هنا العاصمة

عبدالخالق النقيب

مقال 


 - يذكرني مبنى اليمنية القديمة قبل أن يصار إلى ما صار عليه ويصبح هيكلا من الخرسانة المهترئة ويتحول ما بداخله إلى رماد كيف كان دليلا للتائهين وعلامة مميزة للمسافرين من أبناء المحافظات وعندما نقف لمطالعة الساعة الشهيرة
عبدالخالق النقيب –

مقال 

يذكرني مبنى اليمنية القديمة قبل أن يصار إلى ما صار عليه ويصبح هيكلا من الخرسانة المهترئة ويتحول ما بداخله إلى رماد كيف كان دليلا للتائهين وعلامة مميزة للمسافرين من أبناء المحافظات وعندما نقف لمطالعة الساعة الشهيرة واليتيمة أيضا حين كانت تتوسط جولة الساعة قبل اندثارها كنا نشعر بالمزاج العام للعاصمة صنعاء وهي تعيش صخب الحياة وتطارد عقارب الزمن.
كم كنت أنت تعيش نكهة العاصمة في ميدان التحرير وحاملو الكاميرات الفوتوغرافية يعترضونك لإقناعك بالتقاط صورة بجانب النافورة أو أمام دبابة المارد التي نالت من قصر الإمام إبان الثورة السبتمبرية وحين تمر على جامعة صنعاء سيرا أو راكبا تظل متأملا بروحك وعينك وهج العلم وأفواج الطلاب تدخل وتخرج من وإلى الجامعة دون أن يفوتك التأمل لمجسم الحكمة اليمانية وأنت تحاول قراءة ما كنت عليه وتطرب كلما استحضرت معانيها كعبارة نبوية موروثة كنا جميعا نشعر بالأجواء الفردية للعاصمة صنعاء رغم جوانب القصور الموجودة بيد أن ثمة امتيازات كانت تغطي عيوبها ندركها إحساسا ولا ندري ما هي.
اليوم وبعد الأحداث الدراماتيكية شهدتها العاصمة بإمكانك أيضا أن تدرك بما لها من امتيازات وسمات لربما تغيرت بعض الشيء لكنها تمثل سماتها اليوم فلا تخلو ليلة من إطلاق الأعيرة والألعاب النارية بكافة أنواعها حتى تكاد تشعر أن الكل يحتفل بطريقته الخاصة لا يهم أن تفهم مناسبة الاحتفال فأنت لا تعيش مناسبة وطنية ولا تذكر أن ثمة عرس أو مهرجان في نطاق الحارة أو المنطقة التي تقع في إطارها كل ما في الأمر أنها صارت إحدى السمان البديلة للعاصمة ولا شأن لك ببقية التفسيرات.
هنا العاصمة قد تهذي بها لا إراديا وتمضي في تكرارها مرارا كلما توغلت في شق طريقك إلى أي مكان تقصده وتجد نفسك مكرها للسير بين أكوام القمامة المكدسة في مفترق الطرقات وعلى الجزر والأرصفة وتحت الأشجار تكتم أنفاسك وتتقزز من كل ما حولك وربما تتمنى ما تمنيته وأنا أدعو الله أن يجنبنا الكوارث وأن يعزز من طاقة الصبر والاحتمال لدينا بعد أن قلت حيلتنا وضاق الحال بناء نحن على استعداد أن نتحمل انبعاثاتها ونظل في مطاردة مع سرب الذباب ذو الوزن الثقيل واللوم الأزرق مقابل أن لا يمر أجنبي أو سائح أو زائر هذه الأيام ليرى ما تحتفي به العاصمة من امتيازات معيبة.
أظن يقينا أن ازدياد ظاهرة التسول في الجولات وتناميها بشكل لافت لن تصطدمك كثيرا فالتسول شهد نقلة متطورة وإضافة نوعية بعد أن صار نهجا دبلوماسيا رفيع المستوى وبطريقة لا تغضبك وحدك وإنما تغضب إبليس نفسه.
«هنا العاصمة « ما يجعلك تصرخ بها حسرة وحرقة مرور موكب «شاخط « يخطفه بصرك وهو مدجج بالأسلحة ويستقل سيارات بدون أرقام دون أن تجرؤ نقطة عسكرية على الاقتراب منه أو أن تستوقفه إشارة مرورية وتحاول اعتراضه ولك في النهاية أن تحصي ما تبقى من امتيازات تسمو بها العاصمة اليوم.

قد يعجبك ايضا