نازحون فقدوا كل شيء.. ولم يحصلوا على شيء

بينما منزله ومقر عمله يتعرض للقصف.. كان هو في أحد جبال  محافظة صعدة, عاجزاٍ عن النزوح والخروج منها لعدم امتلاكه تكاليف المواصلات.
النازح محمد قاسم عوض الهجري.. نزح من منزله إلى أحد جبال المحافظة التي أعلنها العدو منطقة مستهدفة عسكرياٍ وظل هناك هو وأسرته المكونة من 24 فرداٍ وفرده.. غير قادر على الخروج وإنقاذ حياته وحيات أسرته من الموت المحقق لعدم توفر أجور النقل لديه, حتى جاءتهم باصات النقل  في العاشر من مايو الماضي التي وجه بها محافظ صعدة ونقلتهم إلى مدرسة 22 مايو بمنطقة بني الحارث أمانة العاصمة.

صاحب السبعين عاماٍ «الهجري» تعلم قبل خمسين عاماٍ مهنة إصلاح وتركيب وخلع الأسنان والأضراس بالطرق العلمية القديمة.. عمل من ذلك الزمن وحتى اليوم «فني أسنان» بمحافظة صعدة, لينضم إليه ابنه المتسلح بدورات تدريبية في علم فن الأسنان الحديث.. إلا أن كل الأموال التي أخروها خلال السنوات الماضية لم تساعدهم على هزيمة وضعهم الراهن المرير.
يقول الهجري « لقد تأثرنا  نحن سكان صعدة من الست الحروب, مادياٍ ونفسياٍ وأنفقنا خلالها كل ما كان بحوزتنا من مدخرات ومجوهرات.. لم يتبق بحوزته سوى جنبيه قديمة «سلاح أبيض»  كان قد دفع لي فيها أكثر من 800 ألف قبل الوضع الحالي, والآن بعتها بـ 450 ألف ريال ورغم ذلك لم نتمكن من تخفيف المعاناة والمأساة التي لحقت بنا».
«دعواتي لهم بالانتصار ودعوتي لهم بالالتفات إلينا نحن النازحين وتخفيف معاناتنا ولو بشيء بسيط».. هكذا رد علينا النازح الهجري حين سألناه عن دعوته ومناشدته ورسالته للجهات المعنية.. وهو الأمر الذي يستوجب من الجميع التفكر فيه وقراءته بعناية وتعويض ومساندة هؤلاء من النازحين والتخفيف عنهم.
أبنة النازح الهجري كانت تعمل طبيبة «نساء وولادة» في محافظة صعدة.. وحين وضعتها الظروف في مركز للنازحين وأدرج اسمها في كشوفات النازحين.. ورغم الوضع والآثار السلبية النفسية والمجتمعية  التي تلحق بالأسر والأفراد لا سيما النساء حين ينزحون من منازلهم ويتركون خلفهم ممتلكاتهم.. إلا أنها قاومت تلك الآثار وأرادت أن تقوم بواجبها الوطني والإنساني في المركز التي نزحت إليه.. إذ أنها  تقوم بدور الطبيبة للنازحين  في مركز 22 مايو..
كاتب شكاوى.. من يكتب معاناته..¿!
النازح صلاح جبران 60 عاماٍ من أبناء محافظة صعدة ـ أحد النازلين بمركز مدرسة 22 مايو.. كان يعمل كاتب شكاوى على آلة كتابة في المجمع الحكومي بصعدة, وهو العمل الوحيد الذي كان يوفر منه متطلبات الأسرة المكونة من تسعة أفراد.
يشكي جبران من الوضع المأساوي الذي هم فيه, ومن قلة المساعدات وغياب دور المنظمات الدولية والمجتمع المدني والحكومة والجهات المختصة وذات العلاقة التي تهتم بالنازحين وتعمل على مساعدتهم ومساندتهم وحل قضاياهم.
يقول جبران «نمر نحن بمركز النازحين بأيام ولحظات صعبة ومؤلمة رغم تعاون الإدارة القائمة على المركز إلا أن قلة المساعدات تخذلهم في توفير الاحتيجات الأساسية والرئيسية للحياة, ورغم ذلك ما يزالون يعملون جاهدين على توفير ما أمكن توفيره لنا».
وعن الشعور الذي يرافق النازح حين يترك منزله وقريته وممتلكاته يقول جبران « صحيح أننا نشعر بغصة في الحلق وألم في القلب, لكن ما التمسناه ووجدناه من المجتمع من تعاون ومساعدات وتكافل يجعلنا نشعر بالفخر والرضاء إذ أننا وجدنا أنفسنا من خلال معاملتهم الحسنة لنا, بأننا بين أسرنا وأهلنا».
  نريد العودة إلى أنقاض منازلنا
