العيد خلف القضبان.. ألم لا حدود له

أن يحل عليك العيد وأنت بعيد عن أسرتك بملء إرادتك وبكامل حريتك وبين أن تكون بعيداٍ إجبارياٍ وخارج حريتك ولأكثر من عيد وربما لأكثر من ثلاثين عاماٍ عن أطفالك وأسرتك وأهلك, بون شاسع, وفارق كبير.. وألمَ لا يشعر به إلا من عايشه أو استمع لأحد مجربيه.
الكثير من السجناء يقبعون خلف القضبان دون وجه حق وبطريقة غير قانونية, لكن ما نريد التحدث هنا هو عن كيفية الحالة النفسية لهم ولذويهم وكيف يعيشون أجواء العيد وهم على مسافة وزمن ـ يصل ببعضهم إلى أكثر من عشرين أو ثلاثين عاماٍ ـ من أسرهم وأطفالهم وأحبابهم وأصدقائهم.
مئات النزلاء خلف قضبان الإصلاحيات المركزية.. تتراوح مدة بقائهم في السجون ما بين العام إلى الثلاثين عاماٍ.. البعض منهم قد تعود على قضاء الأعياد خلف أسوار السجون وذلك يعود لبقائهم بالسجن لفترة الطويلة.. ما جعلهم يستسلمون ويرضون بالواقع الذي وضعهم القدر والأوضاع والظروف فيه.. والبعض منهم ما يزال حديثاٍ على الإصلاحيات يعيشون حالة مأساوية من الألم والحزن لحلول عيد الفطر المبارك وهم بعيدون عن أهاليهم وأسرهم.
مهما حاول السجناء, أن يعيشونا لحظة العيد كغيرهم من المتواجدين خلف أسوار السجن, تبقى في القلب غصة وألم, والعين دمعة ونظرة ندم, وفي الفم دعوة ورجاء للرب.. مهما حاولوا أن يبتسموا, لا بد من الانفراد والحزن والألم والاشتياق, لا سيما حين يأتي لزيارتهم حبيب أو صديق أو قريب.
وعن الإجراءات التي تتخذها إدارات الإصلاحيات المركزية “السجون سابقاٍ” تواصلنا مع مدير عام إصلاحية صنعاء العميد صيفان الحجيري والذي قال ” بمناسبة حلول عيد الأضحى قمنا بفتح موعد الزيارة وتمديده من الصباح وحتى المساء, وذلك بخلاف الزيارة خلال الأيام العادية والتي تنقسم إلى مرحلتين زيارة صباحية من الساعة 9 صباحاٍ وحتى 11, بينما الزيارة المسائية تكون من 1 ظهراٍ وحتى ال3 مساءٍ”.
وأكد مدير عام إصلاحية صنعاء على أن المواطنين يتوافدون بشكل كبير وكثيف على السجن المركزي خلال أيام الأعياد لزيارة النزلاء.. مشيراٍ إلى أن هذه المناسبة تعتبر فرصة للبعض لزيارة السجناء إذ أن هناك من يزور بعض أقربائه أو أصدقاءُ له مسجونين من عام إلى آخر.
ولفت العميد صفيان الحجيري إلى أنه هناك أنشطة ثقافية عيدية تقام داخل الإصلاحية بمناسبة العيد.. منوهاٍ بأن إدارة الإصلاحية تحرص على توفير بعض المأكولات العيدية وكذا مشاركتهم فرحة العيد.
في السياق ذاته قال المعيد بجامعة صنعاء كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم الخدمة الاجتماعية ماجد عبد اللطيف الحميدي: إن فرحة المسلمين بعيد الأضحى المبارك يجعل منها مناسبة وواجبا دينيا لزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء وثمة شريحة من الناس ينبغي تسليط الضوء عليها وهي فئة المحتجزين والمقيمين في السجون وذويهم خاصة فيما يتعلق بجوانب استقرارهم النفسي والاجتماعي.
وأكد الحميدي على أن أركان الأسرة الصغيرة تكتمل بوجود الأب والأم والأبناء وأي غياب لأحد تلك الأطراف قد يسبب خللاٍ ومعاناة ومشكلات نفسية واجتماعية لهذه الأسرة ومن تلك المشكلات التي قد تكون نتيجة لوجود أحد أفراد الأسرة في السجن أثناء العيد.. مشيراٍ إلى أن وجود معيل الأسرة في السجن قد يتسبب بخلل في الوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي للأسرة وبالتالي يؤثر في مدى إشباع احتياجات أفراد الأسرة وخاصة الأبناء الذين يحرمون وتسلب منهم فرحة التمتع بالعيد.. لافتاٍ إلى أن ذلك يؤثر على نفسية الأطفال عندما ينظرون أقرباء لهم يتمتعون برفقة آبائهم ويكتسون ثياب العيد ويأكلون وهم محرومون منها. بينما كبار أسر المحتجزين قد يشعرون, بحسب الحميدي, بعدم وجود الاستقرار الاجتماعي والأسري نظراٍ لغياب عائلهم.
