
حاورِهْ/ فايز البخاري –
كْنا مسئولين في مكاتب الوزارات وقادة في الميادين في آنُ واحد
المثالية التي اتسمِ بها الضباط الأحرار لم تشهدها أي ثورة في العالم
أول ثورة شعبية ضد الإمامة كانت ثورة الفقيه سعيد عام1254هـ
كانت إب الداعم الرئيسي لثوار 14 أكتوبر في الضالع وردفان
ليس غائباٍ عن الأذهان أن محافظة إب كانت من المحافظات التي شهدت حراكاٍ وطنياٍ ضد الحكم الإمامي البغيض منذ ثلاثينيات القرن العشرين في الفترة التي خرج منها المناضلون الأوائل الذين ينتمون لجيل ما يْسمى بالآباء أو الرعيل الأول من المناضلين أمثال الشيخ حسن الدعيس والقاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني وأحمد المطاع وعبدالسلام صبرة ومحمد المحلويس وهذا ما كان له دور كبير في نضج الوعي النضالي والثوري على الإمامة لدى جيل الشباب الذين أبلوا فيما بعد بلاءٍ حسناٍ في تفجير وحماية ثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة عام 1962م مستفيدين في ذلك من تجارب ثورة 1948م وثورة 1955م وثورة الريف عام 1959م. وكان لهذا الرعيل من الشباب السبتمبريين الفضل في إخراج اليمن من بوتقة الانغلاق والتجهيل الذي شهدته اليمن طيلة الحكم الإمامي.
في هذا الحوار نسلط الضوء على دور الشباب في صناعة وحماية الثورة السبتمبرية وما رافقها وتبعها من أحداث من خلال حوارنا هذا مع المناضل الكبير الشيخ عبدالعزيز الحبيشي . فإلى تفاصيل الحوار:
< بدايةٍ حبذا لو أعطيت القارئ الكريم نبذةٍ تعريفية قصيرة تْعرف بها نفسك¿
– أولاٍ أنا من مواليد عام 1934م وقد وجدتْ نفسي وزملائي في مدينة إب وسط مجتمع ينضح بالوطنية والنضال ضد الظلم والتعسف والجهل الإمامي الذي نال محافظتنا منه الكثير. فكان الوعي المبكر المنتشر في إب والظلم الزائد الذي ابتْليِتú به من قبل الإمامة من الأسباب التي دفعتنا كطلاب في المدرسة إلى الانخراط مْبكراٍ في صفوف حركة النضال الوطني المطالبة بضرورة تغيير نظام الحكم المتخلف والانتقال باليمن إلى المكانة التي تليق بها كبلد حضاري يضرب بجذوره في أعماق التاريخ. كون الإمامة أغلقت عليه الأبواب وعزلته ليس عن محيطه الدولي فحسب بل ومحيطه العربي. ما جعله يعيش عصوراٍ من الظلام والانحطاط والتخلْف التي كان لابد من تغييرها بثورة آمنتú بها النْخِب وأيدتها الجماهير الغفيرة من أبناء الشعب ثورة تأتي على كل ذلك الموروث البغيض لتزرع الأمل المشرق في القلوب قبل حدقات العيون التي تلقت شعاع الثورة السبتمبرية بتلهْفُ عجيب.
مظاهرات مبكرة
< ما الأنشطة التي قمتِ بها في بداية مسيرتك النضالية¿
– كان أول نشاط علِني – بعد توزيع المنشورات واللقاءات مع كبار المناضلين- قمنا به ضمن حركة النضال الوطني ضد الحكم الإمامي المستبد المتخلف هو المظاهرة التي خرجنا فيها نحن شباب وطلاب مدينة إب عام 1958م نطالب فيها بضرورة إعلان الإمام انضمامه للجمهورية العربية المتحدة التي كانت تضم مصر وسوريا.. وقد تزامنت هذه المظاهرة مع أخرى في صنعاء ودون تنسيق من أي طرف ولكن الحس القومي والنضالي الذي كان سائداٍ لدى جيل الشباب بعد ثورتي 1948م و1955م كان كفيلاٍ بإخراجنا لنعلن أننا شببنا عن الطوق وبدأنا نتوق لعهدُ جديد يتسم بالحرية والانفتاح والتطور الذي كنا نفتقده في كل المجالات وعلى رأسها التعليم والصحة.
