في وداع شهر رمضان

الناس في رمضان على ثلاثة أقسام : قسم ظالم لنفسه لم يصم شهر رمضان صوما حقيقيا فلم يحفظ حدوده ولم يتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ , فلم يصم لسانه عن اللغو والبهتان , ولم يصم سمعه عن سماع الباطل والخنا وكل ما يغضب الرحمن , ولم تصم عيناه عن النظر المحرم الغفلان , ولم تصم بطنه عن أكل الحرام , ولا يداه وقدماه عن الفحش والبهتان , فهذا كان حظه من صومه العطش والجوع وتحصيل الذل والخنوع , عن أبöي هريرة قال : قال رسول اللهö صلى الله عليه وسلم:رب صائöم حظه مöن صöيامöهö الجوع والعطش ورب قائöم حظه مöن قöيامöهö السهر.
قال الشاعر :
إذا لـم يكن فـي السمـعö مöني تصون***
وفي بصـري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذا مöن صومöي الجوع والظمأ***
وإن قلت: إني صمت يوما فما صمت
فهؤلاء لم يأخذوا من الإسلام إلا اسمه ولا من الإيمان إلا رسمه , فهم قد وقفوا عند مرتبة الإسلام ولم يتجاوزها بعد إلى مرتبة الإيمان .
والقسم الثاني: قسم مقتصد صان نفسه عن كل ما يغضب الله وحفظ صومه من اللغو والباطل , كما قال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح وليكن عليك وقار الصيام ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك .
قال الشاعر:
يا غافöلا وليالöي الصومö قد ذهبت **
زادت خطاياك قöف بöالبابö وابكöيها
واغنم بقيـة هذا الشهرö تحظ**
غرستـه مöن ثöمارö الخيـرö تجنöيـها
وهؤلاء هم من تجاوزوا مرتبة الإسلام إلى مرتبة الإيمان ولكنهم بعد لم يصلوا إلى مرتبة الإحسان .
والقسم الثالث : هم من سبقوا بالخيرات وتنافسوا على تحصيل الحسنات , فهم المحسنون الذي وصلوا إلى مرتبة الإحسان فعبدوا الله حق العبادة وراقبوه حق المراقبة , فهم المتميزون في صومهم وعبادتهم وأخلاقهم , فلم يصوموا كما يصوم الناس بل جعلوا صومهم خالصا لله رب العالمين فصانوه من الشوائب وحفظوه من السفاسف والمعايب , فصارت ألسنتهم تلهج بالذكر والدعاء , وقلوبهم يلفها الصفاء والنقاء .
فقرأوا القرآن وتدبروا معانيه , وقامت قلوبهم بالليل تصلي لله وتناجيه .
قال الشاعر :
يا شهر كم لي فيك مöن إشراقة * * * تطوي الظلام وتنشر الأعراسا
أنبت بالتقوى شöعاب قلوبöنا * * * وسقيت بالآيö الكöرامö غöراسا
نفحاتك الغناء رöفد سعادة * * * تستنزöل الرحماتö والإيناسا
ونسائم الأسحارö تذهب بالضنى * * * وتهدهöد الوöجدان مما قاسى
وبكلö سانöحة مآثöر سنة * * *
مöن نورö أحمد أشرقت نöبراسا
وهذه الأقسام الثلاثة هي التي عناها الله تعالى في محكم تنزيله فقال سبحانه: ” ثم أورثنا الكöتاب الذöين اصطفينا مöن عöبادöنا فمöنهم ظالöم لöنفسöهö ومöنهم مقتصöد ومöنهم سابöق بöالخيراتö بöإöذنö اللهö ذلöك هو الفضل الكبöير (32) جنات عدن يدخلونها يحلون فöيها مöن أساوöر مöن ذهب ولؤلؤا ولöباسهم فöيها حرöير (33) وقالوا الحمد لöلهö الذöي أذهب عنا الحزن إöن ربنا لغفور شكور (34) الذöي أحلنا دار المقامةö مöن فضلöهö لا يمسنا فöيها نصب ولا يمسنا فöيها لغوب (35) سورة فاطر .

قد يعجبك ايضا