ليست قيم الانتماء والولاء وحدها التي يسعى العدوان السعودي على اليمن عبثاٍ إلى مسخها ولا أواصر الإخاء ووشائج الرحم والقربى وحدها التي ينشد واهما قطعها ولا أجساد اليمنيين وحدها التي يزداد نهماٍ لتمزيقها إلى أشلاء.. شرايين حياة اليمن واليمنيين ونهضتهم ووحدتهم وقوتهم هي الأخرى هدف مباشر لهذا العدوان الغاشم المتواصل على اليمن.
بين “تفرق أيدي سبأ” وهوان التمزق الداخلي والخضوع للاحتلال الخارجي وبين اتحاد أيدي اليمنيين وقوة توافق كلمتهم واتفاق وجهتهم وجهدهم في انتزاع استقلال السيادة والإرادة والإدارةº تبرز شبكة النقل والمواصلات أداة فصل ووصل لشرايين حياة اليمن ودفق نهضته وقوته على مر التاريخ.
شبكة النقل والمواصلات في اليمن ليست مجرد خرسانة بل هي شرايين حياة وقوة حين شحت ذبلت أواصر اليمن وكادت تتمزق وحين توفرت التأمت وجرت فيها مجددا دماء اليمنيين الواحدة ولهذا فقد اكتسبت أهمية وأولوية في عهد دولة اليمن الموحد فشهدت منجزات شاخصة بذاتها على حساب أشياء أخرى.
تجلط متعمد
تجسد ذلك بوضوح عبر مختلف حقب تاريخ اليمن وأخرها خلال الخمسة وعشرين عاما التالية لإعادة توحيد شطري اليمن فقد أنهى هذا المنجز التاريخي تجلط هذه الشرايين لتنقشع مظاهر التشطير السياسي لليمن كافة وما ترتب عليها من معاناة معيشية ومشقة تنقل بين شمال وجنوب اليمن وشرقه وغربه.
كسرت الجسور والطرقات والموانئ والمطارات المشيدة في الخمسة والعشرين عاما الماضية بجهد كبير ومال كثير ووقت قصير طوق العزلة الداخلية التي أحدثها الاحتلالان التركي لشمال اليمن والبريطاني لجنوبه وورثها النظامان السياسيان لشطري اليمن طوال نحو 23 عاماٍ تالية للاستقلال.
نعم قطعت الجسور والطرقات والموانئ والمطارات سوط الفرقة ووصلت شرايين اللحمة اليمنية وجددت تدفق دمائها الواحدة.. طوت جفاء الغربة ورفعت أثقال الغمة وبعثت أمل الأمة.. خلعت قيود الهمة وأسرجت مشاعل النهضة ووسعت حدود القدرة بتوحيدها مصبات القوة ودفق مقوماتها.
شتان لا يلتقيان .. واقعا قطاع النقل والمواصلات في اليمن قبل اثنين وعشرين مايو تسعين وما بعده .. لا يتشابهان نوعاٍ وكماٍ وكيفاٍ ولا أثراٍ بشهادة الإنسان اليمني معايشة ومعاشاٍ فالفرق شاسع وجلي للعيان وأبرز ملامحه زوال العزلة وانحسار المشقة واندثار المعاناة وانكسار قيود الحرمان كافة.
تآمر الاحتلال
الطرقات والمواصلات عملياٍ في حدها الحد بين الهناء والشقاء والبقاء والفناء وبين التمزيق والترتيق والتفريق والتوفيق والتشطير والتوحيد أيضا. ذلك بالضبط ما تجسد فعليا في اليمن إبان تشطيره سياسيا وما اختبره اليمنيون قبل الثاني والعشرين من مايو عام تسعين وبعده من عسر وكرب ويسر ورحب.
لم تكن تنمية شبكة المواصلات الداخلية تخدم الاحتلالين التركي العثماني لشمال اليمن والانجليزي البريطاني لجنوب اليمن اللذين تقاسما اليمن الموحد أرضاٍ وشعباٍ وتاريخاٍ بموجب اتفاقية ترسيم حدود لما يقع تحت أيديهما فحرصا على فرض عزلة داخلية بين شطري اليمن وما بينهما قبل أن يثور اليمنيون عليهما.
فعلياٍ لم يسعف عهد تشطير الجسد اليمني ولم يأذن الانشطار السياسي عقب الثورة بفعل الاختلاف الإداري والاقتصادي وتغذية الخارج الخلاف الفكري لنظامي صنعاء وعدن والتوجس الأمني من كليهماº لم يسمح بإنعاش شرايين حياة اليمن ووحدته فتسببا في تجلطها بين شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه.
