الإخوان المسلمون ـ أين اليوم من البارحة¿

كمال الهلباوي

كمال الهلباوي –
الإخوان المسلمون حركة أسهمت وتسهم في تغيير مجرى التاريخ بفضل الله تعالى ثم بفضل مؤسسها العظيم الإمام البنا رحمه الله تعالى الذي كان مثلا يحتذى في الوطنية وطنية الحنين وكان مثلا يحتذى في القومية قومية المجد ومثلا يحتذى في الفهم الإسلامي الشامل الرباني الوسطى العالمي وهي من السمات الجليلة المهمة لفهم الإسلام وممارسته. وكان سبيله إلى الوطنية تنمية الشعور الوطني للوقوف صفا واحدا ضد المحتل ومقاومته بشتى الوسائل والطرق ومقاومة التغريب وانتشار المادية الجارفة. وكان سبيله إلى تحقيق القومية أوسع من العروبة فحسب لأن الإسلام جاء أوسع من القومية العربية وهو آخر الرسالات للعالمين ثم كان لديه أمل كبير في الوصول إلى أستاذية العالم وسيتحقق ذلك يوما ما كما تحققت آمالا كثيرة للإمام البنا نشهدها اليوم بوضوح. ولكن هذا الأمل والهدف يحتاج إلى أسباب التحقيق ‘الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر’.
وطبعا من المنكر أن يأكل أحد من الناس في مصر بل في العالم العربي والإسلامي من الزبالة ومن المنكر أن يسحل الرجال أو النساء في الشوارع ومن المنكر الذي لا يمكن إنكاره التخلف ومن المنكر الاستئثار بالرأي أو إهمال رأي أي فرد أو الأقلية وخصوصا ونحن ندرس للشباب أن الحباب بن المنذر أشـــــار على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالموقــــع الاستراتيجي في موقعة أو غزوة بدر الكبرى وربما لا يعرف التاريخ الإسلامي عـــنه غير هذا الموقف العظيم وفي الجيش كرام الصحابة والسابقون في الإســلام وأصحاب الرأي من أمثال أبي بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما.
والمنكر في مصر كثير لا يقف عند حلق اللحى أو إرتداء جلباب طويل كما يرى بعضهم بل إنني أرى أن التركيز على بعض الفرعيات التي لن تجتمع عليها الأمة منكر يجب محاربته وكذا ضياع للوقت الثمين لأنه يصرف الأمة عن الاجتهاد المعاصر والقضايا الكبرى محليا وإقليميا وعالميا وللأسف قد يختلف بعضهم في الفرعيات وينسى احتلال القدس ومحاولة تهويد فلسطين بالكامل أو حتى من يأكل من الزبالة.
هذه المقدمة تقود إلى الموضوع المطلوب مناقشته في هذا الموضوع ألا وهو رسالة نشرت في مجلة الدعوة المصرية -العدد السابع عشر في السنة السادسة والعشرون (391) في أكتوبر1977 طبعا بعد خروج الإخوان الكبار من السجن الذي امتد عشرين عاما من 1954-1974 وبعد هامش الحريات النسبي الذي شهدته مصر إثر وفاة الزعيم الراحل عبد الناصر وتولى الرئيس السادات السلطة (رحمهما الله تعالى).
كان ذلك بعد التغيير الكبير في التوجه الذي ربط مصر بالغرب طبعا وباسرائيل في الاتفاقية المشؤومة التي أعلن كثير من السياسيين في مصر اليوم ومنهم الإسلاميون الالتزام بها والمحافظة عليها ضمن الوفاء بالعــــهود وكان من الممكن التخلص من هذه الاتفاقية أو تعديلها التي كنا نصفها بالمشـــؤومة قبل الثــــورة وأيام المعارضة. وكان من الــضروري السعي لاجهاضها لأن إسرائيل لم تحترمها يوما ما وانتهكت في ضوئها أشد الانتهاكات وارتكبت أشد المجازر ضد أهل مصر وأهل فلسطين وخصوصا في غزة.
الرسالة التي أشير إليها والتي أقتبس منها بعض الفقرات تحتاج إلى قراءات متأنية وخصوصا في شأن سحابة الصيف التي مرت بالعلاقات بين البرلمان والإخوان من ناحية وبين المجلس العسكري من ناحية أخرى والرضى الأمريكي عن الجميع تلك السحابة التي أخشى أن تمطر مطرا شديدا في المستقبل رغم أنها سحابة صيف.
الفقرات التي اخترتها في هذا المقال والتي نشرت في مجلة الدعوة سنة 1977 هي من بيان أصدره الإخوان المسلمون عن أسباب الفساد وسبل العلاج ومحاسبة المفسدين بعد نجاح ثورة يوليو1952 بأيام قليلة ومما جاء في البيان:
‘الآن ينبغي أن ننظر إلى الأمام وألا يأخذنا الزهو بهذه الانتصارات عما يجب من استئناف العمل في مرافق الإصلاح الشامل.
وهذا يفرض على كل ذي رأي في الأمة أن يتقدم للأمة وإلى أولي الأمر فيها بمشورته خالصة لله بريئة من الهوى عما ينبغي أن يتجه إليه الإصلاح المنشود ببعث هذه الأمة من جديد’.
أما عن الرأي الذي تقدم به الإخوان إلى الأمة وإلى أولي الأمر فهم كما جاء في البيان:
‘يستقونه من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه والذي يسوي بين المسلمين وغير المسلمين في حقوقهم وواجباتهم العامة ولا يفرق بين جنس وجنس ولا بين لون ولون’.
أما عن علاج أمراض الأمة فقد لخصه الإخوان في التطهير الشامل والإصلاح الخلقي والتربوي ودستور يعبر عن عقيدة الأمة ومعالجة التفاوت الاجتماعي الخطيروفي هذا يقول البيان:
‘إلا أن أول ما ينبغي الالتفات إليه من ضروب الإصلاح وما لا تظهر ثمرة العمل إلا به أن يؤخذ كل من أعان الملك السابق على الشر ويسر له سبل الفساد والطغيان بما أخذ به الملك السابق نفس

قد يعجبك ايضا