استطلاع/عبدالباسط النوعة –
كنا قد تحدثنا في الحلقة السابقة عن أهمية البناء الطيني في مدينة شبام حضرموت وأردنا بعضا من مميزاته وسماته التي أنفرد بها عن سائر المدن التاريخية اليمنية وأشرنا أن عدد المنازل التي تحويها مدينة شبام تصل إلى 500 منزل جميعها مبنية بالطين أو اللبن وقد تم ترميم 390 منزلاٍ أشرفت الـGIZ عن هذا المشروع الذي قام بتمويله الصندوق الاجتماعي للتنمية والمواطنون وهاهي منظمة الـGIZ الألمانية التي قدمت خدمات متميزة في بعض المدن التاريخية أبرزها زبيد وشبام حضرموت وقد استطاعت أن تساهم في مدينة شبام بشكل بارز وملحوظ رغم أنها قدمت الكثير لمدينة زبيد ولكن عملها في شبام كان أكثر نجاحاٍ وذلك بسبب وعي المجتمع المحلي في شبام وحرصهم على مدينتهم والحفاظ على طابعها المتميز ومعمارها الجميل وهذا ما أكده المهندس جميل شمسان القائم بأعمال رئيس هيئة الحفاظ على المدن التاريخية والذي أوضح أن المواطنين كانوا بالإضافة إلى أنهم ساهموا ماديا في ترميم منازلهم أيضا عملوا على الاشغال والعمل وتسخير سيارتهم لنقل اللبن والخشب وسائر المواد التي يحتاج إليها ويحصلون على أجره مثلهم مثل بقية المشتغلين بهذه المهنة وبذلك يكون المجتمع المحلي مستفيداٍ أيضاٍ.
وقال شمسان إن المنازل المتبقية التي لم ترمم والبالغ عددها 110 مبانُ يبنغي أن يتم ترميمها أسوة ببقية المنازل التي رممت وبنفس الآلية فالصندوق الاجتماعي يستمر بتقديم الدعم الذي يقدر بـ30% من نسبة ترميم أي منزل وبقية المبالغ على الأهالي وإذا كانت منظمة الـGIZ قد انتهى مشروعها باليمن في مجال المدن التاريخية وبالتالي انتهى عملها في شبام ونكون بذلك قد فقدنا جزءاٍ مهما يتمثل بالجهة التي تقوم بالمتابعة والتنفيذ والإشراف الفني وعمل الدراسات اللازمة للترميم وهنا من الممكن جدا أن تدخل هيئة الحفاظ على المدن التاريخية كبديل يقوم بمهام منظمة الـGIZ وخاصة إذا ما علمنا أن فرع الهيئة في مدينة شبام حضرموت يمتلك من الإمكانيات والخبرات والكوادر ما يؤهله للقيام بهذا الدور وبجدارة عالية جدا وبالتالي لا يوجد مبرر ليتوقف المشروع الذي يعتبر من أهم وأبرز المشاريع الحفاظية وأكثرها إلحاحاٍ لمدينة شبام حضرموت التي تحتاج منازلها إلى صيانة مستمرة وبشكل سنوي فالطبقة الطينية التي يتم طلاؤها على المنازل من الخارج تتعرض للتأثر بصورة دائمة بفعل عوامل التعرية وتقلبات المناخ لا سيما الأمطار وبالتالي إذا لم يتم صيانتها قد يصل الضرر إلى الطوب أو اللبن التي يتم طلاء الطين لحمايتها ومن هذه النقطة تحديداٍ تختلف مدينة شبام عن بقية المدن التاريخية فمدينتي صنعاء القديمة وزبيد مثلا مبنية من الأحجار والياجور وهي مواد أقوى بكثير من المواد التي يتم استخدامها في شبام والتي تتركز على مادة الطين وتحديدا اللبن وهي بهذا تحتاج إلى عناية وصيانة مستمرة وضرورة أن يتم إنشاء وحدة متكاملة للتدخل السريع بالصيانة والترميم وكذلك الحال بالنسبة لسطوح المنازل والمباني وكذا الأخشاب.
تحركات لعودة الـGIZ
وكشف القائم بأعمال رئيس الهيئة عن وجود مفاوضات مع الجانب الألماني لكي تعود منظمة الـGIZ للعمل في المدن التاريخية ويكون عملها أكثر انتشاراٍ وتوسعاٍ يشمل مدن تاريخية لم تدخلها الـGIZ في مشروعها السابق.
