
تحقيق/ زهور السعيدي –
عندما استولى الإمام يحيى حميد الدين على مقاليد السلطة في اليمن بعد انسحاب الجيش العثماني في سنة 1918م كان قد نشر بواسطة أتباعه ومؤيديه بأنه سيجعل من حكمه صورة مثلى لتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية وبأنه سينشر العدل ويحمي الحقوق وينصر المظلوم.
اعتقد الشعب اليمني الذي عانى من الحروب ما لم يعانه أي شعب من شعوب العالم أنه سيسعد في ظل الحكم الإمامي وينسى متاعبه ويعوض حرمانه خاصة في ظل ما كان المقربون من الإمام يروجون له من استقامة الإمام وطيب منبته وكرم أصله..
وراحت الشائعات تجوب البلاد طولا وعرضا عن علم ودماثة أخلاق الإمام وتعدد فضائله وعن أسرته الكريمة الفاضلة ذات الأخلاق والسلوكيات الدينية السمحاء.
هذا الاعتقاد الجميل لم يدم طويلا وسرعان ما تلاشى تحت تأثير الحقائق المرة التي بدأت تتكشف تباعا عن تجاوزات وسلوكيات وأخطاء هذا الإمام وأمراء القصر الإمامي الذي لم يكونوا أبدا عند مستوى حسن ظن الشعب بهم وإذا العداء الذي ناصبوه الشعب لم يتوقف عند هذا الحد بل امتد الظلم ليطال بعضهم بعضا.
الحقيقة المرة
يقول أحمد حسين المروني بأن أمل الشعب اليمني رفع الظلم والمعاناة عن كاهله سريعا ما تلاشت في السنوات الأولى لحكم الإمام يحيى ليكتشف الشعب بأن الحلم الجميل الذي داعب نفوس الناس قد صار كابوسا ثقيلا وحقيقة مرة.
ويضيف المروني في مقدمته لكتاب ثلاث وثائق عربية عن ثورة 1948م الصادر عن دار العودة ببيروت في 1985م بأن خيبة الشعب قد باتت بجلاء بمجرد أن بدأ الإمام يحيى في تنفيذ سياسة التفرقة بين فئات الشعب والاستيلاء على كل ما تصبو إليه نفسه من مال وعقار لتظهر الحقائق واحدة بعد الأخرى عن لؤم وبخل وأنانية الإمام يحيى والتي وصلت ذروتها عندما قام بتسليم بعض معارض المملكة السعودية من الأدارسة إلى خصومهم مظهرا بذلك نوما وضعفا وتخاذلا.
ويشير المروني إلى أن هذه الحادثة كانت منطلقاٍ بمثابة الشرارة الأولى التي راحت تسري في النفوس والصدور وصار أنصار الإمام يخولون إلى أعداء لأنهم صدموا بتصرفاته الرعناء وسلوكه اللئيم وحرصه على تكريس أموال المسلمين في خزائن محصنة بلا هدف أو غاية.
حقائق وأسرار
الحقائق التي راحت تتكشف عن السلوك غير السوي لهذا الإمام وأبنائه لم تتوقف يوما وها هي إلى اليوم وبعد مرور خمسين عاما على الإطاحة بهذا النظام المتخلف فإن الوثائق ما تزال تظهر واحدة بعد الأخرى مذكرات المناضلين والباحثين في شئون تلك الحقبة الظلامية التي حكمها الإمام يحيى ونجله الإمام من بعده لتحكي فصولا عن انحلال وفساد هذه الأسرة وما الحقته من ظلم وقهر بأبناء هذا الشعب.
ويروي الدكتور مصطفى الشكعة وهو أحد أعضاء البعثة التعليمية المصرية إلى اليمن أبان حكم الإمام يحيى بعض مشاهداته الميدانية التي عايشها في مختلف مناطق البلاد وتجسد بصورة واضحة الانحلال والسوء الذي كانت عليه هذه الأسرة.
ويسرد الدكتور الشكعة في وثيقة كانت واحدة من وثائق كتاب 3 وثائق عربية عن ثورة 1948م الذي أعده مركز الدراسات والبحوث اليمني في ثمانينيات القرن الماضي قصة أحد أمراء القصر الإمامي الذي قام بتزويج نجله بعروسين في ليلة واحدة لإرضائه بعد أن انتابه الغضب جراء قيام والده بالزواج ممن كان قد طلب من أبيه تزويجه بها..
