26 سبتمبر ثورة شعبية قادها الضباط الأحرار ضد الظلم والاستبداد


كتب/محمد العزيزي –
■ البعثة العسكرية المصرية في اليمن منذ 1957م.. اقتصرت مهمتها على تدريب الجيش

■ الكمائن كانت وراء انتكاسات القوات المصرية المساندة للجيش اليمني والسبب في انسحابها

■.. يحتفل اليمنيون هذا العام باليوبيل الذهبي لثورة الـ26 من سبتمبر 1962م وذلك لبلوغها 50عاما منذ انطلاقتها المباركة ضد الحكم الإمامي البائد ليكون هذا التاريخ بداية التحول التاريخي للشعب اليمني لينفض عنه غبار التخلف والقهر والظلم والاستبداد وفتح أمامه أبواب الحرية وحطم كل أسوار السجن والعزلة المفروضة والمطبقة عليه طوال سنوات الحكم الكهنوتي.. فعلى مدى 50عاما من قيام الثورة تدافع اليمنيون لتحقيق التحولات في شتى مجالات الحياة وما يزال أمام الشعب اليمني الكثير من المتطلبات التي تمكنه من الركب مع بقية الشعوب الأخرى ومواصلة مسيرة الحياة وتطلعات الشعب.
{.. هذه الثورة لولا استبسال الثوار الأحرار وتلاحم الأخوة العربية واختلاط الدم المصري مع شقيقه اليمني لما انتصرت الثورة ضد حكم الإمامة والاستبداد. لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك التلاحم الأخوي بين اليمن ومصر حيث قدمت جمهورية مصر العربية كل الدعم المطلوب لإنجاح وإتمام «الثورة».. وبمناسبة احتفالات بلادنا بهذه المناسبة الغالية حاولت صحيفة الثورة التي تحمل اسم هذه الثورة أن ترصد الدور الريادي للقوات المصرية التي ساندت الجيش اليمني الحر الذي قضى على حكم التخلف والرجعية والاستبداد إلى الأبد وذلك بالتواصل مع أحد أهم القيادات العسكرية المصرية التي واكبت أحداث الثورة ابتداء من 1958م وحتى 1967م العام الذي فيه انسحب الجيش المصري من اليمن.. ذلك القائد هو اللواء صلاح الدين المحرزي رئيس استطلاع القوات المصرية وشؤون القبائل باليمن وكبير معلمي البعثة العسكرية المصرية العاملة باليمن لتدريب الجيش.. حيث استطاعت صحيفة «الثورة» التواصل معه عبر الأخ الدكتور سعيد الغليسي الأستاذ المساعد بقسم التاريخ بجامعة صنعاء والذي سمح لنا نشر بعض ما دونه اللواء المحرزي في كتابه (الصمت الحائر وثورة اليمن _ قصة قيام الثورة السبتمبرية ضد حكم الإمامة والاستبداد ودور القوات المصرية في تدريب الجيش اليمني).. حيث سرد اللواء المحرزي سلسلة من الأحداث التاريخية التي دارت أحداثها حتى قيام الثورة اليمنية وعن الدور الريادي للبعثة المصرية منذ وصولها إلى محافظة الحديدة من أجل تدريب الجيش اليمني قبل الثورة والذي كان لا يزال خاضعاٍ لسيطرة الإمام أحمد وحتى انسحابها من اليمن أواخر العام 1967م.