أما على المستوى الفردي فقد أكد الأستاذ الحميدي على أن هنالك آثاراٍ نفسية قد يعاني منها النزيل بسبب بعده عن الأسرة ومنها الشعور بالوحدة والحزن والحرمان والقلق ونوبات من الغضب والبكاء.. منوهاٍ بأن هذه المشكلات قد تتفاقم للحالات التي انقضت فترة حكمها في السجن ولم يتم الإفراج عنهم.
وعن المستوى المجتمعي قال الحميدي ” قد يكون هنالك وصمة عار مجتمعية تصيب نزيل السجن أو أسرته من قبل أفراد المجتمع مما يمنع الكثير من ذوي أسر المساجين من التواصل الاجتماعي مع نزلاء السجن من أفراد الأسرة أو قد يمنع أسرة المسجون من التواصل الاجتماعي مع وسطهم الاجتماعي (كزيارات العيد والخروج لتهنئة الأصدقاء والخروج إلى أماكن عامة) خوفا من أن يتم وصمهم بأرباب السجون”.. مشيراٍ إلى أن جوانب الرعاية النفسية والاجتماعية لنزلاء السجون تلعب دوراٍ مهماٍ وأساسياٍ في إعادة تأهيل وإصلاح هذه الفئة وأسرهم.
وعن الطرق التي بإمكانها مساعدة السجناء في الخروج مما هم فيه من الحالة النفسية قال الحميدي: هنالك عدة جوانب ينبغي العمل عليها في هذا الجانب ومنها ما يقع على عاتق إدارة السجون مسألة الاهتمام بالجوانب النفسية والاجتماعية للنزلاء خلال فترة التأهيل والإصلاح لهم في السجون فيمكن أن تقيم إدارة السجون خلال أيام العيد عدة أنشطة وفعاليات تهدف إلى إدخال البهجة والفرح لنفوس النزلاء مثل: أداء شعائر صلاة العيد والأضحية داخل السجن وتبادل التهاني والتبريكات فيما بين النزلاء وإقامة أمسية أو احتفالية مسائية لهم ومن ضمن الرعاية اللاحقة لنزلاء السجون الاهتمام بدراسة الوضع الاجتماعي والأسري للنزيل ومحاولة خلق التواصل مابين النزيل وأسرته أثناء هذه المناسبة, كما يمكن أن تتيح تلك الدراسة معرفة الوضع الاقتصادي والمعيشي لأسرة النزيل ويمكن توفير الاحتياجات الضرورية لها من خلال المنظمات الخيرية وفاعلي الخير بالمجتمع.
واعتبر الإعلام أهم الأدوار في التوعية وتخفيف الوصم الاجتماعي على هذه الفئة وإبراز الواجب الديني والإنساني الذي ينبغي أن يقوم به فاعلو الخير وأفراد المجتمع والمنظمات في رعاية أسر النزلاء وأهمية إدخال الفرح والسرور للأفراد والأسر خاصة الأطفال والذين ليس لهم ذنب فيما قام به ذووهم من جرائم.. مشيراٍ إلى أن عدم الاهتمام بهم قد يسبب جيلاٍ ناقماٍ على جيل ناقم من المجتمع أو منحرف لغياب تلك الرعاية وتستمر حلقات ودوائر الجريمة والجرائم.
مما سبق نجد أن الشعور الذي يلازم كل سجين خلال أيام العيد والمناسبات هو الشوق والحنين إلى ذكريات الماضي والذكريات الجميلة التي لا تنسى لما تحمل في طياتها من لحظات السعادة والفرح..اللحظات والأوقات الممتعة التي عاشوها ـ ويشتاقون لها ـ بين الأهل والأصدقاء والأحباب التي عاشوها بكل معاني السعادة والحرية.
وعن طقوس العيد للسجناء فهم يتبادلون بعد صلاة العيد الزيارات المتبادلة بين السجناء والسلام والمصافحة وكذا إحياء المناسبة بالتراث الشعبي “البرع” وكذا إقامة العزائم”.
رسالة سجين
وقد لخص النزيل منصور المدان حالة النزلاء خلال أيام العيد بعبارات نصية جاء فيها:
“أي عيد تتحدث عنه من خلف الحديد.. أي عيد وأنا في السجن أمسيت وحيداٍ.. ليس لي في القلب إلا جمر يغلي ولهيب.. أي عيد وصدى الأحزان والمأساة شديد.. ليس لي في العيد هذا غير دمعُ ونحيب.. ليس لي غير الهموم جعلت رأسي يشيب.. أي عيد ودم الأشواق يغلي في الوريد.. أي ضوءُ يا فؤادي بعدما الشمس تغيب.. آه عندكم من عاش مأسوراٍ أتقولون سعيداٍ ¿! عندكم من فارق الأحباب تقولون نصيباٍ¿!.. رباه قد انهار قلبي يا ترى هل من مزيد.. أنا قد ساقتني الأقدار للحال التعيب.. ليس لي شيء سوى الذكرى إلى الماضي البعيد.. لست أشكو ما جرى لي غير أني صرت من أهلي بعيداٍ.. أيها الشادي تحياتي لأهلي من جديد.. أكيد أن الموت يدنو صار من روحي قريباٍ.. قل لأحبابي وداعاٍ أحسن الله عزاكم في الفقيد.”

قد يعجبك ايضا