وثيقة الدكتور الشكعة التي يصفها المناضل والباحث أحمد حسين المروني ورئيس مركز الدراسات والبحوث في العام 1974م بأنها تشكل وثيقة خطيرة لما كان يعانيه الشعب اليمني من ظلم وقهر وإذلال في العهد الأمامي هذه الوثيقة تصف البذخ والسرف الذي كان يعيش فيه امراء القصر في الوقت الذي لا يعرف فيه الشعب غير الحرمان والعدم.
ويقول الشكعة بأنه شد انتباهه خلال زيارته لمدينة تعز ذلك القصر الكبير الفخم الذي كان مقرا لعيش سيف الإسلام أحمد حيث شاهد البذخ يحيط بالقصر قبل أن يقوم ولي العهد في ذلك الوقت بدعوته إلى القصر حيث رأى هناك صورا حية للفساد والترف وعدد كبير من العبيد والجواري الذين يملأون جنبات القصر.
تنكيل القصر بأمرائه
بعد أن أطاحت حركة 1948م بالإمام يحيى استولى نجله أحمد على مقاليد السلطة وإذا يفوق أباه في ممارسة الظلم والبطش والتنكيل ليس بخصومه من أبناء الشعب فقط بل حتى بأقرب المقربين منه.
ويقول الدكتور مصطفى الشكعة في وثيقته بأن الإمام أحمد اعتمد على طريقة وحشية لم يتبعها ملك سابق في التاريخ للمحافظة على حكمه فكلما توسم شيئا من القوة في أحد أخوته سارع إلى قتله حتى لا يفقد عرشه ولذلك فقد قتل من أخوته خمسة هم سيوف الإسلام إبراهيم ويحيى بالسم وعبدالله والعباس بالسيف أما إسماعيل فقد نجا بأعجوبة بعد تناوله السم ليتم طرده بعد ذلك من اليمن مثل بقية أخوته والذين طردهم من اليمن وهم الحسن والقاسم وعبدالرحمن أما أخوه علي فقد زج به في ظلمات السجن.
التجهيل والمزاجية
ويؤكد الدكتور المصري مصطفى الشكعة في وثيقته بأن الإمام أحمد كان حريصا على ابقاء الجهل مستوطنا في عقول اليمنيين ويذكر كيف أن الإمام وجه إليه تحذيرات شديدة مرارا عندما كان يقوم بالرد على بعض استفسارات طلبته على قلتهم.
ويضيف الشكعة كان التلميذ اليمني تواق لأن يعرف كل شيء عن البلاد العربية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة وكنت أتلقى من التلاميذ طوفانا من الأسئلة أجيب عن المناسب فيها واتخلص بلباقة عن الإجابة عن الأخرى وكنت أسأل مثلا عن البرلمان وعن الجامعات إلى غير ذلك وإذا بي أجد إنذارا شديداٍ موجها إلى من الإمام نظرا لخروجي عن الدرس وتشويش عقول التلاميذ بما لا يفيد من المعلومات وعزفت في الحال بأن الإمام يقصد المعلومات العامة التي أزود بها التلاميذ كإجابات لاسئلتهم الكثيرة وعرفت أيضا أن الجاسوسية منتشرة في المدرسة وإلا كيف يصل إلى سمع الإمام ما يشرح في المدرسة من دروس كما كان الإمام أحمدذا مزاج شخصي غريب الأطوار ويرى العميد الأكوع حسب ما ورد في كتاب انقلاب عام 1955م في اليمن لمؤلفه حيدر علي العزي بأن المزاج الشخصي للإمام أحمد هو الذي كان يملي عليه تصرفاته وأحكامة ويعتقد الأكوع بأن الإمام قد أعدم المناضل الشهيد محمد حسين عبدالقادر بسبب طول قامته إذا كان الإمام يعاني من عقدة قصر قامته أمام هؤلاء الطوال كما أعدم المناضل حمود السياغي لا لشيء إلا بسبب أنه في نظر الإمام ثقيل دم أرعن كما يؤكد الأكوع أن الإمام كان غريب الأطوار وغير مؤتمن الجانب بقتل لغير سبب ويعفو بدون مسوغ بدليل أنه عفا عن النعمان بعد ثورة 1948م رغم أنه المحرك الأول لحركة المعارضة ضده.
وظلت هذه الممارسات والسلوكيات الشاذة ديدن هذا الإمام.
=========
تهامة التي رمتكم بأكبادها!!
شخصيات تهامية في سفر النضال المرير
إعداد/ فتحي الطعامي
يوسف الشحاري :
< قاذف الشعر والشرار.. بطل عاش عمره مغواراٍ!!