 النازح يحيى محسن عماد الدين ـ 55 عاماٍ ـ راعي أسرة مكونة من 13 فرداٍ .. أحد الساكنين بمركز 22 مايو والنازح من محافظة صعدة.. كان يحدثنا عن وضعه السابق والحالي والألم والمرارة تبدو من تجاعيد وجه لاسيما وهو فقد منزله وممتلكاته وعمله الشخصي الذي كان يمارس بمحافظة صعدة, إذ يملك معرض الكترونيات.. استهدفتها طائرات العدوان بالإضافة إلى تدمير سيارته وثلاثة موترات كان يعمل عليها أبناؤه.
يقول يحيى محسن: كل ما نريده الآن من المنظمات الدولية والعربية والأمم المتحدة هو إيقاف العدوان ومساعدتنا في العودة إلى منازلنا وديارنا.. سئمنا من الوضع الذي نحن فيه.. تعبنا من الحياة بهذه الطريقة اشتقنا لحياتنا السابقة لأعمالنا وممتلكاتنا التي فقدناها لكننا ورغم ذلك نصر وتطالب ونناشد ببذل المزيد من الجهود كي نعود لبيوتنا.
 في السياق ذاته يقول النازح عدنان النقيب – والذي نزح مع أسرتين مكونة من 12 نسمة بأنه يتلقى الدعم من المواطنين في المجتمع .. أما المنظمات فلم تدعمنا بشيء سوى فرشة أسنان وصابون.
وبالنسبة للكهرباء والماء يقول النازح عدنان بأن هناك فاعل خير يتبرع بتشغيل ماطور الكهرباء أما الماء فيتبرع كل تاجر بوايت في اليوم.
مطبخ إعداد الوجبات.. ومعايير الصحة والبيئة
يعمل مركز 22 مايو بكل ما لديه من إمكانيات على توفير المساعدات والمعونات للنازحين وتوفير الوجبات الغذائية.. إذ عمل على توفير مطبخ مركزي للمركز.. يعمل فيه أحد النازحين برفقة أفراد أسرته بأجر ألفي ريال يومياٍ.
يقول مسؤول المطبخ عبدالله الأحمدي ـ نازح من محافظة صعدةـ إنه يعمل حالياٍ على إعداد وجبات الإفطار والغداء والعشاء للنازحين بحسب الإمكانيات والمواد المتوفرة لدية.. يشكي الأحمدي من تجاهل المنظمات الإنسانية والدولية لشأن النازحين.. ويطالب الاهتمام والالتفات لهم ومعالجة وضعهم المبكي والحزين.
يؤكد الأحمدي بأن مطبخ المركز ليس مكتملاٍ وجاهزاٍ وبحاجة لأدوات ومتطلبات ضرورية لإعداد الوجبات الغذائية.
متطوعة: النازحون بحاجة لتهيئة نفسية
إحدى فتيات العاصمة حدثتنا رافضة ذكر اسمها تطوعت وتعمل حالياٍ مشرفة في مركز 22 مايو في مختلف المجالات منها أو أهمها النظافة وحل نزاعات النازحين والقيام بالتوعية التربوية للأطفال والنساء وترتيب الوضع وشئون النازحين.
المتطوعة تؤكد حاجة النازحين إلى المساعدات الفورية والعاجلة من مختلف مجالات الحياة.. خصوصاٍ العلاج والتهيئة النفسية.
في هذه اللحظة تظهر معادن المجتمع.. في لحظات الشدة والأزمة والظروف والحروب.. ويستطيع العالم أن يقيس مدى تكافل المجتمع وتعاونه وتماسكه من خلال الأزمات والكوارث.
النازحون .. والمنظمات الدولية
يقول أسماعيل علي – مدير مركز 22 مايو للنازحين بالعاصمة صنعاء بأن عدد النازحين القادمين من صعدة والذين فقدوا منازلهم بلغوا 4000 أسرة تم توزعيهم في بعض مدارس العاصمة في مدرسة البتول و22 مايو ومدرسة آمنة ومدرسة كتيبة وبعض المدارس بالعاصمة.
وأضاف مدير مركز 22 مايو للنازحين: المعاناة أصبحت إلى حد اللحظة مريرة .. ولم تتبن أي منظمة قضية النازحين بشكل إنساني .. وما يحدث إنما هو تكافل اجتماعي وكل ما لدى النازحين من دعم وتبرع فهو من المجتمع وكذا عبر مبادرات شخصية والتي تنفد بسرعة.. منوهاٍ أيضاْ بأن هناك دوراٍ إنسانياٍ من بعض التجار الذين يقومون بإيواء ودعم وتبرع للنازحين بشكل فردي .
ودعا جميع المنظمات الدولية والمنظمات المحلية إلى تفعيل دورها وذلك في الاهتمام الإنساني وتوصيل الدعم الحقوقي والإنساني إلى  نازحي اليمن .. والعمل على معيار واحد وليس بعدة معايير.

قد يعجبك ايضا