حينها اهتزِتú السلطة الإمامية هزة عنيفة لأنها لأول مرة تشهد فيها خروج مظاهرة على امتداد الحقبة الطويلة من حكمها ما شكلِ لديها بادرة خطر بدأ يزحف نحوها وأدركتú أنهْ بفعل الاحتكاك بالآخر والانفتاح على كل ما هو جديد والذي كان للعائدين من العراق سابقاٍ ولجمهورية مصر وعبدالناصر وإذاعة صوت العرب والأحرار اليمنيين المتواجدين في القاهرة وعدن الدور الأبرز في بروزه ونموه.
وبدلاٍ من أنú تتعامل معنا السلطة الإمامية بحنكة وتروُ وتحاول الاقتراب منا ومناقشة مطالبنا سارعتú – وفي حالة ارتباك تام- إلى القبض علينا وإرسالنا إلى سجن القلعة بقصر غمدان في صنعاءوالبعض من زملائنا أرسلتهم إلى السجن في تعز. وبذلك أثبتتú لنا عدم قدرتها على استيعاب طموحاتنا وتطلْعاتنا التي كانت تسيطر علينا ليل نهار ما جِعِلِنا نوقن بحتمية القضاء على هذا النظام الكهنوتي الرجعي. وزاد إصرارْنا بعد خروجنا عام 1959م عقب فشل ثورة الريف التي قادها حسين بن ناصر الأحمر وحميد بن حسين الأحمر وعبداللطيف قايد بن راجح والتي أدتú إلى إلهاب حماسنا أكثر فقمنا بعدد من التفجيرات في مناطق مختلفة في مدينة ومحافظة إب فسارعتú السلطات الإمامية إلى القبض علينا والزج بنا بالسجن مرةٍ أخرى وكان حظي هذه المرة السجن في (الزاجر) هنا في إب لكني بعدها تمكنتْ من الفرار إلى عدن والالتحاق بالأحرار الذين سبقونا هناك. ولم يطل بي المقام في عدن حين أحسستْ بضرورة وجودي في منطقة السلطات الإمامية فسارعتْ إلى الوصول إلى تعز بعد وساطات مع الإمام الذي كان كالأسد الجريح عقب إصابته برصاص الشهيد اللقية والشهيد الهندوانة والشهيد العلفي في مستشفى الحديدة عام 1961م. وفي تعز كْلفتْ بالإشراف على مشروع شق طريق تعز- صنعاء الذي كانت تنفذه شركة أمريكية. وقامت الثورة وأنا في تعز فسارعنا إلى التأييد المطلق للثورة السبتمبرية والترحيب بميلاد عهد جديد ونظام جديد المتمثل بالنظام الجمهوري العادل الذي ساوى بين جميع اليمنيين وألغى نظام الطبقات الذي كان معمولاٍ به في العهد الإمامي.
موظفون ومقاتلون
< ماذا عملتِ عقب قيام الثورة السبتمبرية الخالدة¿
– تعينتْ عقب اندلاع الثورة السبتمبرية عضواٍ في قيادة الثورة بالمحافظة وعملتْ مع زميلي المناضل عبدالحفيظ بهران فقمنا بحشد الجيش الشعبي والانتقال مع بعضهم إلى جبهات القتال حسب الخطة المرسلة لنا من قيادة الثورة بصنعاء وبقيت في هذا العمل حتى عام 1964م حين تم تعييني نائباٍ لوزير المواصلات في حكومة اللواء حمود الجائفي التي تشكلت بموجب قرار رئيس الجمهورية -المشير عبدالله السلال- رقم(16) الصادر في 3مايو 1964م وتعين فيها وزيراٍ للمواصلات القاضي المناضل الكبير عبدالسلام صبرة رحمه الله فانتقلتْ إلى صنعاءº للعمل على تأسيس وزارة المواصلات التي لم يكن لها من قبل لا مبنى ولا معنى في ظل انعدام أية وسيلة مواصلات حديثة أو وسائل اتصالات تقنية وعلى رأسها الهاتف وبالتالي فقد كان العمل شاقاٍ لأننا بدأنا من الصفر فضلاٍ عن شحة الموارد المالية من جهة ومن جهة أخرى الحرب الدائرة مع الفلول الملكية في الجوف وصعدة وحجة وعدد من المناطق التي كانت لا تزال تحت سيطرة الملكيين. فكنا نضطر للعمل على تأسيس دولة وإدارتها بيدº وباليد الأخرى نحارب ونقاتل الملكيين. ما يعني أننا لم نشعر يوماٍ بطعم الراحة كما لم نشعر بأننا مسؤولون بقدر ما كنا نحس إحساساٍ عميقاٍ أن علينا مسئولية جسيمة تجاه هذا الوطن ولابْد من تنفيذها والقيام بها مهما كلفنا ذلك من تضحيات خصوصاٍ ونحن نرى العدو ما زال يتربصْ بنا – وبقوة- على الأبوابº والقوى الرجعية تدعمهم وبسخاءº والتدخْل الأجنبي أطلِ برأسه جهاراٍ نهاراٍ من خلال المرتزقة الأجانب الذين عملوا جنباٍ إلى جنب مع القوى الرجعية لوأد الثورة والانقضاض على النظام الجمهوري الوليد ودعúمهم بأحدث وأضخم الأسلحة ليس هذا فقط بل وتدريبهم عليها. ما جعلنا نشعر أننا أمام معركة نتيجتْها الحتمية: نكون أو لا نكون. وعلى هذا كان استبسالْنا وانتصارْنا.
