الواقع والأسطورة «26»
أحمد يحيى الديلمي
أحمد يحيى الديلمي –
مدرسة القيم الإيمانية
على خلفية حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «مداد العلماء خير من دماء الشهداء» وحديث «طلب العلم من أفضل مصاديق الجهاد» ظل الجامع الكبير منارة للعلم ولعب دورا كبيرا في ترسيخ مفاهيم الدين وتحذير معارف العقيدة بأصولها الصحيحة في النفوس في إطار تعزيز الصلات الوجدانية بالخالق سبحانه وتعالى وتبصير الناس لاستيعاب فقه المعاملات بما يمثله من آلية للإدارة وتنظيم شئون الحياة من خلال الجمع بين تحفيز البشر على الطاعة المعنوية ممثلة في المهام التعبدية وبين الإلمام بشروط العبادة المادية المتصلة بتقويم السلوك والارتقاء بالممارسات العملية في الحياة إلى مستويات الفضيلة والتمسك بالقيم الدينية وما تفرضه من التزامات في كل شأن حياتي هذه الثقافة الشاملة للدين والدنيا والمعارف الوسطية المعتدلة هي التي حالت دون أي شطط أو تطرف أوغلو الوسطية من ثوابت هذه الثقافة أن أفعال الطاعة التعبدية لا تتوقف على الجوارح وحالات النفس البشرية فقط لكنها تتصل بتكاليف أخرى لا حصر لها تتصل بفلسفة خلق الإنسان الحكمة من وجوده والدور المنوط به في الحياة لتكون قيم وتعاليم الدين أهم باعث يملأ التزام والتسامي فوق الصغائر.
من نفس الثقافة استوعب أتباعها فكرة القبول بالآخر القابع في مذهب مخالف على قاعدة التوافق حول الأصول والقواسم المشتركة ممثلة في التوحيد المطلق والنبي والقبلة والواحدة.
تقلص دور الجامع الكبير
من أعظم الإنجازات التي حققتها ثورة 26 سبتمبر 1962م مجانية التعليم وفتح الأبواب بمصاريعها أمام كل أبناء اليمن للالتحاق بقطار التعليم.
في ظل هذه الطفرة والنقلة النوعية الهامة ساد اعتقاد خاطئ بأن التعليم الديني من رموز التخلف وهو الاعتقاد الذي ترسخ في أذهان الناس في كل الدول العربية في مرحلة التحرر والانعتاق وكان له ما يبرره من العوامل النفسية وأهمها حالة الجمود والانغلاق التي فرضتها المدارس الدينية على منهج العقيدة فكرة الانقياد والتقليد الأعمى لاجتهادات بشرية عفى عليها الزمن قاد إلى عجز المدارس الدينية عن فهم البعد الاستراتيجي للدين وتفسير الوظيفة الاجتماعية للمنهج حول الثقافة برمتها إلى رمز من رموز التخلف وتحولت مادة التربية الدينية إلى مادة ثانوية في منهج التعليم العام أي أن التقصير مصدره المدارس الدينية لأنها لم تتحدث عن دور الإسلام في الإحياء ورفع مستوى الإنسان روحيا وعلميا وثقافيا وهو ما جعل عدم الاهتمام بالتعليم الديني في إطار مساعي الخلاص من الماضي المتخلف في هذه الأجواء تقلص دور الجامع الكبير وخفت حلقات الدرس فيه.كان أول من تنبه للأمر القاضي عبدالرحمن الإرياني رحمه الله عندما تولى زمام الأمر فالرجل من كبار علماء الدين اغترف من نفس الثقافة فقد عز عليه أن تظل مادة التربية الدينية مستوردة من الخارج شأنها شأن بقية مواد المنهج ركز على مادة الدين لأن التناقضات والتركيبة الاجتماعية والخلافات المذهبية في البلد الذي يأتي منه المنهج تختلف حالة التآلف والتسامح السائدة في اليمن فبادر إلى تشكيل لجنة من كبار العلماء وكلفها بوضع مادة التربية الإسلامية برؤية يمنية وبالفعل تسلمنا عام 1973م مادة التربية الإسلامية مجز أة في عدن كتب والمقدمة بقلم القاضي الإرياني نفسه رحمة الله عليه الحمدي والتعليم الديني
> تولى زمام الأمر بعد القاضي الارياني المرحوم الشهيد إبراهيم الحمدي وكان على إلمام بالمعارف الدينية والعلوم الفقهية وكان هذا سبب اهتمامه بالتعليم الديني التأهيلي لتخريج الفقهاء وقضاة الشرع.
ففي إحدى زياراته لوزارة العدل نوه إلى أن الموت يحصد أرواح كبار العلماء والمراجع والقضاة في ظل عدم وجود البديل فأعلن عن إنشاء المعهد العالي للقضاء لتأهيل قضاة الشرع وكلف لجنة من العلماء لدراسة إحياء التعليم الديني إما بإعادة الحياة إلى هجر العلم أو بإقامة معاهد متوسطة وعليا لتخريج الفقهاء وعلماء الشرع وقد تابع الفكرة بنفسه وحضر إلى وزارة التربية والتعليم لمتابعة الأمر بنفسه.
في نفس اللقاء قدم إليه مقترحين الأول رأى أن تبدأ الفكرة بإحياء المدارس الفقهية الشهيرة ومنها:
– الجامع الكبير بصنعاء
– المدرسة الشمسية بذمار
– مدرسة الأشاعر بزبيد
– مدرسة أروى بنت أحمد في جبلة
فيما قضى الثاني بإقامة معاهد للتعليم الديني من الصف الابتدائي «نفذ المقترح في مراحل لاحقة» أذكر أن المرحوم استحسن المقترح الأول وقال (هذا هو ما نحن بأمس الحاجة إليه الفكرة صادقة وبريئة أما هذه الفكرة فأنها تعني إقامة تعليم موازي للتعليم العام وهو توجه خطير يعني الموافقة على انقسام الجيل أخشى ما نخشاه على الأمة والدين أن ينحرف عالم الدين أو أن ينزلق إلى أوحال السياسة ويهبط بأفكاره إلى قاع الاستغ