التخطيط للثورة
في صباح يوم 31 يناير 1957م جاءت البعثة المصرية إلى مدينة الحديدة وبعد أيام من مكوث البعثة في قصر الضيافة بالحديدة جاءت إلينا برقية إعلان من العقيد حسن فكري رئيس البعثة المصرية إلى اليمن بموافقة الإمام أحمد بقبوله تحديد موعد لمقابلة البعثة المصرية في منطقة السخنة.. وبعد أن قضى رئيس البعثة يومين من المباحثات في السخنة التقى الإمام احمد حيث قدم له عدداٍ من المطالب والمهام التي ستقوم بها البعثة في اليمن ومن أبرزها قيادة الجيش اليمني والقيام بالحرب مع الانجليز لطردهم من الجنوب ومن عدن بالذات.. مضت الأيام والأشهر من بعد موافقة الإمام أحمد للبعثة بتدريب الجيش اليمني ºº في الوقت الذي كان قد بدأ الثوار الأحرار في اليمن بالتخطيط الفعلي للقيام بثورة ضد الحكم الإمامي وبدأت الشرارة الأولى بمحاولة فاشلة لاغتيال ولي العهد (البدر) في صنعاء عن طريق الملازم عبدالكريم السكري وهو أحد ضباط فوج البدر وكان يعمل في حراسة ولي العهد.. ثم أعقب هذه المحاولة حادث إطلاق الرصاص على الإمام أحمد نفسه في قصره بالحديدة قام بهذه المحاولة الملازم عبدالله اللقية والملازم محمد العلفي حيث أطلقا عليه عدة طلقات نارية سقط الإمام أحمد على إثرها متأثرا بجراحه لكنه لم يمت بعدها إلا بحوالي ثلاثين يوما تقريبا .
ما قبل وفاة الإمام
يؤكد اللواء المحرزي في كتابه التوثيقي أنه وبعد إطلاق الرصاص على الإمام والذي كان يعد بمثابة إشارة البدء لتحرك كافة الثوار لتحرير اليمن من قبضة الإمام أحمد إلا أن نبأ نجاة الإمام من الموت في تلك المحاولة التي قام بها اللقية والعلفي كانت الفاجعة بالنسبة للثوار فقد افزع هذا الخبر الجميع وأحسوا بردة الفعل التي يمكن أن يقوم بها الإمام حيث أقدم الملازم العلفي على الفور بالانتحار فيما قبض على الملازم اللقية الذي عذب عذابا تخر من هوله الجبال حتى تم إعدامه ومات شهيدا وفي صدره أسرار إخوانه الأحرار والثوار الذي لم يبح عنهم شيئا لنظام الإمام مسجلا بدمائه الزكية أروع مثل في التضحية والقوة والإيمان ورباطة الجأش.
قرار الثوار
بعد ذلك توفي الإمام أحمد متأثرا بجراحه وأصبح ولي العهد (البدر) الإمام الجديد خلفا لأبيه ولكنه لم يصمد كثيرا أمام إرادات الثوار وإصرارهم على قيام الثورة إلى جانب مواجهته رياح عاتية من جانب عمه الحسن الذي تسانده الرجعية القبلية الطبقية المؤيدة للحسن والتي كان يأمل الإمام البدر أن تكون معه وإلى جانبه وهم من طليعة الشباب المثقف والمدنيين والعسكريين ومع ذلك كان بإمكانه أن يستمر بالإمامة خصوصا وأن البعض من الناس كان يعتقد أن البدر منفتح وأكثر تطورا للواقع وما يدور وكان يمكن أن يكون له ذلك لو أحسن إدارة الأمور بعد وفاة والده ودعم في صدق هذا التوجه.. ولكنه وبعد توليه الإمامة وفي أول خطاب له أكد أنه سار على نفس الدرب الذي سار عليه والده وتحالف مع عمه الحسن وأنصاره لتطبيق هذا النهج . وهنا كانت البعثة المصرية لا تزال تؤدي دورها في تدريب الجيش اليمني في الحديدة مع وجود تنسيق للثوار اليمنيين مع القيادة المصرية في القاهرة حيث التزمت القيادة بدعم ومساندة الثوار في تحقيق الثورة.
ويواصل اللواء صلاح المحرزي سرد شهادته في الثورة اليمنية (سبتمبر) قائلاٍ: عندها ونتيجة لتوجه الإمام حديث العهد قرر الثوار وعلى رأسهم الشهيد علي عبدالمغني والضباط الأحرار من أفراد الكلية الحربية وباقي الفصائل الثورية الأخرى في اليمن وقادتها أن الإمام البدر هو الإمام أحمد هو الإمام الحسن وأن أي إمام منهم لن يكون إلا سوطا يلهب ظهور أهل اليمن بالظلم والعبودية.
