أهم المداميك التي أسست هوية جمهورية سبتمبر الوليدة

خليل المعلمي –

في ليلة الـ 26 من سبتمبر وفي تمام الساعة الحادية عشر والنصف تحركت أعدادا من الضباط من مدرسة الأسلحة إلى قصر الإمام البدر معلنة بذلك نهاية الحكم الإمامي البغيض وبداية عهد جديد عهد الجمهورية عهد المساواة والحرية والعدالة.
فاستولت القوات المشاركة في الثورة على مبنى الإذاعة وأهم المؤسسات الأخرى كالبرق والبريد وتمكن آخر الأئمة “البدر” من الهروب من قصره المقصوف في نفس يوم 26 سبتمبر واتجه إلى الشمال الغربي من العاصمة حيث توجد القبائل الموالية للنظام الملكي.

احتلال الإذاعة
في ليلة الثورة صدرت أوامر التحرك وكانت القوة المكلفة باحتلال الإذاعة تتكون بحسب الخطة من دبابتين ومدرعتين ومدفعين بقيادة الملازم صالح الأشول والملازم علي قاسم المؤيد وبعد أن نجحت هذه العملية وتم تعاون جميع ممن كانوا في الإذاعة من مهندسين وفنيين الذين قاموا بتشغيل الإذاعة وتجهيزها وهم عبدالله صالح الهمداني والأخ حمود هادي مراد والأخ محمد الشعيبي.
وفي صبيحة يوم 26 من سبتمبر عام 1962م بدأ الإرسال الإذاعي على الموجة المعتادة بنشيد (الله أكبر يا بلادي كبري) ليعلن للشعب وللعالم بأسره عن انتهاء الملكية “لانريد بعد اليوم لا إماماٍ ولا ملكاٍ” وفي الإذاعة أذيع البيان الأول للثورة دْعي فيه جميع أفراد الشعب لتأييد الثورة التي خلعت النظام الإمامي الاستبدادي. وفي هذا اليوم أعلنت الحاميات العسكرية في المدن الكبيرة مثل تعز والحديدية وإب وحجة والصليف عن تأييدها للثورة وأعلن بعض مشايخ القبائل اليمنية تأييدهم للثورة بينما آثر أغلب المشايخ الصمت.
ووضعت قيادة الثورة مهمة قيام سلطة جديدة فأعلنت القيادة العليا للجيش عن الاحتفاظ بالسلطة بيدها كاملة حتى يحين وقت إجراء انتخابات.

البيان الأول للثورة
بعد أن تم احتلال الإذاعة وتعاون جميع العاملين فيها بدأ الملازم علي قاسم المؤيد والأخوة الاستاذ عبدالعزيز المقالح والاستاذ عبدالوهاب جحاف والاستاذ صالح المجاهد بإعلان البيان الأول للثورة والصادر عن مجلس قيادة الثورة وقراءة أهداف الثورة الستة الخالدة ومهام الجمهورية الجديدة بهدف اجتذاب فئات واسعة من السكان إلى جانب الثورة والدفاع عنها وبدأ البيان بالنص التالي:
باسم الله وباسم الشعب اليمني الحر المستقل وباسم الجمهورية العربية اليمنية تعلن قيادة الثورة أهدافها وسياستها العامة في المجال الداخلي والمجال القومي والمجال الدولي.
ونص البيان على أن الثورة قامت من أجل:
أولاٍ: القضاء على الحكم الفردي المطلق والقضاء على النفوذ الأجنبي.
ثانياٍ: إنهاء الحكم الملكي وإقامة حكم جمهوري ديمقراطي إسلامي أساسه العدالة الاجتماعية في دولة موحدة تمثل الشعب وتحقق مطالبه السياسية العامة في الجمهورية العربية اليمنية.
وفي المجال الداخلي نص البيان على الآتي:
أولاٍ: إحياء الشريعة الإسلامية الصحيحة بعد أن أماتها الحكام الطغاة وإزالة البغضاء والأحقاد والتفرقة السلالية والمذهبية.
ثانياٍ: تنظيم جماهير الشعب في تنظيم شعبي موحد يشارك في عملية البناء الثوري ويمكنه من مراقبة أجهزة الدولة مراقبة تامة ليمنعها من الانحراف عن أهداف الثورة.
ثالثاٍ: رعاية وتنظيم الجيش على أساس حديث ليصبح قوة لحماية الشعب وحماية الثورة.
رابعاٍ: إحداث ثورة ثقافية وتعليمية تقضي على مخالفات العهود البائدة التي عمقت الجهل والتأخر الفكري.
خامساٍ: تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق نظام اجماعي يتلاءم مع واقع شعبنا ومع روح الشريعة الإسلامية والتقاليد الوطني الصالحة.
كما نص البيان الأول أيضاٍ على تشجيع الرأسمال الوطني على ألا يتحول إلى احتكارات واستغلال أو يحول دون سيطرة الدولة وتوجيهها لمقدرات البلاد الاقتصادية.
والعمل على تشجيع عودة المهاجرين إلى الداخل والاستفادة من خبراتهم وأموالهم.
وإيماناٍ من الثورة بالعمق العربي والقومي لليمن فقد حدد البيان مجال السياسة الخارجية للجمهورية بالأتي:
أولاٍ: الإيمان بالقومية العربية والعمل على تحقيق الوحدة العربية الشاملة في دولة عربية واحدة وعلى أساس شعبي ديمقراطي.
ثانياٍ: التضامن الكامل مع جميع الدول العربية فيما تتطلبه المصلحة العربية.
ثالثاٍ: العمل على تدعيم الجامعة العربية وزيادة فعاليتها لمصالح الأمة العربية.
رابعاٍ: إنشاء علاقات اقتصادية مع جميع الدول العربية بلا استثناء.
خامساٍ: إيجاد روابط أوثق مع الدول العربية المتحررة لتحقيق الوحدة العربية.
ولتفعيل دول اليمن على المستوى الدولي لما يمثله من موقع استراتيجي بين دول العالم أكد البيان في مجال السياسة الدولية على:
أولاٍ: التزام سياسة عدم الانحياز.
ثانياٍ: مقاومة الاستعمار والتدخل الأجنبي بجميع أشكاله.
ثالثاٍ التقيد بميثاق هيئة الأمم المتحدة وتأييد مواقفها من أجل السلام.
رابعاٍ: إقامة علاقات ودية مع جميع الدول التي تحترم استقلالنا وحريتنا.
خامساٍ: قبول الإعانات والقروض الخارجية غير المشروطة والتي لا تمس استقلال البلاد.

