الوحدة اليمنية.. رسوخ في الوجدان وصمود أمام الأخطار

* الوحدة منجز تاريخي انتزعة اليمنيون من براثن الأطماع الخارجية وركام الصراعات الداخلية
* العيد الخامس والعشرون محطة استثنائية تشهد على رسوخ الوحدة اليمنية الخالدة

يمرْ من أعمارنا العام الخامس والعشرون للوحدة اليمنية المباركة كغيره من الأعوام الوحدوية حاملاٍ مع بشائره دلالات تجذر النفس الوحدوي في وجدان الأمة اليمنية مهما كانت قسوة الظروف ومجريات الأحداث.. غير أن اللافت في هذا العام هو ما يحدق باليمن من أخطار وأمواج عاتية من الخلافات والصراعات السياسية الداخلية المحتدمة بين القوى السياسية من ناحية ومن ناحية أخرى بين الشعب وبين التطرف والإرهاب الذي يحاول تقويض أركان التماسك الاجتماعي بقتل سبل السلام.. هذا على الصعيد الداخلي أما على الصعيد الخارجي فإن اليمن يشهد أبشع الهجمات البربرية من قبل التحالف العربي والدولي الذي تقوده المملكة العربية السعودية.. فكيف نحيا ذكرى الوحدة اليمنية في ظل هكذا ظروف عصيبة تعيشها اليمن وتحت وطأة التحديات وأعاصير الأخطار المحدقة بكل مقومات الحياة..¿.. وماذا عن الوحدة كمنجز تاريخي صنعه اليمنيون لينهي معاناتهم فأشرقت الجغرافيا اليمنية مكاناٍ وإنساناٍ وأثمرت سنابل من الوئام والتصافي والانعتاق من الشتات.. ¿ هذا ما رصدنا ملامح إجاباته في سطور هذه المادة… إلى التفاصيل:
كل الشروخ التي صنعها الاستعمار والتشطير والمؤامرات فشلت في المساس بذاكرة الوحدة الوطنية لليمنيين

” هذا الذي سمِيتْه منزلي / كان انتظاراٍ قبل أن تدخلي
كان سؤالِ القلب عن قلبه/ يشتاق عن قلبيúه أن تسألي
أن ترجعي مثل الربيع / الذي يغيب في الأعواد كي ينجلي
أن تصبحي مثل نثيث الندى/ مثل نجوم الصيف أن تْلúيِلي
***
هل خاتمي قانُ..¿ ألي خاتمَ يكفي / يدي أن سِلمتú أنملي¿
يا صاحب الصاروخ قلبي على / كفي كتابَ خلفهْ منجلي””
هكذا. وكما يفلسف الشاعر اليمني العربي الكبير عبد الله البردوني ثقافة وثبات الوجدان اليماني على خْطى الوحدة أرضاٍ وإنساناٍ ترباٍ وبشراٍ شجراٍ ونفوساٍ.. وهكذا يرى البردوني في قصيدته ربيعية الشتاء أن كل ما يدور حولنا وفي دواخلنا في عالمنا هو وطنَ معمرَ ضارب الجذور الوحدوية فمن بين ركام خراب الصراعات الداخلية وحقد وتربص العدوان الخارجي ينبعث فرح المجد اليماني والفرح الوحدوي فلا فرق بين الحرب والسلام فعلى أصوات أزيز الطائرات المعادية يعيش اليمنيون الذكرى الخامسة والعشرين لعيد الوحدة اليمنية (ميلاد الجمهورية اليمنية) التي باركهم الله إعلانها ورفع علمها في ضحى 22 مايو 1990م من وسط قلب “عدن” البهية والعصية على كل المؤامرات والأطماع الخارجية.. هذا اليوم الخالد ولد من نفوس وتضحيات ونضالات الشعب اليمني ليحيا على الأرض الجغرافيا والشجر والحجر والمكان- مهما حاول الخارج أن يصطنع شروخاٍ في الداخل- إلى جانب حياته الأبدية في نفوس وذاكرة الأجيال اليمانية المتعاقبة فكل الشروخ والجراحات التي صنعتها الظروف الاستعمارية والتشطيرية في جسد المجتمع لا تعني شيئا أمام رسوخ المد الوحدوي في كل تفاصيل التكوين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع اليمني..
