
تحليل/محمد شبيطة –
القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي والذي بموجبه أعاد مجلس الشعب إلى العمل بعد أن صدر حكم المحكمة الدستورية ببطلانه وقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يقوم بدور رئيس الجمهورية بحله تنفيذاٍ لحكم المحكمة الدستورية العليا هذا القرار أدخل مصر في أزمة تتفاعل على صفيح ساخن حيث أحدث منذ إعلانه مساء الأحد الماضي صدمة كبيرة في الشارع المصري وفي الأوساط السياسية والقضائية والقانونية فكانت ردود الأفعال بمستوى فعل القرار وأشد منه كانت ردود الأفعال السياسية لمختلف القوى الليبرالية واليسارية والقومية رافضة بقوة لهذا القرار واصفةٍ إياه بأنه يقوض أسس الدولة المصرية وأنه يمثل سابقة خطيرة بتدخله في السلطة القضائية وقد تصدت هذه القوى ممثلةٍ بأحزاب الوفد والكرامة والمصريين الأحرار والمصري الاجتماعي والتجمع والجبهة إضافةٍ إلى عدد من الأحزاب التي وجهت أعضاء مجلس الشعب المنتمين إليها بعدم حضور جلسة البرلمان التي دعا إليها رئيسه الدكتور الكتاتني. إضافةٍ إلى الوسط السياسي الرافض للقرار فإن الهيئات القضائية المصرية على مختلف درجاتها تداعت إلى اجتماع في نادي القضاة وأصدرت تحذيرات للرئيس وأمهلته (36) ساعة للتراجع عنه معتبرةٍ أن قرار الرئيس مرسي أهان القضاء ممثلاٍ بالمحكمة الدستورية العليا التي بموجب القانون لا يجب الطعن في قراراتها وأحكامها وإنما تنفيذها فوراٍ.
المحكمة الدستورية نفسها بعد إصدارها في اليوم التالي للقرار بياناٍ قالت فيه إنه لا يجوز الطعن في قرارها أو تفسير حكمها لأية جهة كانت فإنها في اليوم الثالث أصدرت حكماٍ ثانياٍ زاد من إشعال الوضع في الساحة المصرية حينما أمر الحكم بوقف تنفيذ قرار الرئيس مرسي بعودة مجلس الشعب وهذا يعتبر من أقوى الأحكام في تاريخ القضاء المصري فبعد إصدار الحكم مساء الثلاثاء أحدث ضجة كبيرة حيث رحبت به مختلف القوى السياسية الرافضة للقرار منذ البداية إلا أن القوى التي تدعم القرار مثل : جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وحزب النور وحزب الوسط وهذه الأحزاب بمجملها تمثل تيار الإسلام السياسي كلها اتهمت المحكمة بأنها بإصدارها هذا الحكم تكون قد دخلت الصراع السياسي بل إن أحد المحامين عن جماعة الإخوان اتهم المحكمة بالتزوير منذ إصدارها قرار بطلان البرلمان في الشهر الماضي.
قرار الرئيس المصري الذي أصدره بعد عشرة أيام – فقط – على تسلمه السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أحدث تصدعاٍ كبيراٍ ليس – فقط – بين قوى الثورة والقوى المناهضة بل إن هذا القرار أحدث تصدعاٍ حقيقياٍ في صف القوى التي كانت شريكة في ميدان التحرير منذ بداية الثورة المصرية في 25 يناير 2011م من أحزاب وتيارات وشخصيات سياسية وناشطين سياسيين وحقوقيين وقد تصدر مشهد الرفض لقرار الرئيس مرسي من الشخصيات السياسية المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي وكذلك المرشح السابق أبو العز الحريري وعمرو موسى وأيمن نور ومحمد البرادعي كل هؤلاء اتفقوا على أن القرار الجمهوري يهدر ويهدم بنى الدولة المصرية خاصةٍ السلطة القضائية واعتبروه تحدياٍ للقضاء ودعوا الرئيس مرسي إلى التراجع عن القرار بل إن صباحي دعا الرئيس مرسي بعد حكم المحكمة الدستورية بإيقاف القرار إلى الالتزام به بل إن أحد الداعمين لمرسي والذي كان يقف إلى جانبه مؤيداٍ للقرار وهو النائب محمد أنور السادات وهو رئيس حزب سياسي أعلن بعد صدور الحكم الأخير أنه بعد إصدار الحكم بإيقاف القرار فإنه من الواجب مراجعة الموقف وأضاف أنه لا يجوز التصدي لأحكام القضاء.