ظل التنقل داخل شمال اليمن وجنوبه وبينهما قبل مايو تسعين أصعب من التنقل من صنعاء ومن عدن إلى أي مكان في العالم فلا شبكة الطرقات كانت تيسره على مستوى كل شطر ولا نظاما الشطرين كانا يرحبان بمثل هذا التنقل قدر ما كانا يرتابان منه ويقيدانه بإجراءات إدارية وأمنية معقدة تتخللها تحقيقات وضمانات.
وداعا للتشطير
لكن الحال اختلفت تدريجياٍ بعد اتفاق الثلاثين من نوفمبر 1989م وإلغاء قيود التنقل بين شطري اليمن واعتماد التنقل ببطاقة الهوية الشخصية قبل أن يكسر كل القيود إعلان إنهاء التشطير السياسي لليمن وانصهار نظامي الشطرين وكيانيهما السياسيين في كيان ونظام وإدارة دولة اليمن الواحد الجمهورية اليمنية.
تجاوزت نهضة قطاع النقل والمواصلات محليا بعد مايو 90م براميل التشطير والأسلاك الشائكة وحقول الألغام الحدودية ونقاط التفتيش والثكنات العسكرية وشبكات الاستخبارات الأمنية لنظامي شطري الوطن إبان توتر الأجواء بينهما انعكاسا لصراع قطبي العالم آنذاك: الشرقي السوفيتي والغربي الأميركي.
كسرت شبكة النقل والمواصلات طوق العزلة الداخلية الذي أحدثه الاحتلالان التركي والبريطاني على نطاق كل شطر وبين كليهما لضمان استمرار تشطير اليمن سياسيا وورثه نظاما الشطرين فبثت في مجملها الحياة مجددا في اليمن بعد اتحاد أيدي اليمنيين من جديد ومكنت تنميته خدميا واقتصاديا واستثماريا أيضاٍ.
وحدت شبكة الطرقات والموانئ الجوية والبحرية والبرية قدرات اليمن ونمت الإمكانيات وضاعفت الطاقات مثلما عززت وحدة التجمعات ويسرت تلبية الحاجات السكانية الخدمية والصحية والتعليمية والاقتصادية التجارية والإنتاجية الحرفية والصناعية والاستثمارية على طريق تحقيق الآمال والتطلعات الشعبية.
إنعاش وحدوي
ذلك ما تصدح به اليوم أكثر من (34447) كيلو متر طرقات شقت وعبدت حتى عام 2010 منها (16347) كيلو متر طرق إسفلتية و(18100) كيلو متر طرق ترابية ومئات الجسور و(6) منافذ برية دولية شرقية وشماليةº بثت الحياة مجددا في اليمن ومكنت تنميته خدمياٍ وصحياٍ وتعليمياٍ واقتصادياٍ واستثمارياٍ أيضاٍ.
هذه النهضة الجلية للعيان الملموسة في معاش الإنسان تحققت بجهد كبير ومال كثير ووقت قصير منذ إنهاء تشطير اليمن السياسي وإعادة توحيده وشملت مجال النقل البحري فزاد عدد الموانئ من ميناءين رئيسين و4 موانئ تقليدية إلى 18 ميناء دولياٍ ورئيساٍ على ساحلي البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي.
مجال النقل الجوي أيضاٍ شهد محلياٍ خلال الخمسة وعشرين عاما الماضية انجازات كبيرة في بنيته التحتية قياساٍ بزمن تحقيقها فزاد عدد المطارات اليمنية من أربعة إلى 13 مطاراٍ دولياٍ ومحلياٍ مزودة بالتجهيزات الخدمية والتقنية والفنية لضمان جودة وسلامة خدماتها الملاحية وأمن الطيران من وإلى اليمن.
استنزفت شبكة النقل والمواصلات مليارات الأموال ومئات الآلاف من ساعات العمل وجهد ملايين العمال لتغدو شرايين حياة تطوي معاناة عهد التشطير السياسي لليمن وتواكب نهضة عهد استعادة اللحمة اليمنية ووحدة اليمن سياسياٍ واقتصادياٍ وتحقق الآمال والتطلعات في عيش أرغد وأسعد لجميع اليمنيين.
أحيت انجازات الجسور والطرقات والموانئ والمطارات وشائج الرحم وأواصر القربى بين الأسرة اليمنية الواحدة داخل اليمن وخارجه ووصلت شرايين دمائها لتنبض بالحياة والمثابرة والتقدم في مسار النماء على طريق تحقيق الرخاء وهو ما لم يرض الأعداء وأزلامهم العملاء فعمدوا لتمزيق اليمن من جديد.
