
معين النجري –
لا نريد لذلك الملاك أن يعود إلى منزله باكرا , سنقول له (الملائكة لا يفعلون ذلك) على الأقل ليس الآن… ليس بعد أن فتحت لأرواحنا نافذة إلى الجنة وساعدتنا لنتمكن من العبور.
ليس الآن يا سيدي , فهذه الأيادي والأوجه والطيور والبحار والسحب المعلقة على جدران شوارعنا ماتزال بحاجة للتكاثر , لم نمتلئ بعد بألوانها وأنت لم تقل كل ما عندك.
جدران شوارعنا التي أنهكتها شعارات الساسة وصور المرشحين ورصاص الإخوة الأعداء ودماء الأبرياء وخربشات المتسكعين بحاجة إلى المزيد من حضورك لنتخلص من كل هذا العبث.
قالوا بأنهم قد اختتموا جولتك الأولى فتية ما تزال أيديهم مليئة بالضوء وعيونهم ملونة وقلوبهم تحلق بأجنحة بيضاء.
كيف استطاع هؤلاء الشباب والأطفال إيجاد الأمل في كومة القش وحقن قلوبنا بهذا اللقاح الخرافي¿ من أين جاءوا بكل هذه الشحنة العاطفية وكيف أقنعوا الجدران على استخدامها في مواجهة تصحر القلوب¿
ها نحن ننحني اليوم ونرفع القبعات احتراماٍ وإعجاباٍ بمبادرة أطلقها شاب يهوى الرسم وتجاوبت معها كل القلوب الحية على صفحة الفيس بوك. وحين نزل مع نفر من أصحابه إلى الشارع يحملون الألوان والفرشاة ويزيحون بشع الواقع بأحلام المستقبل وجدوا غيرهم من المارة ينتزعون وجوههم ويضعونها على الجدران كما يريدون هم لا كما يمليها عليهم أبطال الحرب من الجبهتين.
هذا اللون أيقظ البشر الحقيقيين فذهب الأب ليشتري لأبنائه الألوان والفرشاة ويمنحهم جداراٍ واسعاٍ يرسمون عليه مستقبلهم.
كان التدشين في شارع الدائري عندما اكتحلت عيناه بقوس قزح فأشرق الحنين في باقي شوارع العاصمة.
الحرب ليست كل شيء ماتزال هناك مساحة للحب نستطيع أن نتكئ عليها لاستعادة الحياة التي فقدناها خلال قرون من القلق والرعب والموت عشناها على مدى أكثر من عام.
حفلة رسم
حفلة رسم … هل أنا موفق في التسمية ¿ ربما… لكنها بدت لي هكذا كان مراد سبيع يرسم وكانت الأستاذة أروى عبده عثمان تصور والقاصة الدكتورة نادية الكوكباني تراقص الألوان على جدار المؤسسة العامة للطرق والجسور وكان هناك مجموعة من الشباب والشابات ينفخون الحياة في تلك الجدران الغبراء فأحالوها حديقة ألوان.
حدث هذا قبل أشهر من الآن , وحين تحدث إليِ بعضهم كنت أشعر بالخجل كيف أسألهم عن ما يقومون به . هل يمكن أن نسأل السحب لماذا تمطر أو نستغرب لتفتح البراعم في الربيع¿ لكنني اخترعت لنفسي استفسارات قد تساعدني على القيام بشيء ما . قالوا بأن الفنان مراد سبيع هو صاحب الفكرة ومن أنشىء صفحة على الفيس بوك بهذا الاسم وأن الآخرين جاءوا ليساعدوا على عودة البهجة إلى نفوس الناس.
هل الجميع هنا من هواة الرسم ¿ لا … بإمكانك أن تشتري فرشاة وألواناٍ وتأتي لتشارك .. ستضع اللون مكان اللا لون كيفما تريد وستكون الصورة أفضل بكثير عن ما كانت عليه قبل فرشاتك.
هل ستنتقلون إلى شوارع أخرى¿ بكل تأكيد وندعو الجميع إلى تلوين شوارعهم … ليس بالضرورة أن يأتوا إلينا , بإمكان كل فرد أن يلون شارعه .. هكذا اسم المبادرة (لون جدار شارعك) .
تمويل
لا أحد يمكنه أن يمول الحب .. إنه يعيش في كل الأمكنة .. فقط القلوب المشوهة هي التي تعجز عن استقباله.
ولا أحد يمول هذه الحملة المدهشة . هذه الفرشاة والألوان لا تتبع أحداٍ ولا تعبر عن طرف سياسي ولا ديني ولا طبقي ولا عرقي , هذه الصلوات التي تمارسها أيادي شباب وشابات اليمن لا علاقة لها بشعارات المتصارعين ومذاهبهم , لا تلمح بالتمجيد ولا الاحتقار لأحد … لا تتكهنوا ولا تفرزوا تراكماتكم وصراعاتكم هنا, لقد خرج الشباب والشابات بألوانهم إلى الشوارع ليساعدوا الناس على تجاوز خلافاتكم المقيتة, لذا حاولوا أن تغسلوا قلوبكم بابتسامات الأطفال الواقفين تحت تلك السحب العابرة.
امنحوا أنفسكم فرصة لاستعادة إنسانيتكم , ربما تنجحوا هذه المرة وتصبحوا كائنات نافعة يمكن أن يستفيد منها الوطن.
ليس الآن
بكل تأكيد لن تضع الريشة ألوانها اليوم في بيت الثقافة . إنها تستعد فقط للانطلاق بأفكار جديدة وأماكن أبعد , هكذا قال شباب المبادرة وأنا أصدقهم , هؤلاء فقط يستحقوا أن نصدقهم حين يتحدثون.
جدران كثيرة ماتزال بانتظار ألوانهم لتنتشلها من حالة الانتحار الطويييييييل , جدران شوارع صنعاء , عدن , تعز, حضرموت, إب . وأبين و….و…و.. وجدران قلبي تنتظر , يكاد الشوق أن يفتك بها , إنها الآن تقف على حافة اللون.
ستكونون هناك في موعدكم .. أنا واثق من هذا فالأرض موعودة بالحياة.. والحياة تسري في أناملكم .. تتفتح في ضحكاتكم وتعليقاتكم البريئة .
حتى أولئك الأشخاص ممن حرصوا على السخرية منكم عند فاتحتكم هم الآن يتماثلون للشفاء , وغداٍ ربما يقفون في الجوار ليكفروا عن سخافاتهم.
أنتم تؤمنون بذلك …لا شك .. ولهذا أنتم هنا اليوم لتبشرونا بأن القادم أكثر ألواناٍ و بهجة .
أنتم هنا لتقولوا لنا أن بإمكاننا ممارسة الحياة بشكل أفضل… لا تبذلوا مزيدا من الجهد لإقناعنا بذلك , اتركوا ألوانكم تقوم بعملها .
إنها تقوم بما يجب … ها هي أصواتها العجيبة تنساب إلى أرواحنا كالعافية. وها هو آدم يستفيق من غيبوبته لتشهد الحياة دورتها الجديدة.