الواقع والاسطورة (22)
أحمد يحيى الديلمي
أحمد يحيى الديلمي –
(22) عبر ومواعظ
من خلال قواعد وآليات القانون نستخلص الكثير من المواعظ والعبر التي نحن في أمس الحاجة إليها اليوم لإعادة تقويم الواقع وتنظيم العلاقة بين الناس وفي المقدمة أطراف السوق على أساس سليم يحقق المساواة والعدالة بأفقهما الإيماني وبعدهما الإنساني كأهم عامل للأمن والاستقرار وإشاعة السكينة العامة.
ومن أهم المواعظ والعبر:
مع أن القانون مثل ترجمة حرفية لأحكام الشريعة وآلياتها التطبيقية في الواقع الحياتي إلا أنه عكس حالة استباقية في أسس تنظيم الجوانب الاقتصادية بصورة موضوعية تجاوزت المفاهيم التي اهتدى إليها الإنسان في الزمن الراهن وأضحت موضع التباهي والافتخار بالذات من قبل الإنسان في الغرب.
ما يميز الرؤية الإسلامية في فقه المعاملات أن مقومات التطور ثابتة في النصوص لأنها أبقت الأشياء المستقبلية في نطاق المؤشرات الكفيلة بتمكين البشر من الاستدلال على طبيعة الفعل وإخراجه إلى الواقع بشكل يواكب ما هو سائد في كل زمن لأن النصوص جمعت بين الثبات والاستقرار وبين المعرفة والحيوية لإعطاء المسلمين فرصة الارتقاء بالمضمون دون التأثير على النص والتقليل من أهمية المرونة وعدم الثبات توضح الفرق الجوهري بين الرؤية الإسلامية وبين النظريات والأفكار الوضعية الأخيرة تتسم بالقصور من الأساس لأنها صادرة عن بشر والإنسان مفاهيمه قاصرة ومزاجه متقلب مما يجعل أفكاره عرضة للتقلب والتحول والتبدل أو الوصول إلى مرحلة الترهل وافتقاد الجدوى فالإنسان مهما اتسعت معارفه إلا أنه يصعب عليه قراءة آفاق المستقبل والتنبؤ بما قد يحدث فيه مما يضع النظريات الوضعية في نطاق الاستنتاجات والتوقعات التخمينية التي لا ترقى إلى مرتبة التوقعات العملية فتكون عرضة للاندثار أو تفقد أهميتها عندما يخالف واقع الحال ما ذهبت إليه أو أن تظهر نظريات أخرى توافق إيقاع الزمن بينما النظرية الإسلامية مصدرها خالق محيط عالم بما كان وما سيكون من أمر البشر والحياة.
وهذا هو ما جعل الرؤية الإسلامية الاقتصادية تتسم بالموضوعية والثبات والقدرة على مواكبة الأزمنة والمستجدات التي تطرأ عليها.
قد يحاول البعض التشكيك في هذا الكلام وهو استدراك في محله مبعثه الأمة لا علاقة للمنهج به.
عجز المسلمين عن تفكيك النصوص ومعرفة دلالاتها قابله انبهار مريح بالرونق والمظهر الخارجي للحضارة الغربية واعتبارها النموذج الوحيد للخروج من دائرة التخلف وازالة هوة الفارق الحضاري للأسف الشديد هذه المفردة وقع في أسرها علماء دين وكتاب ومفكرون إسلاميون وبلغ بهم الحد إلى القول أن استهداف الإسلام واتهامه بالقصور والعجز عن مواكبة مستجدات الحداثة وخلوه من أية مفردات لتنظيم علاقة البشر ببعضهم وزاد الطين بلة موقف بعض العلماء ممن تعاملوا مع أصول المنهج الاعتقادي بقصور تام فكانوا أساس الاحتباس في طقوس عبادية وتحويل المنهج إلى لائحة محرمات مقابل اهمال فقه المعاملات وكلها يتصل بتنظيم وإدارة شؤون الحياة.
توفير البنية التحتية للاقتصاد:
ونقصد بها القاعدة التشريعية ممثلة في القانون لأنه حدد القواعد والأحكام وآليات التطبيق وتدرج في تحديد المهام والمسؤوليات وصولا إلى توفير منظومة راقية مثلت في ذلك الزمن حالة استباقية نادرة جمعت بين دور الدولة وبين الجهد الشعبي بالذات ما يخص تنظيم الأسواق وتحديد الأسعار بأسلوب يوازي سياسة العرض والطلب أو آلية السوق في الزمن الراهن وبيان مسؤولية كل الأطراف.
من خلال الابحار في ثنايا القانون نجد أنه اتسم بالشمولية فغطى كافة الجوانب الحياتية والمعاملات بين الناس في كل الشؤون التي تختص بالحياة والبناء وهي القواعد التي تحولت إلى موروث ترسخ في ذهنيات البشر إلى أن غدت سلوكا وممارسات يومية وكانت أساس تشكل الرقابة الذاتية من قبل المواطن حينما كان موضعه في سلم أطراف السوق أي أن الرهان كان على الرقابة الشعبية التي تعتمد على تفاعل المواطنين أصحاب الشأن واعتبارهم عين الرقابة على كل صغيرة وكبيرة تدور في الأسواق ليكون دور الأجهزة الحكومية مجرد صدى واستجابة للبلاغات والتقارير التي تتلقاها من المواطن سواء كان هذا المواطن تاجرا إو مستهلكا أو منتجا أو من الحرفيين وأصحاب المهن لتتولى الدولة مهمة الرعاية لجميع الأطراف والقيام بأعمال الحزم والضبط والربط كلما اقتضت الحاجة.
جمعيات حماية المستهلك
عندما نراجع مسار التحولات الاقتصادية في دول أمريكا وأوروبا نجد أن هذه الدول مرت بمراحل عديدة حتى وصلت إلى النظام الاقتصادي الجديد ونلاحظ أنها مضت على نفس المسار حتى وصلت إلى فكرة إنشاء جمعيات حماية المستهلك لتتولى مهمة الرقابة