
محمد محمد ابراهيم –
< حسين الأحمر وولده حميد تمت محاكمتهما في السخنة وأرسلا إلى حجة ليلقيا حتفهما في وقت واحد
حول الإمام السخنة من «هيجة» إلى محط أنظار المجتمع فشاد قصراٍ وحماماٍ علاجياٍ وسجناٍ مْحúكِماٍ لكل من عارضه
< فشل محاولة اغتيال الإمام أحمد في السخنة لم تزده إلا سلطة ودموية
عانى الإمام أحمد من داء النقرس فدله عامله في برع على عيون السخنة الكبريتية فقال: «إذا أحيتني سأحييها»
قلعة الإمام تشاهدها حاضرة في السخنة متربعة فوق قمة الجبل تحكي أطلال مهابة من الماضي الملكي ومن الجهة الغربية تشاهد القصر فارعاٍ مشيداٍ يوحي بزمنُ الملك والدولة والحضور السياسي والسلطوي وتحكي الصور من بوابته وأروقته وممراته وغرفه الفارهة حكاية لكمان من التاريخ تحوِل إلى صفارة للرياح فيما تحكي صورة سرير النوم مع محرك التأرجح الخاص بالإمام حياة من الرفاهية والبذخ وصلت حد التأرجح تيسيراٍ للنوم فيما الفقر والجهل والمرض يلتهم خارطة اليمن الاجتماعية بينما صور السرداب الأرضي تحول إلى أجراس خوف نبتت في ضلوع الإمام أحمد من بذار الظلم والتسلط.. كما أن فوهة السجن الأرضي تحكي –أيضاٍ- لكل ناظرُ إن بشراٍ عبروا منها مثقلين بقيود الحرية وأحلام الثورة فمنهم من عاد ومنهم من لم يْعد…. هكذا تحكي الصورة الحية التي بعثها لنا مدير مكتب السياحة علي ناجي محمد والمصور عبدالله يحيى من السخنة وبالتعاون مع أحمد مهدي أمين عام المجلس المحلي بالسخنة.
لماذا السخنة ¿
دواعي الإقامة في السخنة قصة قد تطول فلم يكن وحده المرض الجسدي يحاصر الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين بعد عودته من روما فقد كان داء السلطة وحمى الانتقام إلى جانب داء النقرس هو الدافع الأساس والأول لأن يجعل من السخنة مكاناٍ علاجياٍ من خلال اهتمامه بإحيائها منذ عانى من مرض النقرس في منتصف الخمسينيات ثم بعد الانتهاء من بناء وتشييد حماماتها والقصر والسجن المرافق في مقام لدولته رغم كون هذا المقام مؤقتاٍ إلا أنه استغل كل لحظة فيها لمواصلة سيره على نهج عقدة التصفيات والتنكيل التي بدأها بحرب الزرانيق ولم ينهها بالمحاكمات الغيابية التي أصدرها وهو مقيمَ في السخنة.. التي يعتبرها الكثير من المؤرخين والمهتمين بفترة حاكمية اليمن من الأئمة آخر محطات تصفية الخصوم إن «المشتى» العلاجي أو بالأحرى العاصمة الشتوية التي فرضتها الحالة الصحية للإمام أحمد لم تكن «مشتى».. بل كانت مصيفاٍ من السياسة والمحاكمات المستمرة التي لا تفوت لحظة واحدة من الصحة ولا من الظروف المرضية في ثقافة الإمام.. فطال بهذه النزعة والتكوين العدواني والانتقامي الكثير من الرؤوس.. الأهم من هذا كله هو كيف ارتبطت السخنة بأحداث ما قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وماذا عن السخنة المكان الجغرافي والمستشفى الطبيعي ¿ وماذا عنها مركزاٍ مؤقتا لدولة الإمام احمد¿!!