لا مبالغة في ذلك ففجر يوم الـ(22) من مايو 1990م وحده الذي كسر حاجز المستحيل وحول خط التماس المكهرب بالعداوة والتفرقة إلى قلب ينبض في جسد الخارطة اليمنية.. فهناك في مناطق خطوط التماس المصطنعة بين الشمال والجنوب بين تعز ولحج الضالع وإب البيضاء وأبين مارب وشبوة وغيرها تشعر بلا شك وبلا مواربة ماذا تعني الوحدة اليمنية على الصعيد الجغرافي والاجتماعي والأسري.. ومن خلال ملامح الساكنين النقية وأحاديثهم الصادقة تشعر أن الوحدة كانت حلماٍ فصارت واقعا وكان غيابها مأتماٍ في كل صباح وأضحى وجودها فرحاٍ لا يبارح القلوب.. ومهما بلغت الأزمات باليمن الموحد تشعر أن هذه المناطق بأبنائها الذين خبروا التشطير معاناةٍ هم أكثر من غيرهم يشعرون بمكانتها الحقيقية وخيرها الكبير كمكسبُ وطني وقومي .. وهذه أبرز ملامح البعد الاجتماعي للوحدة اليمنية المباركة ولعل هذه المعطيات الاجتماعية والإنسانية هي حجر الزاوية التي تدور حولها خيوط الأهمية الثقافية والسياسية والاقتصادية للوحدة اليمنية المباركة وهي القاعدة العريضة والصلبة التي قامت عليها عوامل الرغبة المنطقية والحتمية الداعية للوحدة اليمنية المباركة على الصعيد الديموغرافي( المكاني والإنساني) الأزليين..
فعلى الصعيد الجغرافي يرى الباحثون المتخصصون أن الوحدة اليمنية كانت ولم تزل فارضة أمر الواقع الجغرافي منذ القدم حتى وإن حدثت عمليات التشطير على فترات متباينة فالأراضي اليمنية كتلة متجانسة طبيعياٍ وحضارياٍ يصعب الفصل فيما بينها بحدود سياسية مصطنعة وأن عملية التشطير التي تمت ماهي إلا نتيجة لفعل كل من بريطانيا والأتراك للاستفادة من خيرات هذه البلاد ولخلق الفتنة والصراعات بين الشعب الواحد تحت مبدأ فرق تسد.
لكن الظروف والأحداث بكل تعقيداتها أكدت أنه مهما حاول الاستعمار أو غيره من العملاء فرض أمر لا يتفق وجغرافية اليمن) التشطير( فإن الجغرافيا بشقيها الطبيعي والبشري تأبى الرضوخ ولا بد من يوم يصبح فيه التاريخ والحاضر لسان ومرآة يعبران ويعكسان جغرافية المكان وينطقان بمكنون الوحدة.
وتمثلت عوامل الرغبة في إنجاز الوحدة في أزمة النظامين في الشمال والجنوب حيث نشطت قوى المعارضة لكلا الطرفين ومثلت عنصر ضغط على النظامين مما حدا بهما الى السعي لإنقاذ مشروع الوحدة الاندماجية للتغلب على المعارضة الداخلية كذا سقوط الخيار العسكري حيث ثبت لكلا النظامين أن الصراع العسكري لن يحسم إلا معركة لصالح أحد النظامين على حساب الآخر ومن ثم فإن الحل هو التوجه للوحدة إيضاٍ دور القيادة السياسية إذا اظهر كل من الرئيس علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض روحاٍ عالية من التفكير الوحدوي أمكن بفضلهما تحقيق ما يشبه المعجزة وهو اتمام وإنجاز الوحدة في وقت كان الكثيرون يراهنون على عدم إمكانية تحقيقها ويمكن القول: إن ما أنجز خلال الخمسة أشهر التي سبقت إعلان الوحدة وتحديداٍ فيما بين 30 نوفمبر 1989م وحتى 22 مايو 1990م يفوق عشرات المرات ما تحقق خلال ثمانية عشر عاماٍ منذ اتفاقية القاهرة 1972م.
الوحدة.. أمكنة لا تنسى
وإذا كانت الجغرافيا بمعطياتها المختلفة خرساء لبعض الوقت إلا أن التاريخ والسياسة هما بمثابة لسانها فإذا كان صادقاٍ عم الاستقرار والعكس صحيح وما حدث على مستوى الأراضي اليمنية في حالة التشطير هو ان الأحداث التاريخية كانت ضد الجغرافية- ضد التيار وضد الطبيعة- فلم تهنأ الدولتان شعباٍ وحكومة بالاستقرار وذاقتا كثيراٍ من ويلات الحروب منها على سبيل المثال لا الحصر حربي) 1972 – 1979م)..
وهذه المعطيات والمعادلة القائمة تؤكدها الأحداث والاتفاقيات والمفاوضات التي شهدتها عدد من المدن اليمنية الكبرى في شطري الوطن أو تلك المناطق التي شهدت الحروب والصراعات والنزاعات المسلحة والتي كانت في خطوط التماس الجغرافي البغيض.. لتكون هذه الأمكنة جميعها شاهدة على أهمية الوحدة اليمنية وضرورياتها الحتمية إنسانياٍ واجتماعياٍ واقتصادياٍ وسياسياٍ..
