لليمن واليمنيين وللمجتمع المحيط وسيؤثر على الإقليم ومصالح العالم وهذا هو سبب توافق العالم كله على عدم السماح لليمن بالانفجار والتشظي ومن هنا أصبح الوصول إلى صياغة عقد اجتماعي جديد وبناء نظام سياسي مغاير نسبيا أو كليا أهم نقطة في الحوار الوطني ومن هنا فإن الحوار الوطني هو حوار قضايا ومشاريع سياسية وليس حوار جهات أو مذاهب أو مناطق نفوذ تعتمد على عوامل قوة عسكرية ومليشياتية ومالية وجهوية مسنودة بالمال والسلاح والأطراف الخارجية.
فقد جرب اليمنيون خلال الحقب التاريخية السابقة استدعاء عوامل القوة الخارجية والارتهان في أحضان حلفاء اقليميين ودوليين منذ عهد ذو يزن وهو ما اصطلح على تسميته « العقدة اليزنية» التي استدعت الفرس وما لحقها من استدعاءات للخارج في العصر الحديث تمثلت بمصر والسعودية في الستينيات ومن خلفهما السوفييت والأمريكان واليوم يتمظهر الاستدعاء الخارجي في» إيران والخليج « ومن ورائهما أمريكا وروسيا والصين وأيا كان عدد أطراف الحوار الوطني وانتماءاتها وتوجهاتها فتواجدها على طاولات الحوار هو موافقة علنية على ضرورة معالجة اختلال التوازن الذي كاد يفجر اليمن والبحث عن كيفية التعايش والشراكة بعيدا عن الاحتراب أو الهيمنة وفرض المشاريع السياسية والاقتصادية وأنماط

قد يعجبك ايضا