تنكيلَ مْضاعف
< وكيف كان رد الأئمة على محافظة إب بْعيúدِ فشل ثورة 1948م التي شملتú أسماءٍ عديدة من أبناء محافظة إب¿
– صنعاء وبعض المناطق نالها من الإمام أحمد عقب قتل والده وفشل ثورة 48م النهب والسلب ومحافظة إب زاد عليها الحرق والخراب. فقد كان زبانيته من الجنود الأجلاف لا يكتفون بنهب البيوت وسلب أهلها بل زادوا على ذلك إحراق البيوت وخرابهاوفيما اقتصر الأمر في المحافظات الأخرى على نهب المدن إلا أنهْ في إب امتدِ إلى الأرياف أيضاٍ نقمةٍ على دور أبناء إب الريادي في النضال والتحريض والإعداد لثورة 1948م. فنْهبِتú العدين وماجاورها نظراٍ لموقف الشيخ علي بن محسن باشا المؤيد لثورة 1948م وكذلك منطقة وراف بسبب دور سنان أبو لحوم وأخويه محمد أبو لحوم وعلي أبو لحومونْهبِتú بعدان لأجل الشيخ حسن الدعيس والشيخ حسن محمد البعداني وأولاد عمه والنقيب عبداللطيف قايد بن راجح والشيخ محمد حزام خالد شيخ عزلة المنار بعدانووصل النهب للمناطق المجاورة كمنطقة البخاري وسمارة والأمر نفسه حدث في السياني وذي السفال لأجل الأدوار النضالية لآل أبو رأس وآل دماج وآل منصور بن نصر وغيرهم.. وهكذا في بقية المناطق الريفية على امتداد محافظة إب بسبب دور أبنائها الوطني والنضالي. وكان عسكر الإمام لا يتورعون عن سرقة أي شيء مهما كان زهيداٍ أو بخساٍ كالخرق البالية والممزقة وحتى المواشي بهمجية وبربرية لم تعرفها حتى القرون الوسطى المظلمة في أوربا!!
لقد أخذوا الناس الجميع بذريعة التمالي في قتل الإمام يحيى رغم أن الأحرار الذين اشتركوا ووافقوا على ذلك كانوا معروفين ويشار إليهم بالبنان ولا ذنب لبقية الناس في ذلك اللهْمِ إلا التعاطف الذي أبدوهْ – نتيجة وعيهم- تجاه الأحرار والمناضلين الذين زْجِ بهم في السجون واقتيدوا في الأغلال إلى سجون حجة الرهيبة تحت وابلُ من المعاناة القاسية التي تنوء بتحمْلها الجبال الشوامخ. وهذا ما كان يدفع أبناء إب إلى التعاطف مع أولئك المناضلين والبكاء عليهم والدعاء لهم عكس ما حصل للمناضلين في صنعاء الذين خرجوا منها تحت وابلُ من الشتم والسب والبصاق والقذف بالقاذورات وإسماعهم أبشع الألفاظ!!!
