يشهد التاريخ أن هناك شعوبًا ومواقِعَ جغرافية تفرض نفسها كصمامات أمان في وجه الأطماع الكبرى، واليمن اليوم يجسد هذا الدور بامتيَاز في مواجهة المشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة.
لم يعد اليمن مُجَـرّد دولة على الخارطة، بل تحول بفعل صموده وتماسكه الداخلي إلى قوة إقليمية رادعة تُقَضُّ مضاجع الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه الغربيين.. إن هذا التحول العميق والمنظم هو نتاج التفاف شعبي عظيم خلف قائد الثورة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، وتوحيد الجبهة الداخلية، مما ولّد قوةً لم تكن متوقعة في حسابات الأعداء.
الرؤية الصهيونية وخطر تحرّر القرار اليمني
لم يكن خوف الكيان الصهيوني من اليمن وليد اللحظة.. فبعد نجاح المشروع القرآني في ثورة 21 سبتمبر عام 2014م وتحرّر القرار اليمني من الوصاية الأمريكية، خرج مجرم الحرب بنيامين نتنياهو بتصريحات تؤكّـد هذا القلق الوجودي.. لقد أشار نتنياهو بوضوح إلى أن تحرّر القرار اليمني يُشكل تهديدًا حقيقيًّا للكيان الإسرائيلي، مرجعًا ذلك إلى الموقع الاستراتيجي والسيادي لليمن على مضيق باب المندب والبحر الأحمر والعربي.. هذا الإدراك الصهيوني للمكانة الجيوستراتيجية لليمن وقدرته على التحكم بشريان التجارة والملاحة العالمية يؤكّـد أن المعركة لم تكن يومًا معركة حدود، بل معركة قرار وسيادة.
فشل العدوان وحصاد الخسران
ردًا على هذا التحرّر، شهد اليمن عدوانًا وحصارًا شاملين امتدّا لأكثر من ثماني سنوات، خططت له ومولته ودعمته الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وأدواتهما الإقليمية..
لقد قدم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية كافة أشكال الدعم العسكري واللوجستي لتحالف العدوان السعوديّ في محاولة لكسر إرادَة الشعب اليمني وإعادة فرض الوصاية.. ومع ذلك، لم يجنِ هذا التحالف على مدار سنين عدوانه سوى الخسران والفشل الذريع.. في المقابل، سطّر الشعب اليمني أروع ملاحم الصمود والجهاد العظيم في معركة الدفاع عن اليمن.. وقد تصدّى اليمنيون لهذا العدوان الشامل مدعومًا أمريكيًّا وإسرائيليًّا برًا وبحرًا وجوًا، تجاوزت المعركة حدود الدفاع، حَيثُ نجح اليمن في قصف عمق دول تحالف العدوان بالصواريخ والطائرات المسيرة، وفي محاولة لقطع “الضرع الحلوب” للأمريكي والغرب.
اليمن ينهض شامخًا بقوة الردع الاستراتيجي.
المذهل في المشهد اليمني اليوم هو خروجه من بين ركام عدوان 8 سنوات شامخًا، منتصرًا، وقويًّا.. لم يخرج اليمن منهكًا، بل خرج يمتلك جيشًا عظيمًا وسلاح ردع استراتيجي طويل المدى ودقيق الإصابة.. وهذه القدرات النوعية التي طوّرها اليمن محليًّا، من تقنيات متطورة في صناعة أسلحة الردع الاستراتيجية، أرعبت الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وأدواتهما في المنطقة، ووضعتهم في حالة من الخوف والقلق الدائم. وقد أثبت اليمن أنه لا يمكن قهره وأنه أصبح لاعبًا إقليميًّا بوزن حقيقي.
لقد تجسّد الدور اليمني كصمام أمان للمنطقة بشكل لا لبس فيه في معركة ” (طوفان الأقصى) “، حَيثُ انخرط اليمن بشكل مباشر رسميًّا وشعبيًّا وعسكريًّا لإسناد المقاومة الفلسطينية. ولم يكتفِ اليمن بالدعم السياسي، بل فرض حصارًا بحريًّا فعالًا على كيان العدوّ، مانعًا الملاحة المتّجهة إليه في البحرين الأحمر والعربي وحتى المحيط الهندي. والأهم هو عملية قصف الأهداف الحيوية والمطارات والموانئ في العمق الإسرائيلي باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الفرط صوتية، التي حقّقت إصابات مباشرة.. وكان رد فعل المستوطنين في كُـلّ عملية استهداف هو هروع الملايين منهم إلى الملاجئ، مما كشف هشاشة الجبهة الداخلية للكيان وعمق تأثير الضربات اليمنية.
وفي محاولة لحماية الكيان الصهيوني، شكلت الولايات المتحدة الأمريكية تحالف “حارس الازدهار”. لكن هذا التحالف مُني بفشل وهزيمة مدويين أمام الضربات اليمنية والحصار البحري. وقد أصبح الجميع هدفًا مشروعًا وسهلًا أمام ضربات القوات المسلحة اليمنية، حَيثُ تلقت البحرية الأمريكية هزيمة نكراء لم تتعرّض لها في تاريخها الحديث، ولم تستطع الصمود أمام الضربات اليمنية سوى لفترة وجيزة. هذا الفشل أَدَّى إلى إعلان الولايات المتحدة وتحالف الازدهار الهزيمة والانسحاب من المنطقة، وترك الكيان الصهيوني يواجه مصيره أمام بأس الشعب اليمني والقوات المسلحة اليمنية.
يمتد الموقف اليمني كصمام أمان ليشمل المنطقة بأسرها..، حَيثُ كان موقف اليمن صريحًا ومعلنًا تجاه العدوان الإسرائيلي والأمريكي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حَيثُ أكّـد انخراطه المباشر في العمل العسكري المساند للجمهورية الإسلامية إيران في مواجهة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.. وكذلك كان موقفه ثابتًا وقويًّا ومساندًا خلال العدوان الصهيوني على لبنان وسوريا. إن هذا التبني الواضح لمحور المقاومة يؤكّـد أن اليمن يضع ثقله لحماية أمن المنطقة من أي عدوان خارجي ويقف سدًا منيعًا أمام أطماع الكيان الصهيوني واستباحته للأُمَّـة العربية والإسلامية.
إن هذه المواقف المشرفة والصادقة التي جسدها الشعب اليمني والقوات المسلحة اليمنية في كُـلّ جولة من الصراع مع العدوّ الصهيوني، سواء رسميًّا أَو شعبيًّا، وانخراطه العسكري إسنادًا لأي طرف عربي وإسلامي، تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن اليمن هو بالفعل صمام أمان المنطقة أمام أطماع الوحش الصهيوني الهائج الذي تقف خلفه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الكافر.. وبالتوكل على الله، يثبت اليمن أنه قادر على سحق هذا العدوّ وهزيمته واقتلاعه من المنطقة.