شهادات حية وتساؤلات حائرة من “حي القاسمي”

كان وقع قصف صنعاء القديمة من قبل العدوان السعودي في الـ12 من يونيو الجاري الذي أدى إلى انهيار ثلاثة مبانُ على رؤوس ساكنيها كبيرا لدى اليمنيين وكل المؤمنين بمكانة صنعاء في قائمة التراث العالمي..
 لهذا كله سارعت السعودية إلى نفي القصف في مشهد هزلي لا يمكن  لأحد أن يصدقه..لأنهم يعرفون أنها صنعاء مدينة سام بن نوح..وليست صحراء نجد الخالية من روح الحضارة وسمو الإنسان..
“الثورة” زارت المكان والتقت أقارب الشهداء واستمعت إلى رواياتهم المؤلمة وتساؤلاتهم الحيرى ..نتابع.
استطلاع / طارق وهاس

* في البدء ظهرت إدانة اليونسكو خجولة وضعيفة لا ترتقي إلى أهمية صنعاء في قاموس التراث الإنساني الخلاق..إدانة باهتة  تستنكر ما يقوم به العدوان السعودي من تدمير للتراث اليمني القديم…لكن ماذا بعد لاشيء.¿!
طبقا لأدبيات المنظمة  ينص قانون اليونسكو على أهمية الحفاظ على المدن التاريخية أي التراث الثقافي العالمي والطبيعي بإشراف ورعاية دولية ويحق لأي دولة من الأطراف في الاتفاقية المنعقدة في 16 نوفمبر 1972م أن تطلب المساعدات الدولية من أي منظمة  مع التنسيق مع اليونسكو أو منها وذلك من اجل حماية التراث الوطني او الثقافي  لهذه الدولة  المسجل ضمن التراث العالمي ولا يحق لأي دولة الاعتداء على التراث تحت أي مبرر كان .
وعلى أية حال يبقى موقف اليونسكو مثار تساؤلات كثيرة تقفز إلى سطح مصداقيتها خاصة في ظل تعامل انتقائي مع تراث يهم الإنسانية جمعاء.
شهادات وآهات
في مسرح المذبحة التي طالت الإنسان والتراث على حد سواء في صنعاء القديمة بحارة القاسمي التقينا الدكتور محمد عبدالقادر شقيق احد الشهداء هناك حيث سرد تفاصيل الفاجعة بالقول : نحن عبارة عن أربع أسر بيوتنا متلاصقة ببعضها البعض وعدد الأشخاص في البيوت الأربع 17 شخصا ولكن لحسن الحظ البعض نزحوا قبل الفاجعة ..
ويضيف: تلقيت اتصالا من أخي يطلب المساعدة وهو تحت الأنقاض أسرعنا أنا وبعض الجيران لإخراجه ولكن طائرات العدوان كانت تحلق في الجو وكنا نسارع في الابتعاد عن المكان خوفا من سقوط صاروخ أخر.
 وبالتالي لم يسعفنا الوقت لأننا لم نتمكن من إنقاذه في الوقت المناسب لقد تأخرنا على أخي وكانت جهودنا ذاتية وقد فقدنا في هذه المجزرة  أربعة آخرين من الأسرة من بينهم امرأة وطفل يبلع 13 عاما .
وبحزن بالغ  يتابع الدكتور عبدالقادر: أخي لم ير طفله الذي ينتظره .. فيما أصيبت زوجة أخي بصدمة قوية أفقدتها الكلام أما والدتي فقد أغمي عليها.
وزاد بالقول متسائلا : ماذا يريد آل سعود بعد ما دمروا البلاد وأشعلوا فيها الفتن .. الله يمهل ولا يهمل .. وأسأل الله أن يجعل لهم يوماٍ مثل يوم الأحزاب ومعهم كل من أراد باليمن الشر والدمار .
* ماذا لو انفجر الصاروخ¿
– حدث كل ذلك الدمار وتلك المأساة والصاروخ  لم ينفجر فماذا كان سيحدث لو انفجر ذلك الصاروخ وسط مئات البيوت القديمة التي تتلاصق لتشكل لوحة إبداعية فنية ..ماذا كان سيحدث وقد أرعب بسقوطه “الهادئ” الأطفال والنساء وقتل البعض¿
علي الكدس شاهد آخر على المأساة  يقول : كنت نائما ليلتها وفي الساعة 2 بعد منتصف الليل اهتزت الأرض تحتي وفزعت من نومي وعندما أسرعت إلى سطح المنزل للتحقق من الأمر وجدت غبارا كثيفا لم استطع رؤية ما وراءه .. خرجنا إلى الشارع مفزوعين وأذهلني مشهد منازل جيراننا المدمرة  فأسرعت بإجلاء أسرتي إلى مكان بعيد عن حي القاسمي والكثير من الجيران نزحوا في ذلك اليوم المشؤوم خوفا من تكرار القصف.

