اليمن ومخاطر العملية الانتقالية

ابريل آلي*

 - على الرغم من فوضى العملية الانتقالية في اليمن التي لم تنته بعد إلا أنها حققت هدفين محوريين: جنبت اليمن حربا أهلية كان يمكن أن تكون مدمرة وأجبرت علي عبد الله صالح على
ابريل آلي* –
على الرغم من فوضى العملية الانتقالية في اليمن التي لم تنته بعد إلا أنها حققت هدفين محوريين: جنبت اليمن حربا أهلية كان يمكن أن تكون مدمرة وأجبرت علي عبد الله صالح على النزول عن عرش بلد فقير تربع عليه لأكثر من ثلاثة عقود. وفيما زعزعت العملية الانتقالية أسس النظام خلقت في الوقت ذاته إمكانية تصور جديد لقواعد اللعبة السياسية. إلا أن ثمة الكثير مما لا يزال موضع شك لاسيما نطاق التغيير والاتجاه الذي يسلكه.
شهدت البلاد لعبة كراس موسيقية سياسية حيث تبادل أحد فصائل النخبة الأمكنة مع فصيل آخر لكنهما بقيا في حالة مواجهة. ثمة مكونات هامة من المجتمع اليمني لاسيما الحوثيون في الشمال والحراك الجنوبي وبعض الحركات الشبابية المستقلة تشعر بالإقصاء وتنظر بعين الريبة إلى اتفاق المرحلة الانتقالية. وتستغل «القاعدة» وغيرها من المجموعات المسلحة الفراغ الأمني فيما تقبع احتياجات اجتماعية واقتصادية ملحة من دون تلبية.
نصت الاتفاقية التنفيذية للمبادرة الخليجية على عملية انتقالية تتكون من مرحلتين. تمثلت المرحلة الأولى في تفويض صلاحيات صالح لنائبه عبد ربه منصور هادي وأعقب ذلك تشكيل حكومة إجماع وطني تقودها المعارضة وتقسم حقائبها الوزارية بالتساوي بين الحزب الحاكم السابق المؤتمر الشعبي العام وكتلة المعارضة المكونة من أحزاب اللقاء المشترك. شكل الرئيس لجنة عسكرية كلفت تخفيف حدة التوترات والانقسامات داخل القوات المسلحة التي كانت قد انقسمت إلى فصائل مؤيدة ومناوئة لصالح إبان الانتفاضة.
انتهت المرحلة الأولى بالانتخابات الرئاسية المبكرة في شباط (فبراير) الماضي ظهر منها هادي مرشح الإجماع الوحيد ومن دون منافس. في المرحلة الثانية منح هادي والحكومة عامين لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية ومعالجة قضايا العدالة الانتقالية وإطلاق حوار وطني شامل بهدف مراجعة الدستور قبل الانتخابات الجديدة في فبراير 2014 من بين أمور أخرى وهو برنامج مثير للإعجاب بقدر ما هو مفرط في الطموح حيث إن النتائج متباينة حتى الآن وذلك للقصور الكبير في التنفيذ.
بالفعل وعلى رغم إحداث تغييرات عدة إلا أن أمورا عدة لا تزال على حالها. وإذا بدأنا بما هو أكثر أهمية نرى أن الاتفاق فشل في تسوية الصراع الذي اتخذ طابعا شخصيا بين صالح وعائلته من جهة والفريق علي محسن الأحمر وعائلة الأحمر القوية من جهة أخرى فمع سعى المعسكران إلى حماية مصالحهما وتقويض خصومهما فإن خطوط المواجهة بينهما تغيرت من دون تغير في الطبيعة الجوهرية لهذا الصراع أو هوية اللاعبين الرئيسيين فيه. وعلى نحو مماثل فإن الاقتصاد السياسي المبني على الفساد ظل قائما من دون تغيير على الإطلاق حيث تسيطر العائلات نفسها على معظم موارد البلاد وتستمر في الاعتماد على شبكات المحسوبية والرعاية كما تسيطر على عملية صنع القرار في الحكومة والجيش والأحزاب السياسية.
وبالنسبة الى النشطاء المستقلين المصابين بالإحباط فإن الصراع على القمة لا يعدو كونه مناوشات سياسية بين معسكرين سيطرا على البلاد منذ أكثر من 23 عاما وإعادة لخلط الأوراق السياسية بشكل ألحق الضرر بحزب المؤتمر الشعبي العام وساعد أحزاب اللقاء المشترك. ينطوي هذا على تداعيات خطيرة على مستوى السياسات ففيما يتنازع السياسيون في صنعاء ثمة مشاكل ملحة تنتظر حلا. ساءت الظروف المعيشية بشكل هائل منذ اندلاع الانتفاضة حيث ارتفعت مستويات الجوع وسوء التغذية لتصل إلى معدلات مرعبة كما أفضت سنة من الاضطرابات السياسية إلى حالات نقص حاد في السلع الأساسية ورفعت بشكل خطير معدلات الفقر والبطالة المرتفعة أصلا وشلت النشاط الاقتصادي.
لا يزال الجيش منقسما لا يخضع قادته المتصارعون كليا لسلطة الرئيس ولا تزال الفصائل المسلحة والمجموعات القبلية الموالية لصالح وعلي محسن الأحمر وعائلته في العاصمة أما خارجها فالأوضاع أسوأ بكثير إذ تقلصت سيطرة الحكومة -والتي كانت رمزية بالأصل- بشكل حاد على المناطق النائية. في الشمال وسع الحوثيون المناطق التي يسيطرون عليها فيما تجد الحكومة نفسها مرغمة على مواجهة تحديات الحراك والجماعات المسلحة المرتبطة به في الجنوب. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو انتشار أنصار الشريعة وهم مزيج غير واضح المعالم يتكون من مقاتلي القاعدة ومقاتلين محليين الذين يبدو أن المكاسب الاقتصادية هي التي تقودهم أكثر مما تقودهم القناعة العقائدية. وفيما تمكنت الحكومة التي تقاتل جنبا إلى جنب مع لجان شعبية محلية من فرض سيطرتها على مناطق جنوبية إلا أن معركتها

قد يعجبك ايضا