قراءة في نص: «قتيلان.. هما القاتل»

أحمد صالح الفراصي


أحمد صالح الفراصي –
إن القارئ في شعر البردوني- لاسيما في دواوينه المتأخرة-سيلاحظ بروز الطابع الأسلوبي الذي يعتمد على صياغة الأحداث سردا بوساطة الحوار سواء كان خارجيا يمارس من قبل الفواعل الممثلة في نسيج النص أو داخليا بصورة مناجاة أو منولوج دراميفيكتسي النص حينها درامية تمتد في شكلها البنائي إلى الجذور المسرحية .
وهنا تكمن  الرؤية الجمالية المتجددةللبردوني التي تتمثل في العثور على تقنيات شعرية طريفة وتكوينات أسلوبية تصبح بحد ذاتها ايقاعا فنيا يؤكد علىميكانيزم العمل الشعري البردوني ويدل على خصوبته وخصوصيته في آن.
 ومع أن السرد يمكن أن يوجد في أية عملية كتابية فإنه حين تكون هذه العملية الكتابية شعرا فإن دخول السرد في صلبها سيصنع نوعا من الامتزاج المتآلف لا المتنافر بين السردي والشعري. ولا شك في أن هذا الامتزاج يتقدم ليقوم بتنقية أجواء العبارات الشعرية من استطراداتها التصويرية وتطهيرها من فلول البلاغة المعهودة. كما يقوم عبر السرد بتقريب المسافة ما بين الشاعر وكلماته. إذ تغدو الكتابة أكثر بوحا وتغدو الجمل أكثر بساطة وشفافية وأكثر قربا – من وجهة أخرى – من المتلقي ومن الحدث الشعري ذاته. وهنا تتهاوى – أو تتراجع الى الخلفية النصية على الأقل – مفاهيم مثل الغموض والأبعاد الاستعارية للنص. لتحل محلها مفاهيم مثل جماليات المباشرة والبعد الكنائي. والاهتمام بالزمن النصي وباللوحات المشهدية المسرودة والتي لا تقف اللغة أمامها حائلا. ويصبح الابداع والتخييل الكنائي هما المعيار الأول في قراءة القصيدة والوصول إلى مدلولاتها المتعددة.
وهذا بالذات ما يكاد ينطبق على النص قيد التأويل حيث يتشذر النص  طباعيا إلىأربع عشرة شذرة تدور في مضمونها حول جملة من الثيمات المركزية التي استشعرت مرايا التأويل بروزها دون غيرها .حيث استهل الشاعر نصهبالحوار الخارجيليشكل موقفا بدئيا سمح بأن تتكثف فيه بنية النص العميقة التي تدور حول القتل والجريمة المحبوكة الخيوط ويتشكل من خلال إثارة السؤال بما يحمله من دوال تحفز الأحداث والرؤىومحاولة البحث عن الإجابة عنه:
يابن»المتوكل»يا»حجúري»
هل غيركما أحد يدري
هذا الحوار الذي يمثل مفتتحا للدخول إلى عالم النص تنثال بعده الأبيات التي تتصل فيها سلسلة الحوار وتنسكب من خلاله المفردات التي صورت بحöرفية عالية مكان الجريمة الذي لم يترك فيه القاتل أدلة كافية لإدانته وإن كانت أصابع الاتهام موجهة صوب الجار ذو الوجاهة المكنى عنه بـ» الأعلى دارا « .
الثيمة التأويلية الثانية تقف أمام لعبة الأسماء التي لم يكن اختيارها في النص اعتباطا أومصادفة بل أن مدلولات النص نفسه ومجرياته تؤكد على مقصديتها المؤكدة وهي  التي وردت في الأبيات من العاشر إلى السادس عشر:
يا»عبد الرحمن «اتهموا
دعواك وما قبلوا عـذري
قالوا: أغضينا عن «يحيى»
ما بلغناهم عـن «شكري»
هل ذا أو ذاك له خـطر
إستجلى مكرهم «صبري «
عجـöل يا»خـالد»مقتلنا
بل صوب أنت على صدري
وعلى جمجمتي رابعة
صأمحو عارا يدعى «نصري»
وهي الأسماء التي لا يخفى على أي عارف بفن التورية البلاغي ما تحويه من مدلولات متعددة وطريفة أسهمت في إعلاء شعرية النص ورفدته بحساسية شعرية مائزة .
وبعده مباشرة يأتي المشهد التمثيلي الذي يصور القاتل والقتيل في لقطات تمثيلية درامية أحكم الشاعر حبكها حيث بدا القاتل فيه وهو يحوك المؤامرات والدسائس لكي يحكم نسج خيوط جريمته التي يأمل أن تكون مكتملة لا يترك بعدها أي دليل ضده أو أدنى شبهة بينما القتيل لا يدري عنها أي شيء تأمل :
قولا: من ذا قال اقتتلا¿     وعلى هـذا أبúنيú أمـúري
من كان الثالث بينكما ..    ما أغمضه القتل السـري
ويقال: دوافعه الأعصىبولـوجö دخـائöلöهö تغـري
قالوا: يعتو كـ»أبي لهب»  ويصلي كـ»الحسن البصري»
حرúباوي المرآى يبدو      صعلوكـا وهابـا مـثúري
بين الموتى ويدور ولا..    يدري من ذا فيهö يسـúري
إن استمرار الحوار بهذا النمط يعزز توتر النص الدرامي وهذا ما توضحه ملفوظات الحوار نفسها حيث إن هذه اللقطة الاسترجاعية التي قدمها ملفوظ الحوار: «قولا..»  تمثل على مستوى الوقائع النقطة (صفر) لعملية القتل إذ بدأت درامية النص من اللحظة الحالية إنها لحظة الممارسة الفعلية لبرنامج القتل الذي أقيم على أنقاض تلك الادعاءات الزائفة للشخصيات القاتلة التي مثل نجاحها في تحقيقه تحولا خطيرا في ممارساتها الآتية. وهنا يمكن القول أنهيتشكل الحوار لا على بروز صوت مقابل صوت في مستوى الملفوظ بل على صورة مقاطع حدثية متوازيةليصبح النص عبارة عن مقاطع يسيطر عليها صوت لحدث معين يحا

قد يعجبك ايضا