الإعلان الدستوري
ومن ثم قام مجلس قيادة الثورة بخطوة جديدة تهدف إلى تعزيز السلطة الجديدة فأصدر الإعلان الدستوري بتاريخ 31 أكتوبر 1962م نشرته بشكل واسع الصحف اليمنية والمصرية كوثيقة دستورية.
وقد تألف الإعلان الدستوري من مقدمة صغيرة أشير فيها إلى فترة انتقالية لمدة خمس سنوات تحكم البلاد خلالها بموجب هذا الإعلان.
حددت المادة الأولى منه أهداف الثورة: مساواة جميع اليمنيين أمام القانون إنهاء التمييز العرقي تحقيق العدالة الاجتماعية إصدار قانون يحدد الحقوق المدنية للمواطنين الإعداد لإجراء انتخابات حرة إنشاء جيش وطني قوي رفع مستوى الشعب عن طريق تحقيق خطط اقتصادية واستغلال الثروات والموارد الطبيعية على وجه الخصوص.
ونصت المادة الثانية على أن جميع السلطات ملك الشعب وسمحت المادة الثالثة بحرية التملك والحرية الشخصية بحدود القانون.
وحددت المواد 7-11 نظام الحكم في المرحلة الانتقالية فاعتبر مجلس قيادة الثورة السلطة العليا والذي يتخذ الإجراءات الضرورية للمحافظة على الثورة وهو الذي يعين الوزراء ونصت المادة التاسعة على قيام مجلس وطني من 18 عضواٍ تكون مهمته ممارسة الرقابة على السياسة العامة للدولة ومجلس الدفاع الأعلى الذي يتكون من المشايخ.
ونصت المادة الحادية عشرة على انتخاب عبدالله السلال رئيس مجلس قيادة الثورة رئيساٍ للجمهورية ورئيساٍ للوزراء والقائد العام للقوات المسلحة في البلاد طيلة المرحلة الانتقالية.
وأشار الإعلان الدستوري إلى أنه سيعد في المرحلة الانتقالية قانون الانتخابات والمناقشة العامة للدستور الدائم القادم.

