محمد المساح –
العمارات في المدينة لا تحس بالريح¡ الأشجار وحدها اللاتي تتبادل المودة والألفة مع الريح العابر¡ وبالأخص تلك الأشجار الرهينة الأغصان اللينة الأعواد رقيقها¡ سرعان ما تتمايل¡ لهبة هواء أو دفقة¡ وذلك الزرع الفتي ريح النامي الأخضر في تلك المساحة المستطيلة وحواليه الأشجار المحيطة تتحرك خلفه وتتمايل كالأشجار تلك تماما◌ٍ.
خلف تلك العمارات تتموضع تلك المساحة الخضراء¡ ومن الجانب الموازي يحيط بها السور¡ تلك المساحة الخضراء لها عالمها الخاص والطبيعي بها¡ تتناغم وتتوافق مع نفسها¡ بكل عناصرها ذات النسغ¡ في عالم يسوده الانسجام والتعايش¡ بصمت وبدون ضجيج.
ربما نستغرب كيف ظلت تلك المساحة الخضراء محافظة على كيانها¡ تجاه تلك الكائنات الإسمنتية والحجرية¡ وكيف تبدي تلك المساحة الخضراء تسامحها النبيل¡ وهي تستقبل ظلال تلك العمارات¡ وهي تستلقي صباحا◌ٍ ومساء◌ٍ عبرها¡ إنها لا تتذمر ولا تشكو غير عابئة تماما◌ٍ بتلك المضايقات¡ التي تسبب نوعا◌ٍ ما حرمان تلك المساحة الخضراء بأشجارها الوديعة وزرعها الفتي النامي الذي يتفتøق عن خضرة شديدة الكثافة وارتفاعاته اللينة وهي تتراقص وتتعانق مع الريح الخفيف كطفولة بشرية بدائية تأتي من عمق الزمن¡ حيث كان الأخضر يتسيøد المشهد الإنساني في بواكيره الأولى¡ وفطرية وطزاجة الروح الإنسانية.
رغم تموضع تلك المساحة الخضراء بكل عفويتها التلقائية اخضرارا◌ٍ يريح العين ويطيøب الحواس¡ ستلاحظ أن أهل تلك العمارات لا يلتفتون بتأمل ونظر إلى تلك المساحة الخضراء بعالمها الجميل والنبيل¡ إنهم خلف الزجاج والستائر لهم عالمهم الآخر.