ريادة إب في النضال
< هل ترى أن محافظة إب قد نالتú حقها من التكريم والعرفان بالجميل نظير دورها الريادي في حركة النضال الوطني¿
– إب ظْلمِتú كثيراٍ واغتْمطِ دورْ أبنائها النضالي المْشرف الذين كانوا في مقدمة الصفوف وذلك بسبب عدم توثيقهم لأدوارهم وما يتعلق بها من جهة ومن جهة ثانية لأنهم متفانون في نضالهم وقاموا به إيماناٍ بضرورته وانطلاقاٍ من حبهم لوطنهم ورغبتهم في التغيير نحو الأفضل – الذي هو ديدنهم دائماٍ- وخلوهم من حْب السلطة وتسلْق المناصب من خلال أدوارهم النضالية. ولذا نجد أنهم كانوا في مقدمة الصفوف في النضال والتضحية وآخر وأقل مِن نالوا مناصب في الجيش والدولة.
من إب انطلِقِتú أول ثورة شعبية ضد الأئمة في منتصف القرن الثالث عشر الهجري بقيادة الفقيه سعيد بن صالح ياسين التي عْرفِتú بكْتب التاريخ بـ (ثورة الفقيه سعيد) الذي قادها من قرية الدنوة شمال غرب مدينة إب بعد أن اجتمعِتú خلفه كل المناطق من زبيد إلى يافع وما وراءهاوتكنى بـ(إمام الشرع المْطهِر المهدي) وضربِ السكة باسمه من الفضة الخالصة وأجلى من لواء إب ولواء تعز أتباع الإمام الهادي محمد بن المتوكل أحمد القاسمي. وانتهتú هذه الثورة التي دامت ثلاث سنوات ونيف في المعركة الحاسمة التي قادها الإمام الهادي محمد بن المتوكل أحمد القاسمي سنة 1257هـ بأرض يريم وهْزمِ فيها الفقيه سعيد وفرِ إلى مدينة إب التي تمِ فيها قتلْه.
ومن إب كان أول جرحى الثورة الملازم علي عبدالله أبو لحوم المنتمي لعزلة وراف مديرية جبلة وجْرحِ عشية الثورة أثناء محاولته وزملاؤه اقتحام مبنى الإذاعة بواسطة أحد حرس الإذاعة الإماميين المدعو حسين الحرازي.
ومن إب كان أول وأشهر الضباط الأحرار الذين فجروا ثورة 26سبتمبر 1962م وهو الشهيد علي عبدالمغني المنتمي لمديرية السدة محافظة إب والذي يْعِدْ بشهادة وإجماع كل المناضلين والأحرار (دينامو الثورة السبتمبرية) والعقل المدبر لها والشخصية الأبرز من بين كل الضباط الأحرار.
وفي إب كان تأسيس أول منظمة نضالية ذات تنظيم دقيق ومنسق يشمل بطائق عضوية وقسائم اشتراك وهي (جمعية الإصلاح) التي تأسست عام 1942م وانكشفِ أمرْها عام 1944م وزْجِ بأعضائها في سجون إب وتعز ومن ثم قادوهم بالأغلال والقيود إلى حجة التي قبعوا فيها بضع سنين على رأسهم القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني وعلي بن محسن باشا ومحمد حزام خالد وحسن الدعيس وحسن البعداني وعقيل عثمان وغيرهم. وفيها أعدم الشهيد محمد سري شائع من أبناء محافظة إب وتوفي في السجن أيضاٍ الشيخ حسن محمد البعداني.
ونتيجة لذلك فقد كانت مكافأة محافظة إب من الإمام أحمد يحيى حميدالدين أن اتخذها وجهته الأولى عقب فشل ثورة 48م بعد عودته من مدينة حجة التي أطلقِ عليها تسمية (مدينة النصر) ودخول جحافله صنعاء واقتحامها عنوة ونهبها وسلبها فكانت أول محافظة يزورها هي محافظة إب قبل وصوله إلى تعز التي اتخذها عاصمةٍ له وذلك ليس حْبِاٍ في إب ولكن كانت تلك الخطوة مقصودة منه نكايةٍ وتشفياٍ وشماتة بمناضلي إب – وهم كْثر- الذين كانوا العمود الأساس التي انبنت عليه ثورة48م.. فوصل إلى مدينة القاعدة واستقبل فيها الأحرار والثوار من أبناء إب ومِن ضموهم إليهم من صنعاء وأطل عليهم من دار البرق (التلغراف) يتشفى فيهم وهم في الأصفاد والأغلال بين الشمس يعانون الضمأ والتعب والإذلال من قبل عكفته الهمج والرعاع الذين يشايعونه جهلاٍ وخوفاٍ وطمعاٍ بما في يديه.