السخنة جغرافيا
جغرافياٍ ومكاناٍ تقع مدينة السخنة شرق محافظة الحديدة بحوالي 65 كيلومتراٍ بمحاذاة جبل برع من الجنوب الغربي, ووادي المالح أو ما يعرف بوادي المر من جهة الشمال وتقدر مساحتها بحوالي 260كم, .. وتؤكد المراجع التاريخية والجغرافية أن السخنة لم تكن قبل – 1375هـ الموافق 1956م – معروفة بهذا الاسم لأنها لم تكن موجودة أصلاٍ فقد كانت عبارة عن هيجة»مساحة تغطيها الأشجار» وكانت تْدعى |»بالناخرة» وفي وسط هذه «الهيجة» كانت توجد العيون الساخنة التي لم تتعد شهرتها القرى المجاورة وظلت على حالها حتى قدم إليها الإمام أحمد بن حميد الدين بعد عودته من روما ولدى عودته قام يحيى ابن عبدالقادر عامل برع آنذاك بإخبار الإمام عن وجود هذه المياه الساخنة التي يحكي الناس عن مدى مفعولها في شفاء العديد من الأمراض فقرر الإمام زيارتها وقال»إذا أحيتني فسأحييها» وبنيت له سقيفة حول الماء وبعد أن استحم في هذه المياه أمر ببنائها فشيدت مبانيها خلال 3 سنوات ثم استقر بها سنة 1960م..
إحياء السخنة
أما السخنة التي أصبحت عامرة بالبشر فتشير المراجع إلى أن الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين أمر ببناء قصر له ليقيم فيه في أيام الشتاء ولكي تكون الإقامة على علاقة وصلة بممارسة الحْكúم منه فلا بد من اكتمال المرافق اللازمة فبعد توجيه الإمام بالبناء حول هذه المياه تم تشييد القصر أولاٍ بعد إزالة الأشجار من المنطقة دون مراعاة الأهمية تلك الأشجار فأقام القصر المكون من دورين بالإضافة إلى عدد من الملحقات تم تشييدها من حوله كمقر لاستقبال ومبنى الجيش ومبنى للبرق وآخر للمالية بالإضافة إلى مبنى دار الضيافة ومبنى السجن ومسجد ومطار صغير وقد تهدمت بعض هذه المباني والبعض الآخر آيل للسقوط وتم تقسيم حمامات المياه الكبريتية التي أصبحت ضمن ملحقات القصر إلى قسمين : قسم بداخل القصر ويحتوي على ثلاث برك «أحواض» درجة حرارة المنبع في الحوض الأول 45 درجة مئوية والثاني 43 درجة والحوض الثالث وهو الحوض الخاص بنساء الإمام وأسرته ودرجته 40 درجة وهذه الأحواض الثلاثة كانت خاصة بالإمام وأسرته.. أما القسم الثاني فتقع بوابته خارج القصر من الجهة الجنوبية وينقسم إلى قسمين قسم للرجال ويحتوي على ثلاثة أحواض درجة حرارة الأول 47 والثاني 45 والثالث 43 وقسم خاص بالنساء وبه ثلاثة أحواض الأول درجة حرارته 47 والثاني 45 والثالث 43 درجة.. كما أمر الإمام ببناء قلعة تشرف على السخنة من الجهة الجنوبية الشرقية ووضع بها ثلاثة مدافع للحماية وهي القلعة التي تعرف بكبة المدفع.