المجلس العسكري يبدو أنه المستفيد الوحيد من هذه الأزمة التي تعصف بالوضع المصري وجعلته على حافة هاوية فهذا المجلس على الرغم من أنه كان المستهدف الرئيسي من قرار مرسي حيث أن مرسي بإصداره هذا القرار كان قد أخذ سلطة التشريع التي كان يمتلكها المجلس العسكري بموجب الإعلان الدستوري المكمل وأعاده إلى مجلس الشعب إلا أن هذا المجلس «العسكري» لم يكن رده بحسب المتوقع وإنما كان بياناٍ وسطياٍ جعل المتحدث باسم الرئاسة المصرية يشيد به مما أكد مخاوف عدد من المراقبين من أن هناك اتفاقاٍ بين مرسي والعسكر.
المجلس العسكري ببيانه أكد – فقط – على ضرورة التزام جميع مؤسسات الدولة بأحكام القضاء مبيناٍ أنه عندما أصدر قرار حل البرلمان كان في ظروف خاصة وتنفيذاٍ لأحكام القضاء ولم يتصدِ المجلس لمرسي وإنما جعله في مواجهة مع الهيئات القضائية.
بعض الرافضين لقرار الرئيس مرسي ممن كانوا في ساحات الثورة مثل المخرج خالد يوسف اعتبر يوم صدور حكم المحكمة الدستورية بإيقاف قرار مرسي مساء الثلاثاء يوماٍ خالداٍ في التاريخ المصري ومن أجمل الأيام بعد 25 يناير 2011م أما جماعة الإخوان فقد حشدت أنصارها يوم الثلاثاء إلى ميدان التحرير مؤيدةٍ لقرار رئيس الجمهورية مؤكدين أنهم سيقفون ضد كل الرافضين لقرارات الرئيس.
وفي نفس الاتجاه كان هناك حشد آخر في المنصة في مدينة نصر رافضاٍ لقرار مرسي ومؤيداٍ وداعماٍ لأحكام القضاء وبانقسام الشارع المصري في مثل هكذا موقف فإنه يبدو أن الرئيس مرسي يعيش أياماٍ غير جميلة في القصر الرئاسي فأول قراراته الذي كان من المفترض أن يجمع ويوحد المصريين أحدث انقساماٍ حاداٍ بل إنه وضع نفسه في موقف محرج حينما يقف في مواجهة السلطة القضائية كذلك فإن ردود الأفعال على قراره ربما تؤثر على هيبته وتضعفه أكثر مما تقويه لأنه في كلتا الحالتين إن تراجع عن قراره سيضعف جماهيرياٍ وإن أصر على تنفيذ قراره فإنه بذلك يجعل من نفسه فرعوناٍ جديداٍ في مواجهة مع القضاء بل سيعتبره مناوئوه بأنه يقف ضد القانون.
وفي هذه المعمعة التي تعصف بالساحة المصرية هناك دعوات من قبل ناشطين سياسيين للجيش للانقلاب على مرسي بل وتقديمه للمحكمة.
الخاسر في هذه الأزمة كل الشعب المصري وكل التيارات المنقسمة لأن المواطن المصري الذي كان قد شعر بالهدوء لمدة أسبوع والذي يحلم بعودة الأمن والاستقرار والوضع المعيشي الطبيعي قد يفقد الأمل في كل القوى التي تتزاحم في الساحة السياسية المصرية ويبدو للمراقب أن أسباب الوضع الهش والمتأزم الذي تشهده مصر كانت ناتجة عن تسرع بعض القوى في التسابق على الغنائم رغم أن النصر لم يتحقق بشكل كامل لقوى الثورة وهذا التسابق أحدث انقسامات متعددة بين قوى الثورة المختلفة.
على عكس ما كنا نراه في بداية الثورة المصرية التي استمرت في الميدان لمدة (18) يوماٍ كان الكل يمثل مصر والجميع يشعرون بأنهم مصريون تناسوا حينذاك أحزابهم وتكتلاتهم وكل المصالح الشخصية والفئوية وكانوا على قلب رِجْل واحد فقد وحدهم مطلب واحد هو إسقاط النظام والحلم بمستقبل جميل يسود فيه العدل الاجتماعي والحرية والمساواة أما اليوم فإن الغنائم وهوى السلطة شتتت ما تجمع وفرقت ما توحد وربما إن تطورت هذه الأزمة إلى مواجهات لا يحمد عقباها فإن ذلك سيؤثر على المنطقة بشكل عام لأن مصر هي قلب الأمة النابض بالحياة ويظل الأمل كبيراٍ في أبناء مصر الكنانة بأن يتجاوزوا هذه الانقسامات والتوجه نحو مصر قوية جديدة ومعاصرة.