“صنعاء وعدن وتعز والحديدة ولحج وإب والشريجة ومكيراس ورصابة وغيرها من المدن والأماكن التي ارتبطت بنضالات اليمنيين ومحاوراتهم ومفاوضاتهم وخلافاتهم على طريق استعادة الوحدة اليمنية الشاملة وكل هذه الأماكن والمدن الكبرى تتقاسم اليوم الصمود الأسطوري أمام العدوان البربري وأمام التطرف والإرهاب في تماسك وحدوي عجب.. لكن عدن تتميز عن الأماكن فقد كان لها مكانة استثنائية وقصة طويلة التفاصيل مع المسار الوحدوي والتضحيات الغالية في سبيل التحرر من الاستعمار والتشطير وقصة مغايرة في ارتعاشات العمل الدراماتيكي السياسي المؤثر على أهميتها عدن الوحدوية ففي كتابه (عدن عبقرية المكان والحقيقة الغائبة) يقول الباحث والمثقف سامي أمين عطا : منذْ العام1967م.ـ بعد الاستقلال ـ أخذت هذه المكانة تتلاشى رويداٍ رويدا, إذ خرجت عدن عن طوق الاقتصاد الرأسمالي العالمي, ودخلت منذئذ في كنف منظومة الاقتصاد الاشتراكيº انهارت على أثره علاقة المدينة بالاقتصاد الذي أسسها وأنعشها وفقدت الصلة به. رغم أن المدينة لم تفقد ميزتها المكانية)..
هذه عدن قبل الوحدة اليمنية المباركة ورغم ما شهدته عدن من صراعات سياسية دامية بعد الاستقلال إلا أنها ظلت عامرة بالهجس الوحدوي الذي يغمر أناسها العاديين خارج نظم السياسية خصوصاٍ وساكنيها من كل مناطق اليمن التي أصبحت مفصولة عن عدن بحدود سياسية شطرت الأسرة اليمنية بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر وظلت عدن بجماهيرها الرافضة للصراع طوال فترة السبعينيات والثمانينيات تزداد تمسكاٍ بحكم الوحدة وسرى هذا الوجدان في كل القيادات الوطنية التي أحست بخطر استمرار الصراع الدامي على اليمن وعلى سمعة عدن بعد أن دخل الصراع منعطف الاقتتال الذي انتهى بمجزرة يناير 86م ليبدأ العد التنازلي الحقيقي لإعلان مشروع الوحدة بعد أن نزعت القوى الدولية الاشتراكية مظلتها عن الحزب الاشتراكي.. ورغم تلك المجزرة إلا أن عدن ظلت هي المكان العصي على الانكسار فكانت هي المنصة التي رفعت منها سارية علم الوحدة في يوم الثاني والعشرين مايو 1990م..
الوحدة.. ثباتَ في زمن المتغيرات
اليوم يأتي العيد الخامس والعشرين للوحدة اليمنية المباركة في ظل العدوان السعوأمريكي على اليمن وفي ظل حصار مطبق وشامل على حياة اليمنيين ومؤامرات تحاك ضد الوحدة من الداخل والخارج غير أن الحقائق على الأرض تؤكد أن الوحدة اليمنية كانت وما تزال وستظل ثابتاٍ وطنياٍ مهما احتدمت صراعات الداخل وتلونت مؤامرات الخارج وستبقى راسخة في الوجدان اليمني صامدة أمام الأخطار المحدقة التي لم تغفلها هواجس البردوني قصيدته “ربيعية الشتاء” المتضمنة معادلات استشرافية لمستقبل الوحدة مؤكداٍ أن الوحدة ستظل هي الثبات في زمن المتغيرات والصراعات والتدخلات الخارجية التي تنم عن غيرة تمثلت في محاولات الخارج إجهاض منجز اليمنيين الوحدوي التاريخي وهو ما أثبتته السنوات والمحطات المختلفة والأحداث العصيبة التي بلغت ذروتها في العدوان البربري على كل ما هو يمني :
“فقال هِجسْ الأرض: مني رقت / تعيد تشكيلي ألا شكلي
منú بعضها انضمتú إلى كلها / أكلْ وادُ قال ذي منهلي
شغلت أعراق الثواني فهلú / يرضي سْهيلاٍ عنه أن تشغلي¿
في طعم ريق القات تِحمينِ عن / ما قال تْفشين الصدى المخملي
تسرين في الكاذي فتدنين من / عينيه وجه البارق الأحول
تِنديúنِ في (يا ظبي صنعاء) هوى / تِشجينِ في أنفاس (يا صيدلي)
في الحبر تحمرين أنشودةٍ / في الكأس تبيضين كي تْشعلي
في الجمع تذكين الجدال الذي / يميز الأبقى من المرحلي”.

قد يعجبك ايضا