دستور مؤقت
لقد وضع اتخاذ قرار الإعلان الدستوري بداية تاريخ التطور الدستوري في الجمهورية العربية اليمنية فأقيم في 13 أبريل 1963م حفل إعلان أول دستور مؤقت للجمهورية العربية اليمنية.
يتكون الدستور المؤقت من مقدمة صغيرة وستة أبواب:
“دولة اليمن المقومات الأساسية للمجتمع اليمني الحقوق والواجبات نظام الحكم القضاة أحكام عامة”. وحددت فيه سلطة الدولة العليا بأن تقوم على أساس القيادة الجماعية وأعلن الإسلام الدين الرسمي للدولة.
ونص الدستور على أن تقوم السياسة الاقتصادية حسب خطط التطوير والعمل من أجل زيادة الإنتاج ورفع مستوى الشعب وحرية النشاط الاقتصادي الخاص شريطة أن لا يضر بالمصلحة العامة ولا يخل بأمن وحرية المواطنين وأن الدولة ستساعد على تراكم رأس المال الخاص وتحافظ عليه وتدعم أيضاٍ تطوير المنظمات التعاونية.
وضمن الدستور الملكية الخاصة واعتبرها مصونة وأن تقوم العدالة الاجتماعية في المجتمع اليمني على أساس سليم لجباية الضرائب.
ونص الدستور على الحريات والحقوق الأساسية الديمقراطية بما فيها مبدأ المساواة العامة أمام القانون بصرف النظر عن الجنس والعرق والاعتقاد الديني والأصل الاجتماعي كما أعطى كل مواطني الجمهورية حق التعليم والمعالجة الطبية وأعطى مجلس الرئاسة مسؤوليات السلطة التشريعية ويرأس هذا المجلس رئيس يعتبر في نفس الوقت القائد العام للقوات المسلحة في البلاد ومجلس الوزراء أعلى سلطة تنفيذية في البلاد.
وتقول “ايلينا جلوبوفسكايا” في بحث لها حول “سقوط النظام الملكي” تم ترجمته وتوثيقه ونشره بمركز الدراسات والبحوث اليمني: لقد منح أول دستور يمني الحريات البرجوازية التي كانت معدومة تماماٍ طيلة فترة الحكم الملكي وقد اختلف في نفس الوقت عن الدساتير البرجوازية الاعتيادية حيث أنه لم يضمن السلطة السياسية والاقتصادية لطبقة واحدة والصفة الخاصة بدستور الجمهورية العربية اليمنية هو أنه لم يلغ الحق السياسي لطبقة الإقطاع فحسب بل وأعطاها إمكانيات معينة لحكم وتوجيه البلاد وهذا يوضح أن العلاقات الإقطاعية لاتزال قوية في المجتمع اليمني.

ثلاثة قرارات هامة
وفي 28سبتمبر 1962م أعلنت القيادة العامة ثلاثة قرارات هامة .. إنشاء مجلس قيادة الثورة مجلس الوزراء ومجلس الرئاسة وتكون الأول من ثمانية ضباط والثاني من سبعة عشر وزيراٍ وترأس مجلس الرئاسة الشخصية المدنية محمد علي عثمان وأعلنت في هذا اليوم الجمهورية بتسميتها الرسمية الجمهورية العربية اليمنية.
وقامت في الجمهورية العربية اليمنية سلطة عسكرية وترأس مجلس قيادة الثورة ورئاسة الوزراء عبدالله السلال القائد العام للقوات المسلحة وشغل أغلب المناصب الوزارية أشخاص كانوا أيام الحكم الملكي في الخارج منهم مثلاٍ محمد محمود الزبيري الذي عين في منصب وزير المعارف والذي أيد الثورة تأييداٍ كاملاٍ وسافر في اليوم الأول من القاهرة إلى صنعاء.

مجلس الرئاسة والمجلس التنفيذي
وأعد في 24 و25 أبريل 1963م مرسومان للرئيس صادق عليهما الأول “مجلس الرئاسة” والثاني “المجلس التنفيذي” تكون الأول من رئيس الجمهورية و18 عضواٍ وتكون الثاني من 13 وزيراٍ و9 نواب للوزراء وكان التركيب الاجتماعي لأعضاء الهيئة التشريعية كما يلي: 12 ضابطاٍ 3 مثقفين 3 تجار وهذا يعني 70% من العسكريين أما المجلس التنفيذي فقد كان بالشكل التالي: سبعة عسكريين بمن فيهم رئيس المجلس التنفيذي عبداللطيف ضيف الله 13 مثقفاٍ واثنان من التجار.
وبناءٍ على ما تقدم فقد ضمت هيئة سلطة الدولة وفقاٍ للدستور الأول للبلاد كلاٍ من ممثلي الجيش والمثقفين والتجار أي من العناصر الوطنية التي قامت بتفجير ثورة 26 سبتمبر والذي كان الدور القيادي فيها يعود للضباط وقد احتفظوا بهذا الدور فترة طويلة ووجد ذلك تعبيره في تشكيل هيئة السلطة الجديدة وتوزيع المناصب.
وبصرف النظر عن النص الدستوري القاضي بـ”القيادة الجماعية للبلاد” فقد حصل الرئيس على حق الانفراد بعقد الاتفاقيات مع الدول الأجنبية وإعلان حالة الطوارئ في البلاد وإصدار القوانين والمراسيم وتعيين نائب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس التنفيذي.