وأضاف: تواجه مدينة شبام حضرموت مشكلة مقلقة جدا تهدد مبانيها التاريخية تتمثل هذه المشكلة في الأعمال الصحية «المجاري» وهذه المشكلة حقيقة تعاني منها كافة المدن التاريخية ويمكن القول إن الأعمال الحديثة من الصيانة والترميم إذا لم تستخدم بطرق صحيحة أو بحذر شديد لا سيما المجاري والمياه تكون ردود الفعل أو تأثيراتها كارثية على المدن التاريخية فالمجاري من مدينة صنعاء القديمة لغم يمكن أن ينفجر بأي لحظة.
أما شبام حضرموت فيوجد بها مشروع للمجاري هو الآن قيد التنفيذ ويبقى أن ينفذ هذا المشروع بأقرب وقت ممكن وأن يتم أخذ كافة الاحتياطات اللازمة لتلافي الأخطاء الفنية في هذا المشروع لأن الوضع في مدينة شبام حساس للغاية فالبناء بسيط والأساسات ضعيفة فإذا حصلت أي أخطاء فعواقبها ستكون بالتأكيد وخيمة جدا.
شبام الأفضل
لعل الكثير من زوار شبام حضرموت يدركون أن المدينة لا زالت محافظة على طابعها التقليدي يتضح ذلك بجلاء من خلال المباني والتي لم تدخلها الحداثة ما يطلق عليها المختصون في المعمار التقليدي التشوهات المعمارية وهي بالمقارنة مع مدن تاريخية أخرى لا سيما تلك المندرجة معها في قائمة التراث العالمي «صنعاء القديمة» وزبيد تعتبر الأفضل بكثير في مجال الحفاظ على النمط التقليدي وربما تكون المقارنة هنا مجحفة بحق شبام فالكل يعرف ما يجري في زبيد وما وصلت إليه التشوهات والمخالفات في صنعاء القديمة وهنا يقول القائم بأعمال رئيس الهيئة: التجاوزات أو المخالفات في شبام حضرموت نادرة جدا وإذا حدثت تكون بسيطة للغاية بل أنها تزال فور اكتشافها وهناك قصة توضح ذلك تم اكتشاف مخالفة في الجامع الكبير بشبام على الفوز تم استدعاء قيم المسجد واجتمعوا معه في فرع الهيئة واعتبروا تلك المخالفة «جدار صغير من البلك» جسيمة جداٍ مع أنها وبالمقارنة بمخالفات في صنعاء القديمة تعتبر لا شيء ومع ذلك اتفق الجميع بحضور طبعا مواطنين وشخصيات اعتبارية من المدينة اتفقوا جميعهم أن ما قام به القيم يعتبر خطأ ينبغي تداركه وبالتالي عليه إزالة ذلك الجدار والتعهد بعدم تكرار أية مخالفة مرة أخرى وفعلا تم إزالة المخالفة ولهذا يجب على المساجد أن تلعب دوراٍ في الحفاظ على المدن التاريخية ونقدم مدينة شبام حضرموت كنموذج نتمنى أن يكون موجوداٍ في سائر المدن التاريخية سواء من حيث المواطنين أنفسهم ووعيهم وحرصهم على تراثهم أو من خلال رسالة المسجد التنويرية التثقيفية وكذا دور منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية.
لا فتاٍ إلى أن الهيئة تعجز عن الحفاظ على المدن التاريخية لأسباب عديدة منها أن المخالفات التي تتم في هذه المدن تقف وراءها شخصيات ذات نفوذ في الدولة وتمارس مخالفات جسيمة جداٍ وهؤلاء الأشخاص مستمرون في مخالفتهم دون رادع.
وأشار إلى وجود ميزة أخرى لمدينة شبام حضرموت ساهمت وبشكل أساسي وبارز في الحفاظ عليها من التشويه والعبث وهذه الميزة تتمثل في بعدها عن مراكز المدن الكبيرة وهذه الميزة أعتطها حماية خاصة ونأت بها أن تكون مطمعا لكل العابثين على عكس ما هو موجود في صنعاء القديمة وزبيد بل والخطير في مدينة صنعاء القديمة أن تتحول في كافة شوارعها وأزقتها إلى أسواق فهي تحركات خطيرة من قبل بعض الأهالي حيث يقومون باستحداث دكاكين في منازلهم وهذه إذا ما استمرت وتوسعت ستكون نهاية حقيقية لمدينة صنعاء القديمة لأن استحداث فتحات كبيرة في المنازل تعمل على إضعاف الأساسات الحاملة للمباني وبالتالي يتحلل المبنى يوما بعد آخر والعواقب ستكون وخيمة.