تشويه لوحة فنية
الحاج  على القاضي احد سكان حي القاسمي يقول: فزعت من نومي بسبب الصاروخ الذي استهدف ودمر منازل آل عبد القادر وهي بيوت قديمة جدا وتعتبر لوحة فنية يستمتع المارة بمشاهدتها.
ويختم متحسرا: كانت هذه هدية العدوان السعودي بمناسبة دخول الشهر المبارك قصف الأبرياء وتهديم منازل أعظم مدينة في التاريخ.
عبدالله السنيدار الذي يسكن في حي  القاسمي  بدأ حديثه بوصف البيوت وما تتميز به  من سحر وجمال المنظر التي تجذب من يراها حيث تمتاز بروعة موقعها  وفنها المعماري .
وبصوت حزين يتابع : لقد قتل العدوان كل ما هو جميل أرعب الناس وشرد الأسر فزوجتي غادرت المنزل بسرعة حافية القدمين إلى خارج البيت ومعها الأولاد وبقينا نركض من مكان إلى مكان ومن شارع إلى شارع وقد وصل الحال بطفلتي الصغيرة أن  تستفرغ دماٍ وطفلي يرتعش خوفا وهلعا لقد أصبحنا في حال لا نحسد عليه.
وختم متسائلاٍ :ماذا لو انفجر صاروخ العدوان وسط آلاف الدور التي شيدت قبل القرن الـ11الميلادي¿ 
حقد وتدمير
أحد أقارب ضحايا العدوان الظالم  في ذات المكان العقيد /عبدالله قلاله  قال بمرارة : لم يترك العدوان بيتا إلا  وترك فيه جرحا ينزف دما فقد فقدنا خمسة من أفراد العائلة قضوا تحت ركام المنزل وآخر جثة للضحايا أْخرجت من تحت الأنقاض الساعة الخامسة عصرا من ذات اليوم مؤكدا أن ما يقوم به العدوان من جرائم يزيد اليمنيين  قوة وعزماٍ فنحن رجال اليمن  . 

اليونسكو وموقف الضرورة!
* فيما أدانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة يونسكو غارة نفذها طيران التحالف الذي تقوده السعودية على المدينة القديمة في العاصمة صنعاء الموقع التراثي الذي وصفته المنظمة بأنه “واحد من أقدم جواهر الحضارة الإسلامية”.
وقالت إيرينا بوكوفا رئيسة منظمة اليونسكو في بيان أصدرته إن “هذا الدمار سيفاقم الوضع الإنساني وأكرر مناشدتي للأطراف كافة بضرورة احترام وحماية الإرث الحضاري لليمن.
وأضافت في بيانها: “أشعر بقلق بالغ إزاء الخسائر البشرية والدمار الذي لحق بواحدة من أقدم جواهر الحضارة المدنية الإسلامية.”
وكانت الغارة المذكورة التي نفذت قبيل فجر الجمعة 12 يونيو الجاري قد أسفرت عن مقتل 5 أشخاص وإلحاق دمار كبير في 3 منازل في الموقع المدرج في قائمة يونسكو لمواقع التراث الثقافي العالمي.
وقالت مديرة اليونسكو في بيانها “لقد صدمت عندما رأيت صور هذه الدور العظيمة متعددة الطوابق وحدائقها الهادئة وقد استحالت إلى ركام.”
يذكر أن مدينة صنعاء القديمة الواقعة في أحد الوديان مأهولة بشكل متواصل منذ أكثر من 2500 سنة وكانت مركزا رئيسا لنشر الديانة الإسلامية وفيها أكثر من 100 مسجد و14 حماما عاما وأكثر من 6 آلاف دار تاريخية.
وأدرجت في قائمة يونسكو لمواقع التراث العالمي عام 1986م.
تصوير/فؤاد الحرازي /محمد حويس

قد يعجبك ايضا