دمعة ماكرة

خالد الحيمي

خالد الحيمي –
كم مر من الوقت¿ لا يدري. يقف أمام النافذة منذ ساعة ساعتين ربما دهر.. لم ينتصف الليل بعد لكن الشارع الذي نسي اسمه يكاد يكون خاليا على الرغم من أن الفندق الذي نزل فيه ما يزال ممتلئا بالحياة وأصوات النزلاء وهم يتحدثون أو يغلقون الأبواب خلفهم يتناهى إلى سمعة.
مد يده بتلقائية وتناول علبة السجائر وأشعل سيجارة وأخذ نفسا عميقا تركه يتغلغل إلى كل خلية في رئتيه ثم زفره كتلة هائلة من الدخان سرعان ما تلاشت تماما كما تلاشت حركة الشارع حيث لا شيء سوى عمال النظافة يقومون بعملهم المعتاد ومجموعة من الشباب يتحادثون عند ركن الشارع ويضحكون بصوت عال ورجل أشيب يتناول عشاءه المتأخر عند باب المطعمويبصق بين كل لقمة وأخرى..
تتوقف سيارة أجرة ويجاهد السائق في دفعها يتطوع بعض الشباب ويساعده . تأتي سيارة شرطة وتتوقف أمام المطعم يترجل منها شرطي ويدخل المطعم يعود وبيديه أكياس بلاستيكية تتحرك سيارة الشرطة وتتوقف غير بعيد.. كلام هنا صراخ هناك و.. تنام المدينة.
في بلاد الغربة حيث مرت سنوات كثر من عمره عدها ضائعة لم يكن يشعر بالملل الذي يشعر به الآن هناك متنفس دائما وراحة بال لا يجدها هنا.ومع هذا فكل السعادة التي عاشها في الغربة كان محورها الأساس الرجوع للوطن فلا شيء يضاهي الوطن..
نعم الوطن هذا الذي يحز في نفسه أكثر من أي وقت مضى لم يعد يتسع لحلم بسيط طالما راوده. سنوات من الغربة ليشتري قطعة أرض سنوات أخرى ليبني بيتا يؤويه وأسرته.. تبخر الحلم وذهبت الأرض – نهبا- لنافذ يحتمي بقطيع من الذئاب البشرية. ولأن العدالة معاقة في هذا البلد فإن مارثون العدو في المحاكم باء بالفشل.
أشعل سيجارة أخرى ولما لم يجد الرغبة في التدخين رماها وتتبعها بنظراته وهي تسقط وتتدحرج على الرصيف, ثم أغلق النافذة واتجه إلى السرير ورمى جسده المتهالكوهو يتذكر- بمزيج من التهكم والسخرية- أغنية شعبية تعبر عما يعيشه : ” شلوا لكم صنعاء مع الأراضي … أما حبيب قلبي ما ناش راضي” يغرق في الضحك وما تلبث ان تراوغ مقلتيه دمعة ماكرة وتنزلق على خده الأيسر.

قد يعجبك ايضا