السخنة مركز الدولة
من محاكمات السخنة وأشهرها محاكمة الشيخ حسين الأحمر وولده حميد يقول الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته : عندما استنجد البدر محمد بالقبائل من تمرد الجيش النظامي حينما كان أبوه الإمام أحمد في روما فاعتبرناها فرصة وهبينا إلى صنعاء مع الوالد والأخ حميد رحمهما الله وأعداد كبيرة من القبائل ومشائخهم وتزعم الأخ حميد عملية التحضير للجمهورية بالمرابطة بين جميع القبائل ومع كل الأحرار من المدنيين والعسكريين حتى عاد الإمام أحمد من روما في شهر ربيع 1379هـ وصرخ صرخته المعروفة التي قال فيها: «ماذا يريدونها لا در درهم إن الخلافة لا يطوى لها علم» وهدد بقوله:- « هذا الفرس وهذا الميدان ومن كذب جرب ولأشدخن رأسه بالسيف سواء كان أحمر أو أصفر» فتفرق المشايخ من صنعاء. وتقرر توجهي إلى مقام الإمام في السخنة مع مجموعة من المشايخ الأحرار واستمريت هناك إلى أول شهر رجب 1379هـ عندما ألقي القبض على سعيد حسن فارع الملقب بـ «إبليس», وتم القبض على الأخ حميد بن حسين في الجوف ودخول الوالد إلى صنعاء فتم القبض علي في مقام الإمام بالسخنة وإرسالي إلى سجن القلعة بالحديدة ومنها بعد عشرة أيام إلى سجن المحابشة الذي استمريت فيه إلى يوم 26 سبتمبر 1962م.
مقاومة الإمام في مقامه بالسخنة
أما محاولة مقاومة الإمام أحمد أثناء إقامته في السخنة فتذكر مذكرات ومراجع الثورة اليمنية إن حركة التمرد الشعبية التي حدثت في 1960م كانت قد كونت مجموعة للقيام باغتيال الإمام الطاغية في منطقة السخنة في أطراف الحديدة وكانت تضم المجموعة كلاٍ من الشيخ علي ناصر طريق والشيخ جار الله القردعي والشيخ علي ناصر شويط والشيخ غالب ناصر الأحمر والأستاذ سعيد حسن الذبحاني الملقب(إبليس) والذي أصر على أن يقوم بالمهمة بمفرده وقد كان بدأ يتودد إلى الشيخ يحي منصر شيخ الزرانيق الذي كان موكلاٍ إليه مع بعض رجاله حراسة الإمام في السخنة وقد دفع الذبحاني ليحيى منصر مبالغ كبيرة ليسهل له مهمته ويسمح له بالدخول إلى مقر الإمام وصرح له بالمهمة الموكلة إليه إلا أن يحيى منصر أبلغ الإمام فتم القبض على الذبحاني وسيق إلى سجن حجة ومات قبل قيام الثورة بأشهر قليلة.
وعن هذه المحاولة يقول الشيخ عبد الله بن حسين في مذكراته: أثناء هذه الفترة كانت هناك خطة للقيام بشيء ضد الإمام في السخنة وكنا ننتظر لتنفيذ الخطة وصول سعيد حسن فارع (إبليس) صاحب الحجرية من صنعاء ومعه القنابل وكان سعيد فارع من أعضاء جبهة التحرير في عدن وكان معه سيارة ومكتبة في الحديدة لم تكن هناك قنابل إلا مع عبدالله اللقية الذي كان أمين مخازن الكلية الحربية ذهب إليه فأعطاه ثلاث قنابل ونزل والمعنيون بالعملية قد تواصلوا من صنعاء وكانت العملية مخططاٍ لها من قبل وعمي سنان هو الذي يتعاون معنا ويدفع بالعناصر المعنية من صنعاء وهناك مراسلات من الوالد ومن حميد للشيخ سنان في هذا الاتجاه نشرها في الجزء الأول من كتابه (اليمن حقائق ووثائق عشتها) كما كنت أنا على اتصال ومراسلة معه ووجهت له عدة رسائل حول الموضوع. وكان هناك محمد القيري وعبدالولي القيري ومجلي القيري ومحمد أحمد الحباري وعلي أبو لحوم ومن حاشد: عبده كامل وعلي ناصر شويط وقاسم القطيش وأناس من برط: حمود أبو رأس وعبدالله مرشد المعالم وغيرهم ومن سحار: حمود مجلي وحيدر الصربي ومن مراد كلهم متواجدون في السخنة ما كانوا منتظرين إلا سعيد حسن.