الإسراع بقيام الثورة
ومن هنا وبناء على هذه المعطيات والنتائج جاء قرار الإسراع بالثورة قبل أن تستتب الأمور ويسيطر الإمام البدر وعمه الحسن على البلاد وتثبيت أركان الحكم المتهاوي كان قرار الثوار قد دخل فصله الأخير.. وحين قرروا إعلان الثورة في يوم 26 سبتمبر 1962م وتوزيع الأدوار على ضباط الكلية الحربية ومدرسة الأسلحة وفوج البدر ومختلف الوحدات العسكرية في صنعاء وآخرين من المدنيين والعاملين في إذاعة صنعاء. وليلة قام الثورة قاد عبدالله جزيلان والشهيد علي عبدالمغني الهجوم على قصر البدر (البشائر) بعدد محدود من الدبابات قادها ضباط مدرسة الأسلحة وضباط الصف.
ما يزال الدكتور المحرزي يستعرض في كتابه أحداث الثورة اليمنية حيث قال فيه : عرض الثوار على كل من العقيد حمود الجائفي والعقيد السلال وغيرهم من القادة قيادة الثورة لكنهم رفضوا.. واتفقوا على أن يقوم بهذه المهمة العقيد السلال لدوره البطولي و الذي لا يستطيع أحد أن ينكر على السلال فضله في فتح أبواب قصر السلاح (قصر غمدان) وإمداد الثورة باحتياجاتها من الذخيرة والسلاح خاصة ذخيرة الدبابات والتي قدرها البدر حينما هاجم الثوار القصر بنيران الدبابات حيث كان البدر يعد عدد قذائف وطلقات الدبابات ويقول لحراسه ننتظر حتى الطلقة السبعون وبعدها تتوقف الدبابات والمدفعية على الرمي.. وكان يقصد بذلك نفاذ كمية الذخيرة من الدبابات وعندها تتوقف عن إطلاق القذائف وهنا نبيدهم فردا فردا . فما هم إلا مجموعة الضباط الصغار خريجي الكلية الحربية دربهم المصريون وأفسدوا عقولهم وعندما خاب أمل البدر في توقف نيران الدبابات والمدفعية وتزايد وتيرة الضرب بقوة وتزايد المعدات واقترابها من القصر وانتشار أبناء الثورة وانضمام أغلب الوحدات العسكرية المرابطة في صنعاء وفي بعض المحافظات الأخرى.. عندها قرر البدر الهروب تحت نيران الثورة من صنعاء إلي حجة ومعه نفر قليل من حراسته الخاصة وظل الثوار في مطاردته وفلوله بقيادة علي عبدالمغني وبعض القيادات الأخرى من الضباط الأحرار حتى غادر البدر الحدود وتصدر السلال قيادة الثورة واستتب الأمر في كل مدن اليمن وبقي السلال في صنعاء في القيادة وأعلنته وسائل الإعلام زعيما وقائدا لثورة 26 سبتمبر 1962م.
مساندة الثورة
وهنا رصد اللواء صلاح الدين المحرزي قائد استطلاع الجيش المصري في اليمن فيقول : بعد قيام الثورة اليمنية وانتقال البعثة المصرية من الحديدة إلى صنعاء إلى جانب بعض الضباط المصريين وهم قليل وكانت مهمتهم تدريب الجيش اليمني أرسلت القيادة المصرية بعض القوات المصرية إلى اليمن من أجل تعزيز الموقف ومساندة الثورة والجيش اليمني وكان في تصور قادتها (المصريين) أن مساندة الثورة والثوار اليمنيين في مواجهة القبائل المناصرة للإمام الهارب وبعض الفلول لن تكلفنا أي (قادة مصر) إلا عناصر محدودة أو بعض الجنود من قوات الصاعقة والمظلات وكان هذا التصور خاطئاٍ جدا نتيجة التسرع في اتخاذ القرار وتسابق الأجهزة المصرية لإرضاء القيادة السياسية اليمنية واعتمادها أيضا على مصادر غير مسئولة أو واعية وهي في الحقيقة ممن ادعت وكذبت ونافقت للأسف وكانت مصادر مصرية ويمنية.