دعم ثورة 14أكتوبر
< بماذا تمثلِ دورْ محافظة إب في دعم ثورة 14 أكتوبر 1963م المجيدة¿
– مثلما كان لأبناء محافظة إب دور ريادي وسبق زمني في مسيرة النضال الوطني بشكلُ عام وثورتي 48م و62م بشكلُ خاص كان لهم أيضاٍ شرف الريادة في دعم ثورة الـ14 من أكتوبر الظافرة ضد الاستعمار البريطاني الذي كان جاثماٍ على المحافظات الشرقية والجنوبية. وتمثلِ ذلك في الإنخراط المباشر لأبناء إب في صفوف ثوار أكتوبر بحكم الجوار والتماس مع تلك المحافظات وارتباط أهل إب بعلاقات مباشرة ومصاهرة مع أبنائها. فضلاٍ عن تقديم المعونة التي تمثلتú بالأسلحة المختلفة والحبوب ومختلف الأطعمة أثناء حصار البريطانيين للضالع والشعيب ويافع والحبيلين وردفان. فكانت إب هي المنفذ الوحيد والرافد الأساس الذي أمدِ ثوار أكتوبر بالمؤنة والعتاد. وهذا ما أقرِ به المناضل الشهيد علي عنتر في بعض لقاءاته ومحاضراته. وقد كان لي شخصياٍ شرف الالتقاء بالعديد منهم هنا في منزلي الذي قصِدِهْ الكثير من رموز الحركة الوطنية في المحافظات الجنوبية هرباٍ من الاستعمار في البداية وفيما بعد هرباٍ من الصراعات السياسية التي نشبتú بين رفاق السلاح والكفاح كما هو معروفَ في الكتب التي وثقتú لتلك الأحداث والصراعات التي كانت خاتمتها أحداث 13يناير الدامية عام1986م.
وكان هناك دعم حكومي من قبِل قيادة اللواء تمثلِ بالكثير من الأسلحة والعتاد الذي كان يأمر بصرفه مباشرةٍ الشهيد أحمد الكبسي أول قائد للواء إب عقب ثورة 26 سبتمبر 1962م وذلك بتأثير من أبناء إب الذين لم يكونوا يشعروا بوجود شعبين أو حتى شطرين فكانوا ينطلقون في دعمهم من شعورهم الراسخ من أنهم الجميع أبناء شعبُ واحد ووطنُ واحد وعرقُ واحد وينتمون لأرومة واحدة. لذا فقد كان الدعمْ سخياٍ خاصة بالأرواح التي تواصِلِ جْوúدْ أبناء إب بها حتى في عقدي السبعينات والثمانينات أثناء حروب النضال الوطني من أجل تحقيق الوحدة التي كانت تدعمْها قيادة الشطر الجنوبيº وهي التي عْرفِتú بـ(حروب المناطق الوسطى). وهي وإنú كانت خاطئة من حيث التنفيذ المتمثل بفرض الوحدة بالقوة لكنها كانت سامية ونبيلة من حيث المقصد والغاية ولذلك تمِ إدراجها من قبِل أول حكومة للجمهورية اليمنية عقب إعادة اللحمة وتحقيق الوحدة الوطنية عام 1990م من الحروب الوطنية وضحاياها من المناضلين والشهداء.