ووصل سعيد حسن إلى السخنة ومعه رسالة من حسين المقدمي وأمين عبدالواسع نعمان ورزمة منشورات لنوزعها إذا تمت العملية وسلمها لي وقال لي الوديعة مخبأة في دكان وقال لي أيضاٍ أنه معه رسالة إلى محمد يحيى منصر صاحب الزرانيق الذي كانت له علاقة بالسيد حسين المقدمي ومحمد عبدالله هبة وكان تاجراٍ من بيت الفقيه وقال سوف أمرَ على محمد يحيي منصر ووالده لأن معهم رسالة من المقدمي كما أن بينهم وبينه كلامٍا : قلت له: لا تذهب إليهم فقد أصبحوا الآن من عكفة الإمام وأنا كنت قد جسيت نبضهم من قبل وقالوا لي: إن الإمام قد أخذ عليهم عهوداٍ لكنه ما قبل نصيحتي وذهب إليهم وأعطاهم الرسالة وأفشي لهم السر فقبضوا عليه وذهبوا به للإمام.
كنت قد تواعدت معه على أن نلتقي بعد العصر وأنا سوف أذهب للأشخاص الذين كانوا معنا في السخنة على أن نلتقي جميعاٍ بعد عصر ذلك اليوم إلى سائلة الوادي لنتدارس الخطة وكان الأمر سهلاٍ وميسوراٍ تماماٍ فقد كان الإمام سيخرج ليواجه الناس ولم يكن هناك ازدحاماٍ أو أسواراٍ أو شيء خرجت على الموعد بعد العصر وبينما أنا في الطريق إذ لقيني أحد أفراد العكفة فقال لي اليوم قبضوا على واحد كان معه قنابل الملعون ابن المعلون كان يريد يقتل الإمام. فقلت له: الله أكبر عليه من هو هذا الكلب¿ قال: واحد من الحجرية قلت: وأين هو¿ قال: هو ذاك مربوط في الكاوش (عنبر العساكر). قلت: لا بد لي أن أذهب لأراه وأتأكد من شخصيته نظرت إليه فعرفت أنه هو فانسحبت ثم عدت أبحث عن الناس الذين كان لديهم خبر أن نلتقي معهم لأقول لهم إن الخطة قد فشلت والرجل قد ألقوا القبض عليه وضربوه حتى أخبرهم أين القنابل وذهبوا فأخذوها من صاحب الدكان وهو من التربة
اجتمعت معهم في المساء وأخبرتهم أن الخطة قد فشلت قالوا: إذاٍ نخرج من السخنة ونتوكل علي الله فالإمام سوف يلقي القبض علينا جميعاٍ وهو يعرفنا جيداٍ وأين نتجه¿ قالوا: نتجه البلاد ـ مناطقهم ـ ونمر من الطرق المعروفة وغير المعروفة حتى نصل خولان وأهل خولان كانوا مصممين علي الانتفاضة وقاموا بحركات أفضل من حاشد قلت لهم: أنتم توكلوا علي الله أما أنا فلا لأن حميد محبوس في قلعة الحديدة والوالد موقوف في دار البشائر في صنعاء
بيت القيري والذين من مراد وغيرهم كلهم رحلوا حتى وصلوا بلادهم بعدها خرجت عليهم جيوش ما عادوا إلا بتعهدات ولم يحتبسوا ولكن بعضهم خربت بيوتهم ـ مثل بيت القضاة ـ قضاة السهمان ـ وبيت الزايدي رغم أنهم قاتلوا أكثر من غيرهم أما أنا فبقيت حتى قرر الإمام سفك الدماء.
هوامــــــــــــــــــــــــــــــــش:
– مجلة الدفاع والطيران العدد ( 45) https://www.aviadef.com/article.aspx?magid=45&artid=151&PageIndex=3
– علي مغربي الأهدل- مدير مكتب الثقافة رئيس المنتدى الثقافي. – مقال مطول عن السخنة https://www.algomhoriah.net/newsweekprint.php?sid=126180
– «2» تهامة في التاريخ/عبدالرحمن الحضرمي- زبيد.
– مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.