تمزيق الشرايين
لم تلبث هذه النهضة أن تحققت حتى بدأ تدميرها تدريجياٍ منذ ألفين وأحد عشر عبر تفجيرات وتدمير ذاتي قبل أن يشهر “الجيران” عن عدائهم لليمن ويأتي عدوانهم العسكري الغاشم بقيادة السعودية ليجهز على ما تبقى من شرايين الحياة في جسد وحدة اليمن ونهضته مستهدفين على نحو مباشر وممنهج قطع شرايينه.
يدرك العدوان السعودي وأعوانه من عملاء الداخل جيدا أهمية شبكة النقل والمواصلات في حياة اليمنيين وقوة وحدته ولهذا فإنه منذ يومه الأول عمد إلى استهداف شبكة الطرقات والمواصلات في عموم اليمن بغارات الجوية وقصف صاروخي ومدفعي بحري وبري غاشم بالتزامن مع فرض حصاره الظالم.
لم يتوقف قصف العدوان السعودي الجوي والبحري والبري للمطارات والموانئ والجسور والطرقات اليمنية في محاولة بائسة لفصم عروة وحدة اليمنيين حياة ومعاشاٍ قدراٍ ومصيراٍ حاضراٍ ومستقبلاٍ موقفاٍ وقراراٍ إرادة وإدارة.. لكن لسان حال اليمن واليمنيين ظل أبياٍ كعهد التاريخ به يقول: هيهات له ذلك.
محصلة جسيمة
استهدف العدوان السعودي حتى منتصف مايو الجاري فقط (63) جسراٍ وطريقاٍ عامة تربط بين محافظات صنعاء وإب وتعز ولحج وعمران وغيرها و(11) ميناء منها خمسة موانئ صيد و(9) مطارات مدنية و(107) قاطرات نقل وقود وقمح ومواد غذائية و167 سيارة مواطنين وأضر بأكثر من 4000 سيارة.
تلك إحصائيات أولية وليست نهائية وردت في تقارير الناطق باسم القوات المسلحة والأمن والتقارير الإحصائية الستة الصادرة حتى الآن عن مؤسسة بيت الحرية (فريدوم هاوس يمن) والمستندة على غرفة عمليات تضم أكثر من 10 اتحادات جماهيرية ومنظمات مدنية حقوقية ونقابية وأهلية.
علماٍ بأن استهداف المنشآت المدنية وفي مقدمها شبكة النقل والمواصلات تعد جريمة حرب وفق القانون الدولي واتفاقية لاهاي كونها تستهدف حقاٍ أصيلاٍ من حقوق الإنسان المثبتة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونعني حق التنقل بحرية وآمان والحصول على الخدمات كافة.
يعلم ذلك العدوان السعودي لكنه بماله يخترق كل المواثيق والقوانين الدولية فضلا عن الأعراف والقيم الإنسانية حتى بعد مطالبة الأمم المتحدة له بالكف عن استهداف المنشآت المدنية الخدمية والصحية والتعليمية واصل العدوان السعودي في تحد سافر استهدافها وقصف المطارات والموانئ والجسور والطرقات.
تحدي العدوان العدوان السعودي لم يتوقف عند مواصلة استهداف المنشآت المدنية وفي مقدمها شبكة النقل والمواصلات بل جاوزت ذلك إلى استهداف المركبات السائرة عليها واليمنيين المدنيين المارين منها كما حدث في مجازر بشعة عدة لعل أبرزها مجازر مدينة يريم ومدينة الدليل ونقيل سمارة وغيرها.
غاية العدوان
لا مبرر للعدوان السعودي الغاشم وحصاره الظالم على اليمن بنظر مراقبين عدا محاولة قمع سعي اليمن لاستعادة سيادته وتحرير إرادته وهو ما يؤكده استهدافه الممنهج لشبكة النقل والمواصلات على نحو يصرح بتعمد تحالف العدوان تمزيق اليمن لضمان دوام ضعفه وتبعيته وخضوعه لهيمنة ووصاية الخارج.
يظل العدوان السعودي المتواصل على اليمن بنظر مراقبين ومنظمات مدنية محلية وإقليمية ودولية وأممية عدواناٍ غاشماٍ وحصاره الجوي والبحري والبري المفروض على اليمن حصاراٍ ظالماٍ غير مشروع ويعد أداة قتل جماعي لليمنيين كافة من دون تمييز لمناطقهم أو توجهاتهم الفكرية والسياسية أو المذهبية.
على أن العدوان السعودي بكل ما سلف كان ولا يزال يستهدف علنا تدمير اليمن الأرض والإنسان والبنيان ويقابلهما صمود أسطوري بطولي يسطره اليمنيون في رفض الخضوع للطغيان مراهنين على عدالة الله وعونه ونصره وقوة وبأس اتحاد أيديهم وكلمتهم وجبهتهم الداخلية المذكورة في القران والقادرة على رد الطغيان وإعادة تشييد ما دمره العدوان.
Next Post
قد يعجبك ايضا