مجلس أعلى لشؤون القبائل
في 31 نوفمبر 1963م صدر مرسوم بإنشاء مجلس أعلى لشؤون القبائل برئاسة رئيس الجمهورية وتكون من 11 شخصاٍ من ضمنهم وزراء وقد أنشئت لجان تابعة للمجلس مثل: لجنة التعمير ولجنة النظر في شكاوى القبائل ولجنة تهدئة القبائل وانعقد فيما بعد أول اجتماع للمجلس الأعلى لشؤون القبائل وقد أعلن رئيس الجمهورية في خطاب له في المجلس أن إنشاء هذا المجلس يعتبر واحداٍ من أهم أحداث الثورة حيث أخذ على عاتقه المسؤولية العليا لحكم الشعب.

مصادرة أراضي العائلة المالكة
ومن البيانات الهامة التي تم إصدارها بعد الثورة ما أعلنه راديو صنعاء بتاريخ 4 أكتوبر 1962م والذي قضى بمصادرة الممتلكات والأراضي التي تخص أبناء العائلة المالكة وبعض الإقطاعيين الكبار المناصرين للنظام الملكي. وقد وضع هذا القرار بداية تأسيس قطاع أراضي الدولة واقترح توزيع جزء من الأراضي المصادرة للفلاحين بدون مقابل أو على شرط شراءها ودفع قيمتها على فترات طويلة كما أنشئت في بعض الأراضي المصادرة مزارع حكومية ومزارع تجريبية بهدف إدخال الأساليب الحديثة في التطبيق الزراعي وقيام زراعة تستخدم فيها المكائن الزراعية والتكنيك الزراعي الجديد.
وفي العام 1963م أنشئت ثلاث مزارع تجريبية وبدأ الفلاحون المعدمون العمل في مزارع الدولة على أساس الحقوق التي يتمتع بها العمال الزراعيون وكانوا يستلمون أجرة بحدود 20-30 بقشة في اليوم.
وعلى ضوء ذلك أقر مجلس الرئاسة في العام 1963م قانون “التعاون” الذي نص على اتحاد كبار ملاكي الأرض “الاقطاعيين والفلاحين الأغنياء وصغار الفلاحين” في التعاونيات التي تبقى ملكية الأرض فيها خاصة.
وتطور هذا الأمر مع نهاية العام 1963م حيث بدأ بإنشاء التعاونيات في مناطق أخرى من اليمن وقد دخل ضمن وظيفتها بناء مصارف الري وتوفير المعدات والآلات الزراعية وكذلك توفيرا الأسمدة والبذور وبناء سدود في تهامة وإدخال أنظمة الري الحديثة.
وبهدف إنشاء اقتصاد وطني أعلنت الهيئات العليا في الجمهورية العربية اليمنية عن دعمها للشركات والمؤسسات الخاصة وذلك بتقديم القروض الحكومية لها كما أعطت الحكومة أهمية خاصة للشركات المساهمة وفي مارس 1963م أعلنت وزارة الاقتصاد عن استعدادها للسماح لأصحاب الأموال بالاشتراك في شركات مساهمة منظمة. وأعدت الوزارة خطة للنظر في بناء شركات مساهمة مع الأشخاص المهتمين في بعض المجالات خلال سنة.

مرسوم حول الاستثمارات الأجنبية
وحول الاستثمارات الرأسمالية الأجنبية صدر أول مرسوم في عام 1964م ولغرض توسيع وتطوير التجارة الداخلية صدر في الأيام الأولى للثورة مرسوم بإلغاء نظام الالتزام الضريبي وألغيت الحواجز الجمركية في طرق التجارة الداخلية وقد تحرر بذلك التجار من الضرائب المرهقة كما فتحت في كل من الحديدة وصنعاء معارض تابعة لوزارة الأشغال العامة والاقتصاد وعرضت في هذه المعارض البضائع التي تنتجها اليمن.

مجلس مؤقت للبنك اليمني
ومن المراسم التي تم إصدارها مرسوم تم نشره في ديسمبر 1962م يقضي بتشكيل المجلس المؤقت للبنك اليمني كان عدد أعضاء مجلس الإدارة أحد عشر شخصاٍ ستة أعضاء منهم من الحكومة وأصبحت الدولة صاحبة الرقابة على أوراق الأسهم ووفقاٍ لنظام البنك المصادق عليه من قبل الحكومة فإنه لا يمكن أن تتجاوز مساهمة القطاع الخاص 49% من مجموع الأسهم وقد أعطى مدير البنك صلاحيات وزير وكذلك حق الاشتراك في اجتماعات الحكومة وقد وجدت فروع للبنك اليمني في كل من صنعاء والحديدة وتعز.

قد يعجبك ايضا