الـشـعـوب.. فـي انـتـظـار غـودو

المخرج منصور مطير

المخرج/ منصور مطير –
من هو غودو¿ قبل أن نجيب على السؤال لابد عزيزي القارئ إذا كنت في يوم ما قد قرأت مسرحية في انتظار غودو للكاتب صموئيل بيكيت وهو من رواد مسرح العبث.. ومن خلال التحليل سنعرف من هو غودو المنتظر..!!
فملخص المسرحية «في انتظار غودو» هو استراغون وفلاديمير متشردان يجلسان على حافة طريق ريفي بجوار شجرة جرداء ينتظران غودو والذي يعتقدان أنهما على موعد معه كلاهما يفكر في ترك الآخر ولايفعل .. يتحدثان عن أشياء كثيرة.. استراغون عن حذائه الذي يؤلمه وفلاديمير عن اللصين اللذين صلبا مع السيد المسيح وعن خلاص أحدهما ولعنة الآخر .. ويفكر الاثنان بالمضي ولكنهما يتذكران موعدهما مع غودو.. وبعد فترة يلمحان شخصا قادما ويظنان أنه غودو ولكنه «بوزو» يجر«غاليبان» بحبل ربط حول عنقه وكما يكمل «بوزو غاليبان» أحدهما الآخر فلاديمير عملي واستراغون شاعري وهذا يكره ما يضطر إلىه وذاك يحب ما يعتاد عليه ففلاديمير صبور مثابر واستراغون عصبي .. فلاديمير واقعي واستراغون حالم.. وينتهي الفصل الأول بدون نتيجة يبدأ الفصل الثاني بتغيير بسيط وهو وريقات على غصون الشجرة الجرداء وينتهي بتغيير بسيط أيضا على الشخصيات هو بوزو وغاليبان يعود أحدهما أعمى والآخر أخرس .. وتنتهي المسرحية كما بدأت بدون أن يأتي غودو فما هو الهدف من كل تلك الثرثرة!!
إن عجزهم عن الحياة أو إنهاء الحياة هو الموضوع الافتتاحي والختامي للمسرحية ممتزجا بحبهم للعجز والأحلام التي لم يجعلوا منها فرصة للوعي .. إن أبطال المسرحية ليسوا بشخصيات حية تماما إنهم شخوص من العالم الداخلي .. إن النقد الذي وجه إلى مسرحية انتظار غودو أكثر من تصمد له مسرحية أخرى معاصرة ومع هذا استمرت المدرسة العبثية بحركات فردية ومتنوعة .. فقد رأى بعض النقاد في المسرحية نصا مسيحيا وآخرون ماركسيا حيث يلعب غودو رمز الثورة وآخرون رأوا في غودو الموت وانطلق بعضهم إلى التحليل النفسي وآخرون إلى الاجتماعي ورأى آخرون في غودو العقل الباطن.. وآخرون الوهم والكاذب..
وفي المسرحية نرى الجميع يتكلمون كثيرا ولا يقولون شيئا ذا أهمية الصوت والصمت يصبحان متساويين في إمكانية التعبير والكلمات تصبح أحيانا أكثر سوءا من الصمت نفسه إنهما عقيمان معا كالعالم ذاته فبطلا المسرحية يكشفان لنا ذلك عندما يمثلان الذهاب يبقيان.. وعندما يمثلان النجدة لايحركان اصبعا».
إذا لنعود لنعرف من هو غودو.. هناك تفسيرات متعددة ووجهات نظر أخرى للمسرحية فإذا كان غودو هو الثورة فليصبح «الشعب» استراغون وفلاديمير في انتظارها. وفي هذا التفسير يمثل «بوزو» دور الطاغية القاسي و«غاليبان» دور العبد المضطهد الذي يقرب من مرتبة الحيوان لقد اعتاد «غاليبان» أن يرقص في الماضي لكنه الآن يرفض وكل سياسته وسيادة بوزو وسيطرته تفشل في إقناعه بأداء الرقصة. في النهاية نرى بوزو ضعيفا عاجزا .. لايرى إن إنقاذ حياته من الحفرة متعلق بذلك «الحيوان» الأطرش الذي كان دائما تحت سيطرته المطلقة إن غودو هو الثورة لأنه أوقد التمرد لأنه أثار اللهفة عند المتشردين البائسين على درب ريفي لكن هل جاء غودو في وقتنا الحاضر¿ أو بمعنى أصح هل جاءت الثورة فعلا¿ من الأكيد أن غودو لم ولن يأتي أبدا وكل الانتضار أمر مثير للسخرية لأنه وهم محض. وإذا لم تأت الثورة كيف أمكن لـ «غاليبان» أن يتمرد وكيف أمكن «لبوزو» أن يسقط والأهم أننا لو افترضنا أنها قد أتت الثورة «غودو» بطريقة أو بأخرى« مخفية ربما بمغزى ظهور الأوراق على الشجرة – لماذا ظل فلاديمير واستراغون «الشعوب» منتظرين في يأس العدالة غير المرئية للثورة المزعومة!¿
إذا غودو ليس الثورة لأنه إن كانت هناك ثورة في المسرحية فهي من الداخل وليس لها أن تأتي من الخارج هكذا دائما .. الثورة ليست رحمة ميتافيزيقية تحل على البشر الثورة هي البشر هي الرفض هي البناء هي إعادة الخلق للكون والإنسان قد يقول بعضهم إن هذا هو ما أراده الكاتب «بيكيت» الثورة الداخلية لكن كيف يمكن أن تكون ثورة أصيلة داخل مخلوق بدائي أشبه ما يكون بحيوان يقبع على هامش رؤية أولئك الذين يفترض أن يمثلوا الشعب «فلاديمير واستراغون» إذا غودو ليس الثورة… وفي تفسير آخر هل يمكن لغودو أن يمثل الموت .. أي الشعوب في انتظار الموت¿ على إية حال الموت هو الحقيقة الأزلية الوحيدة التي لايمكن إنكارها والتي يلقاها كل إنسان في نهاية المطاف.. ففي نظر الشعوب عندما يغدو كل شيء تافها وبدون معنى لاتبقى هناك حقيقة ولا يبقى هناك واقع أو رجاء أو أمل سوى الموت..
لكن علينا أن نتذكر هنا أنه من السهل الوصول للموت عمليا وبالتأكيد كان من السهل عمليا الوصول للموت في المسرحية فمن السهل على استراغون وفلاديمير «الشعوب» أن تنتحر لكن إرادتهما أكثر عجزا من أن تخطو هذه الخطوة .. الحبل ليس المشكلة فالخوف والتردد هما المشكلة الحقيقية إن فكرة الانتحار تل

قد يعجبك ايضا