بعض الخيانات
ويصف اللواء صلاح الدين المحرزي مواجهة فلول الرجعية بعد قدوم وحدات من الجيش المصري إلى اليمن عقب ثورة سبتمبر بأن المعارك التي خاضها الجيش اليمني بمعية تلك الوحدات المصرية كانت كارثية بما تعنيه الكلمة من معنى فيقول : عندما بدأت المعارك للقضاء على تلك الفلول وقعت هذه القوات المصرية في الفخ والكمائن وذلك نتيجة لخيانة بعض من العناصر اليمنية والقضاء على الثورة اليمنية والجمهورية من جهة ومن جهة أخرى لقصور ونقص المعلومات المتوفرة لقيادة الجيش اليمني والوحدات العسكرية المصرية في اليمن بالإضافة إلى نقص الخبرة بميادين المعركة وعدم توافر أية خرائط ميدانية لأرض اليمن.. وهذا ما حدث مع الشهيد علي عبدالمغني والشهيد الملازم نبيل الوقاد وذلك عندما غدر به بعض من كانوا معه وقتلوه ورفاقه على مشارف مارب وفروا للالتحاق بفلول الملكيين وأيضا من بين تلك الخيانات عندما غدر بالرائد سند من قوات الصاعقة المصرية من قبل بعض الادلاء المرافقين له في منطقة خولان صنعاء.
وأضاف : على ضوء ذلك دفعت القيادة المصرية وبتوجيه من القيادة اليمنية في صنعاء على تعزيز القوات في المحور الشرقي لصنعاء على أن تحتل سرية المظلات جبل العرقوب تساندها كتيبة الصاعقة مدعمة من القوات اليمنية لتأمين منطقة جحانة والطريق المؤدي إلى صنعاء وهناك تعرضت القوات المصرية إلى كمين اْبيدت فيه هذه السرية واسر عدد محدود ممن تبقى على قيد الحياة ..و هذه النكسات التي واجهت القوات المصرية المساندة للجيش اليمني هي السبب الرئيسي وراء تعرض الجيش اليمني والوحدات المصرية لخسائر بشرية كبيرة ليأتي القرار المصري بانسحاب القوات المصرية من اليمن.. مؤكداٍ أن مصر كانت بعيدة كل البعد عن صياغة العمل الثوري أو العملية التي أدت إلى قيام الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962م بل الثوار الأحرار في اليمن كانوا قد وصلوا إلى قناعة تامة بوجوب الثورة وتخليص الشعب اليمني من النظام الكهنوتي الجاثم على صدور اليمنيين وإنما كانت مصر والقيادة العسكرية المصرية في اليمن من مهامها تدريب الجيش اليمني وكان هذا من قبل قيام الثورة اليمنية بعدة سنوات وبعد قيام الثورة مدت مصر يدها لمساندة الثورة والثوار وإنجاحها سياسيا وعسكريا ومعدات التي تكللت من اليوم الأول لقيامها.
ويقول اللواء المحرزي إنه تسلم مهام العمل في اليمن كقائد كتيبة المشاة ورئيس استطلاع القوات المصرية وشؤون القبائل باليمن من (1961-7691م) وذلك لقيادة القوات المصرية المساندة للجيش اليمني بصنعاء رغم ما صاحب ذلك من الكثير من المحاولات لإلغاء قرار اختياره لهذه المهمة حتى كارثة 1967م والتي كانت نهاية خدمته في اليمن حين تم استدعاؤه لتولي مهمة الدفاع عن غرب القنطرة بعد أن احتلت القنطرة الشرق بجمهورية مصر وذلك يوم 10يوليو 1967م.
وهنا أكد باحثون يمنيون أن اللواء صلاح الدين المحرزي من المحاربين العرب من أجل التحرر ويملك في منزله بالقاهرة الكثير من الوثائق التاريخية المهمة لتاريخ الثورة اليمنية وأنه قد جمع مذكراته وملاحظاته التي دونها عن الثورة اليمنية .
نبذة تعريفية
– اللواء صلاح الدين المحرزي من مواليد الزقازيق 62/1/0391م.
– المؤهلات – خريج الكلية الحربية عام 1949م -كلية أركان الحرب 1966م – بكالوريوس اجتماع وعلم نفس الجامعة الأمريكية عام 1955م.
المعارك التي خاضها
– العدوان الثلاثي عام 1956م – حرب التحرير باليمن من 1957م وحتى 1967م _ معارك الاستنزاف عام 1967م _ كبير معلمي البعثة العسكرية المصرية في اليمن _ قائد كتيبة مشاة _ رئيس استطلاع القوات المصرية وشؤون القبائل باليمن _ قائد لواء مشاة _ وكيل بالمخابرات المصرية العامة.

قد يعجبك ايضا