زخارف ونقوش
أثناء تواجدنا في مدينة شبام علمنا أن المباني من الداخل تمثل آية من آيات الإبداع والفرادة الممزوجة بالخيالات الفنية الرفعية للإنسان الشبامي فهي تحوي نقوشا وزخارف بديعة ودعامات خشبية ذات ألوان مزخرفة ومنقوشة وهذه النقوش والزخارف لا تتكرر في غير مدينة شبام.
إلا أننا وجدنا تشابها بسيطا بين أبواب المنازل في مدينة شبام وأبواب المنازل في المصنعة الواقعة في المحويت لا سيما في النقوش والبراويز الحديدية المزخرفة أيضاٍ وأنها ذات بابان باب داخل باب الباب الصغير للبشر بينما يفتح الباب بأكمله لدخول الحيوانات لا سيما الأبقار وهنا تقول الأخت أمة الرزاق جحاف مدير عام البيوت التقليدية بالهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية: إن المدينة وللأسف الشديد لم يتم استغلال قيمتها الحضارية والتاريخية سياحيا فالسائح الأجنبي يأتي إلى المدينة ويطوف فيها لمدة ساعة أو تزيد وبعدها تنتهي زيارته لا توجد في المدينة فنادق أو مطاعم أو أماكن يمكن أن يقضي فيها السائح أوقاتهاٍ ممتعة وسعيدة يطلع من خلالها أكثر على المدينة وهناك الكثير من السياح الذين زاروا المدينة عبروا عن أسفهم لعدم استطاعتهم الاستمتاع والبقاء أكثر في هذه المدينة التي طالما سمعوا عنها الكثير وهي فعلا تستحق أن يتم المكوث فيها أكثر.
وأضاف جحاف أن الهيئة كانت قد تبنت مشروعاٍِ تراثياٍ هاماٍ حيث قامت بتخصيص أحد المنازل التاريخية المشهورة في المدينة بيت «جرهوم» والذي أصبح مملوكا للدولة ليكون بيتا للموروث الشبامي لا سيما أن شبام حضرموت تزخر بموروث ثقافي ذي ثراء كبير جدا وله خصوصية مميزة سواء في العادات والتقاليد أو الأزياء التي تلفت الأنظار والتي تستمد أصالتها من هذه المدينة ذات التراث العريق فمثلا زي شبامي يتمثل في الفستان المذيل المسمى في شبام «ذيل وقديمة» زي موغل في القدم توارثته الأجيال في شبام وهذا الفستان المذيل كان ذا مكانة مرموقة فيما مضى والدليل على ذلك بيت في معلقة أمرؤ القيس يقول:
فعنا لنا سرب كأن نعاجه عذاري داور في ملاء مذيل.
وهذا يدل على أن هذا الفستان المذيل يعود إلى فترة ما قبل الإسلام. وأكدت أن الهيئة قامت بترميم منزل جرهوم ليتم تحويله إلى بيت الموروث الشبامي وهذا المنزل يعود تاريخه إلى ما قبل 400 عام وتم شراء الكثير من هذه الموروثات سواء من الأسواق أو من المنازل وبلغت قيمة ما تم شراؤه مليوني ريال ولكن للأسف الشديد ما حدث بعد ذلك كان مخزياٍ فهذا المبنى تم إقفاله وهو مهمل حتى لا يوجد أحد يقوم بحراسته ورعايته منذ عام 2004م وما تم شراؤه من موروثات شعبية شبامية تم إيداعها في ذلك المبنى ولا علم لنا إذا ماكانت تلك الأشياء لا زالت موجودة أم أخذت وإذا كانت موجودة فمن المؤكد أن الفئران قد التهمتها.
وأضاف مدينة شبام تفتقر إلى مرافق سياحية( فنادق مطاعم) والسائح لا يبقى¿! في المدينة سوى لنصف ساعة وبعدها يغادر ماذا استفدنا أو استفادت المدينة وأبناؤها من هذا السائح¿! لماذا لا توجد مرافق تجذب السائح للبقاء وإنفاق المال¿¿
تصوير فؤاد الحرازي