حرب المناطق الوسطى
– ويضيف الشيخ الحبيشي: هذه الحروب نالت محافظة إب منها الجانب الأكبر نظراٍ لموقع محافظة إب المحاذي والمجاور والمتداخل أيضاٍ مع المحافظات الجنوبية. فضلاٍ عن الحس الحضاري والوطني الذي يسكن كل أفراد محافظة إب على اعتبار أنهم سليلو وأحفاد الملوك والأقيال الحميِريين الذين أقاموا على أراضي هذه المحافظة أقوى دولة يمنية عرِفها التاريخ وامتدت من عْمان إلى شمال الجزيرة العربية في الحجاز. وهذا النفِس الحضاري المتوارث لدى أبناء إب كان هو الدافع الأساس الذي جعلهم دائماٍ في مقدمة صفوف النضال الوطني بمختلف المراحل. وهم أيضاٍ مِن حملوا راية البناء والنهضة الفكرية والعمرانية التي شهدتها اليمن في عصر الدولة الصليحية والملكة الفاضلة أروى بنت أحمد الصليحي التي توسعتú برْقعة أرضها وفتوحاتها ونهضتها لتشمل كل اليمن. منطلقةٍ في ذلكم من صميم أراضي محافظة إب بعد اتخاذها لمدينة جبلة عاصمة للدولة التي كان يصلها خراج عدن وموانئ البحر العربي على التوالي حتى استطاع فيما بعد أثناء ضعف الدولة الصليحية وقبيل سقوطها آل زريع عْمال الصليحيين على عدن من الانفصال بعدن وما جاورها. وكان ذلك أول انفصالُ لعدن عن المركز وثاني انفصال ما وقع عقب يوم الجلاء الـ30 من فبراير 1967م حين كانت العاصمة صنعاء تمر بضعفُ نتيجة حصار السبعين الذي تزامن مع الجلاء فسهل لرفاق الجبهة القومية الانفصال بعدن والمحافظات الجنوبية والشرقية. وهو ما يؤكده الدكتور والباحث المعروف علوي عبدالله طاهر في كتابه (عدن.. من عهد الزريعيين إلى عهد الاشتراكيين).
الضباط الأحرار
< كيف تْقيم الدور البطولي للضباط الأحرار الذين فجروا ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وسلموا قيادتها للرعيل الأول وفضلوا خوض المعارك والدفاع عن الثورة على البقاء في سْدة الحكم¿
– المثالية التي اتسم بها ثوار 1962م وأقصد بهم الضباط الأحرار من الشباب الذين فجروا ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م لم تشهدها ولم تعرفها أي ثورةُ في العالم حيثْ وجدناهم يتسابقون على الموت كما يستابقْ المنتفعون وأدعياءْ النضال والثورية على اقتسام الغنيمة. وكان كل فردُ فيهم يحاول جاهداٍ أنú يفدي الآخر بنفسه حين يصر على أن يذهب هو بدلاٍ عن زميله إلى أرض المعركة ليظل زميلْهْ في القيادة. بمعنى إبقِ أنتِ حياٍ وسأذهب لأموت نيابةٍ عنك. فما أعظمِها من تضحية!! وما أعظمِها من مثالية نادرة يجب أن تظل الأجيالْ تذكرْها لأولئك الأفذاذ على مدار التاريخ حيث انفردوا بها عن بقية الثوار في كل دول العالم وفي ثورات اليمن الأخرى. ولم ولن يشهد التاريخْ أشباهاٍ لهم أبدا حيث اعتدنا أن مِن يقومون بالثورة هم مِن يسارع لأخذ المناصب القيادية فيها على اعتبار أنهم مِن قام بها وضحى لأجلها وبالتالي فهم الأحق والأولى بقيادتها. وعلى ذلك سارت الأمور في كل الثورات عدا ثورة 26سبتمبر التي أثبت مفجروها أنهم استثناء في تاريخ الثورات قاطبةٍ.
دور الشهيد الكبسي
< باعتبارك من أصدقاء الشهيد أحمد بن أحمد الكبسي الذي كان من الضباط الأحرار وأول قائد لمحافظة إب عقب الثورةماذا تعرف عن هذا الشهيد البطل¿
– أنا عايشتْ الشهيد أحمد بن أحمد الكبسي كثيراٍ باعتباره من الضباط الأحرار الذين وصلوا في وقت مبكر إلى محافظة إب حين تعين قائداٍ لها. ومنذ وصوله إلى إب كنا متلازمين بشكل دائم. واشتركتْ معه في عدة حملات ومعارك وفي الحملة الأخيرة التي قادها قبل مقتله لتطهير نقيل يسلح من فلول القوات الملكية التي كانت قد قطعت الطريق الواصل بين صنعاء وبقية المدن جنوبها. وكان طريق نقيل يسلح يمثل الشريان الرئيسي في دعم الثورة والنظام الجمهوري لأن معظم الدعم الذي تلقته الثورة كان من إب وتعز. وبالتالي فقطع طريق يسلح عن العاصمة صنعاء يعني إجهاض الثورة في مهدها كما حصل في ثورة1948م. وهي المحاولة التي كررها بعد ذلك الملكيون وبقوة في عام 1967م في المعركة الفاصلة التي عْرفِتú بـ(حصار السبعين).
