رحالة.. أسواق العمل «2»


ويصف وزير العمل الالماني الأسبق «نوربرت بلوم» الوضع المحزن السائد حاليا من نهم الرأسمال المعولم قائلا: إننا نحيا في عصر النفير العام إلا أن الفارق بين الوضع الذي نعيشه وزمن الحرب¡ هو أننا استبدلنا بالأسلحة والجنود.. الأيدي العاملة¡ فنحن ننهب من أفقر الدول خيرة ما لديها من كفاءات علمية وعقول¡ أما أبناؤها المحرومون فإن مصيرهم ومصير العجزة والمرضى منهم لا يضيرنا أبدا.. إننا نتهالك على استقطاب الطليعة المثقفة في هذه البلدان فقط فخبير البرمجيات لا يحصل في ألمانيا على فرصة عمل إذا كان قد بلغ الاربعين من العمر¡ فأرباب العمل يفضلون تشغيل الشبيبة الهندية على تشغيل هذا العامل.
فتشغيل العامل الهندي أرخص بكثير من تشغيل العامل الألماني.
ويضيف قائلا: لقد صارت التدفقات المالية تجوب العالم برمته مستخدمة شبكة الانترنت.. ويركض بنو البشر وراء هذه التدفقات المالية لاهثين مقطوعي الأنفاس.. فحينما يرحل رأس المال تجد بني البشر يرحلون معه من مهنة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر إلا أن هؤلاء الرحالة صاروا مجبرين على التضحية بالكثير فالمواطن والجيران والأصدقاء بل حتى الأسرة هؤلاء جميعا صاروا عائقا¡ من هنا لا غرو أن تجد الزوج يذهب شمالا والآخر يسافر غربا وأحد الأبناء يسافر جنوبا والزوجة تسافر شرقا والجد والجدة يظلان وحيدين في الدار.
إن هنا التشتت يفضي إلى الفناء.. أن هيمنة الاقتصاد على حياة المجتمع تؤدي إلى ظواهر تتنافى مع طبائع الانسان إن هذه الظواهر نفرض متطلباتها فرضا لا مراعاة فيه لأي منطق وقبل بضعة سنين اكتشفت البشرية محاسن التخلي عن الحياة البدوية والترحل وأهمية التوطن أما الآن فقد غدا رحالة أسواق العمل عنوانا على مرونة هذه الأسواق وتضحية لا بد منها إذا كان المرء يتطلع إلى الحصول على فرصة عمل.

هامش: من كتاب «اقتصاد يغدق فقرا.. التحول من دولة التكافل الاجتماعي إلى المجتمع المنقسم على نفسه. «سلسلة عالم المعرفة» تأليف «هورست افهيلر» ترجمة الدكتور عدنان عباس علي

قد يعجبك ايضا