تهويد القدس
د. رياض نعسان أغا
د. رياض نعسان أغا –
صحيح أن إسرائيل تخشى أن تعيش على هاجس زوالها ولاسيما بعد أن أفاق العرب على حراك عربي أزهرت فيه ورود الحرية الحمراء المروية بدماء جيل رفض أن يمنح الطغاة نصف قرن آخر وفاجأ العالم بأنه يمتلك إرادة التغيير وأنه قادر على أن ينتزع حقوقه الإنسانية في الحياة الكريمة ويرفض كل ما عقده الحكام المستبدون من صفقات باعوا فيها حقوق الأمة أو تنازلوا عنها مقابل الاحتفاظ بالسلطة الأبدية وهذه الانتفاضة الشبابية في عدة دول عربية جعلت إسرائيل تخشى أن تواجه ذات يوم مطالبة هؤلاء الثائرين لها بحقوقهم المشروعة التي أقرتها لهم هيئة الأمم. وقد بدا واضحا أن هذا الجيل الثائر متمسك بقيم وطنية وأخلاقية ظنت إسرائيل وأنصارها أن شباب العرب فقدوها عبر سياسات إعلامية أنفق فيها مال وجهد كبيران بهدف صرف أنظارهم عن القضايا الكبرى وربما كانت المفاجأة الأخطر أن يظهر جل هؤلاء الشباب متمسكين بعرى ثقافاتهم المؤسسة لدور أمتهم التاريخي وهم اليوم يستعيدون إسلامهم الوسطي المعتدل من أيدي من شوهوه وسموه إرهابيا أو رأوه متحفيا لا يصلح للعيش في القرون الحديثة.
ولكن إسرائيل تستفيد من الوقت وتخطط للإسراع في تنفيذ برامجها التهويدية متفائلة بأن العرب لن ينهضوا قريبا من مستنقع الدماء فهي تراهن على انفلات الثورات نحو حروب أهلية بوسع إسرائيل أن تشجع الحمقى على الولوغ فيها عبر دعاوى التقسيم أو حقوق الأقليات التي نستغرب أن تشعر بالخوف والخطر من الديمقراطية كأن أنظمة الاستبداد كانت هي حامية حمى الأقليات من وحشية الأكثرية بل إن هذه الدعوى تناقض حقيقة العيش المشترك قرونا في أخوة واندماج كبيرين قبل أن يصعد المستبدون الجدد إلى سلطة الحكم وهي توحي بمعنى غير لائق هو أن القلقين من قدوم الديمقراطية للوطن العربي كانوا إذن أنصار الاستبداد وشركاءه وأنهم يجدون فيه أمنهم وراحتهم في مقابل الاضطهاد الذي تعاني منه الأكثرية المسحوقة مع أن الحقيقة غير ذلك فليس للاستبداد دين ولا طائفة ولا مذهب.
وهكذا يبدو الاختراق للثقافة العربية في قضايا حقوق الأقليات في النسيان المطلق لحقوق الأكثرية إن أصر بعض دعاة الوطنية والمواطنة على تقسيم المجتمعات إلى أكثرية وأقليات ولئن كانت الدعوة إلى إحياء شعور المواطنة صادقة فينبغي الانتهاء من استخدام مصطلح الأكثرية والأقلية والانتهاء من التقسيم الإثني والطائفي للمجتمع العربي.
والمهم أن إسرائيل على رغم قلقها مما يمكن أن يهدد وجودها المستقبلي مع نهوض الثورات العربية تسارع في فرض الأمر الواقع وتصعد في عدوانها على الحقوق الفلسطينية وهي في القدس بخاصة حقوق مسيحية وإسلامية وعالمية تقوم إسرائيل بمحو هويتها وتزوير حقائقها وتهويدها على مرأى ومسمع العالم وهي لم تكد تترك شيئا من القدس الأصيلة تتعرف إليه الأجيال القادمة وكان مؤتمر الدوحة الذي انعقد أواخر شهر فبراير الماضي 2012 للدفاع عن القدس وحضرته سبعون دولة قد أطلق إنذارا كبيرا بخطر ما تقوم به إسرائيل منذ أن احتلت القدس وقد طالب المؤتمر مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية ولكن كل ذلك لا يعني إسرائيل في شيء فهي تتابع عملية التهويد عبر برنامج يلغي هوية المدينة المقدسة ويزور لها تاريخا كاذبا ويطلق أسماء عبرية على المواقع الإسلامية والمسيحية الشهيرة. وقد أتيح لي أن أطلع على بعض الجهد الذي تبذله الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس وأطلعني الأخ حسن خاطر الأمين العام على مشروع مهم للهيئة يهدف إلى توثيق تاريخ القدس وحفظ ذاكرتها فالأجيال القادمة لن تعرف أسماء شوارع القدس ولا أسماء أوابدها فكل شيء في البلدة القديمة يتعرض للتزييف وهذه الجريمة التي يكتفي العالم باستنكارها تقترفها إسرائيل علانية والعجب أن يصمت العالم المسيحي الضخم وألا يستجيب لنداءات المسيحية العربية التي أطلقت تحذيراتها باسم الروم الأرثوذوكس. وقد رأيت صورا للحفريات الإسرائيلية قرب مغارة سليمان في ساحة العمود وأخرى لمسجد القلعة الذي تحول إلى متحف وصورا لمسجد النبي داود الذي تحول إلى كنيس وصورا للمسجد العمري الكبير الذي يتم تحويله إلى كنيس الخراب مع استمرار التحريض من المتطرفين اليهود على هدم مسجد محمد الفاتح.
ولئن كان مؤتمر الدوحة قد أطلق النداءات ودعا إلى التحقيق الدولي فإن على المثقفين في العالم كله أن يتصدوا للدفاع عن الحقيقة التاريخية التي تشوهها إسرائيل وعلى منظمة اليونسكو أن تمارس وظيفتها في الحفاظ على التراث العالمي وبخاصة تراث القدس المقدسة لدى الأديان جميعا وقد حفظ لها الإسلام هويتها المسيحية منذ أن فتحها المسلمون فلم يغيروا في معالمها شيئا ولم يبدلوا في أسمائها بل قدسوا كنائسها وحفظوا مكانتها وكانت العهدة العمرية وما زالت تقدم النموذج ا