وفعلاٍ تم تكليف الشهيد أحمد بن أحمد الكبسي قائد لواء إب بفتح طريق يسلح نظراٍ لشجاعته المطلقة التي عْرفِ بها وخبراته السابقة في إخماد أكثر من تمرْد في قعطبة ومريس ويريم وكحلان خبان وغيرها. وقد أطلعته القيادة أن الموقف في بلاد الروس وجهران خطير ويتطلب حسماٍ سريعاٍ كي لا تْخنِق العاصمة الأمر الذي دفع الشهيد الكبسي إلى تجهيز حملة من الجيش النظامي والحرس الوطني يقودها بنفسه باعتباره مدفعياٍ بارعاٍ ولخبراته السابقة -كما أسلفنا- في إخماد الكثير من التمرْدات. وفعلاٍ انطلقت الحملة ونحن فيها إلى جهران ويسلح واستطاعت فتح الطريق وهزيمة القوات الملكية ووصلِتú إلى صنعاء بعد توجيه الضربة الموجعة لتلك الفلول وبالذات أهالي (قرية الوثن). وبعد المكوث فيها تقرر عودة الشهيد الكبسي إلى إب جواٍ ولكنهْ أصرِ على العودة براٍ رغم المخاطر. وأثناء وصوله إلى منطقة وعلان اعترضوا سيارته وتعرفِ عليه أحد المتمردين من فلول الملكية الذي بلغ به عامل وعلان المْعين من قبل الجمهورية ( اسمه الحيفي) وكان خائناٍ فأمر بقتل الشهيد فوراٍ. وقد أحدث مقتلْ الشهيد الكبسي ضجةٍ كبيرة في محافظة إب ولدى أبناء الجنوب من الثوار الذين كان الداعم الأبرز لهم في ثورتهم ضد الاستعمار البريطاني. لهذا هبوا مع الآلاف من أبناء إب في حملةُ مشهودة نحو وعلان وبلاد الروس قتِلِتú كل مِن أسهمِ في قتل الشهيد أحمد الكبسي بمن فيهم عامل وعلان الخائن الذي قْطعِ رأسْهْ وحْملِ إلى يريم ومن ثم إلى إب ليْشفى به غليلْ أبناء محافظة إب الذين افتقدوا القائد الوفي وأبناء الجنوب الذين افتقدوا الداعم السخي الذي لم يبخل على ثورتهم لا بالمال ولا والعتاد ولا بالطعام والسلاح. ووفاءٍ لهْ أطلقتْ اسمِهْ على الملعب الوحيد في إب آنذاك وعلى الشارع الرئيسي في مدينة إب.
حصار السبعين
< ختاماٍ ماذا تذكر عن دورك في معركة حصار السبعين التي كانت هي أيضاٍ خاتمة الحروب الهامة التي ذْبحِتú على عتبتها مطامحْ الإماميين بالعودة لسْدة الحْكم¿
– في حصار السبعين كنتْ أقود مجاميع من المقاتلين الشعبيين إلى جانب المناضل الفذ الشهيد أحمد عبدربه العواضي الذي فاجأ القوات الملكية والمرتزقة الأجانب بهجومه المباغت من جهة الحديدة عن طريق مناخة. وقد دخلنا صنعاء في وقتُ كان ساكنوها من مدنيين وجنود مقاتلين ورجال الدولة على شفا جْرْفُ هارُ من الموت المحدق بهم نتيجة نفاد المؤنة والقوت الضروري فضلاٍ عن شحة الأسلحة وذخيرتها. وقد سجلوا بذلك أروع صور الصبر والتحمْل من أجل الوطن ورسموا أنصع صور التضحية والبذل في سبيل بقاء النظام الجمهوري الذي تكالب عليه الأعداء من كل مكان وبقوات وإمكانيات ما كان لشعبنا وقواته الجمهورية الانتصار عليها لولا العزيمة والإيمان المطلق بالنظام الجمهوري الذي أدركوا جيداٍ أنه المْخلص الوحيد لهم من ربقة العهد الإمامي المتخلف والمستبد.