“الطلاق” .. ظاهرة تعصف بمستقبل الأبناء وتشتت الأسر

تستمر ظاهرة تزايد حالات الطلاق في المجتمع اليمني في التأثير على الروابط الأسرية وإرسال الأبناء إلى أوساط التشرد والضياع من المدارس.
وهو الأمر الذي جعل كثيراٍ من الخبراء والمختصين يحذرون من النظر إلى الطلاق باعتباره أول الحلول ولكن آخرها بل وفي حالات الوصول إلى طريق مسدود.
“الثورة”  ناقشت هذه الظاهرة عن قرب مع عدد من الضحايا والمختصين وغيرهم وخرجت بالحصيلة التالية:

* البداية كانت مع إحدى ضحايا ظاهرة الطلاق الأخت ميمونة.ع التي التقيناها في إحدى محاكم محافظة صنعاء وهي في حالة فرح وابتهاج لحصولها على حكم بفسخ عقد نكاحها من زوجها فكان لتلك الفرحة والسرور استغربا ودهشة مني ومن بعض الحاضرين كل ذلك دفعني لمعرفة خفايا قصتها وقضيتها كون المألوف والمتعارف عليه في مثل هذه المواقف حزن المطلقة وصدمتها مهما كانت مقتنعة بذلك الطلاق فتقدمت نحوها طالباٍ منها التحدث عن السر الذي جعلها تبدي فرحها بتلك الطريقة غير أنها رفضت في بادئ الأمر فذهبنا إلى محاميها والذي تجاوب معنا وأقنعها بالتحدث إلينا فتحدثت قائلة: إنه من حوالي عشرة أعوام تم عقد قراني وأنا لم أبلغ من العمر سوى ثلاثة عشر عاماٍ ورغم صغر سني حينها وعدم موافقتي على ذلك الزواج سلمت أمري إلى الله واحتملت العيش مع ذلك الرجل إلا أن ذلك لم يشفع لي عنده فقد عانيت منه الأمرين على مدار عشرة أعوام لم أذق خلالها سوى الألم والقهر والإهانات والحزن فلم يكن لما يسمى بالحياة الزوجية –حسب قولها- أي مكان أو تقدير سوى اللعن والشتائم والنكاية بالضرب وبصورة عدوانية ووحشية أدت في إحدى المرات إلى إسقاطي لحملي الأول نتيجة لتلك الوحشية التي لم يسبق لزوجة أن احتملتها أو تعرضت لها.
طلاق من باب الضرورة
وتواصل ميمونة سرد قصتها بالقول: إذا عْرف السبب بطل العجب فرحتي وسروري من صدور حكم فسخ عقد النكاح ليس من باب الدلع أو الاستهزاء وإنما من باب التعبير غن مشاعري بالتحرر من الظلم والطغيان وبانتهاء عهد الضرب والمعاناة وكيف لا أفرح وأنا لم أر منه يوماٍ أي عطف أو مودة أشعر من خلالها إنني في ظل رجل يعلم إنني زوجته واحتاج إلى ما تحتاج إليه أي زوجة من زوجها من عطف وحنان يستقر بها حياتي ويطمئن إليها قلبي ذلك الزوج فرق بيني وبين أهلي ومنعني حتى من زيارتهم كل ذلك في جعلني ألجأ للقضاء لتخليصي من ذلك الرجل كون طلاق من هي في حالتي ضرورة لابد منها حتى وإن كان ضحية ذلك الطلاق هو طفلان.
مأساة التدخل
* الأخت “س.ع” امرأة في الثانية والأربعين من العمر قصة طلاقها مغايرة لسابقتها فعند بلوغها سن الأربعين من العمر أثار ذلك لديها مخاوف وهواجس استمرار حياة العنوسة فالزواج عندها أٍصبح هو الهم الوحيد بعد أن حاصرتها نظرات الشفقة وتساؤلات المحيطين بها المحرجة  وتزايدت تلك المخاوف لديها بعد أن رأت الكثير من صديقاتها وقريباتها ممن هن أصغر منها عمراٍ تزوجن.
وقالت: تزوجت قبل عام برجل مناسب وعشت معه أفضل سنة من عمري غير أن الرياح تأتي بما لم تشته السفن فسعادة ذلك الزواج لم تدم طويلاٍ بسبب تدخلات أهله الذين لم يرق لهم أن يتزوج ابنهم بامرأة في سن الأربعين مع أنه كان في نفس عمري أيضاٍ بل ووصل الأمر بأمه وشقيقاته إلى الإصرار على أن يطلقني وقْمن بتزويجه  ببنت في العشرينات من العمر, بحجة أنه وحيدهن وبحاجة لزوجة تنجب له الأبناء, غير مدركات بالمأساة التي أصابتني من جراء ذلك الطلاق,رغم أنى لو خيرت لرضيت أن ابقي معه وإن تزوج بأخرى.
الاختيار السليم
من ناحيته أدلى الأخ/ بكيل خالد محمود_ تربوي _ بدلوه في هذا الموضوع قائلاٍ: إن حسن الاختيار في الزواج من طرفي العلاقة الزوجية, وكذا التوافق بينهما بوجود قواسم مشركة, تجعل ذلك الزواج يقوم على أسس ومنطلقات سليمة تدوم فيها السعادة والترابط الأسرى فيما بين أسرتيها, أما إذا تغاضي الطرفان عن إعمال تلك المعطيات السالف ذكرها, فأن الزواج يكون رهين ما بعده ,ويتجلى ذلك عندما يعاشر ويحتك كل منهما بالآخر فتظهرا لعيوب التي كان يتم إخفاؤها أيام الخطبة وما بعدها على السطح,حينها تكتشف الطباع الحقيقية السلبية التي لا قدرة لكلاهما على تحملها فيصلا في نهاية الأمر إلى الطلاق.
ضعف الوازع الديني
من جانبه يرجح رجل الدين الشيخ / علي عبدالله عامر تزايد ظاهرة الطلاق إلى ضعف الوازع الديني لدى الزوجين أو احدهما حيث قال: إن الله سبحانه وتعالى شرع الطلاق وأعتبره عز وجل أبغض الحلال, فعندما تصبح الحياة الزوجية مستحيلة الاستمرار,أو يصاحب ذلك الاستمرار انعدام فرص الإصلاح بين الزوجين يقع الطلاق, مع أنني أحبذ أن يكون الطلاق هو أخر الحلو ولا ينبغى أن يكون أو لهما.
عواقب وخيمة
ويضيف الشيخ عامر بقوله: إن الطلاق عواقب وخيمة على الأبناء والأسرة والمجتمع , وأن الحد من تزايد ظاهرة الطلاق يحتاج لتربية الأبناء على تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وزرع الفهم الصحيح لمقاصد الدين ومبادئه, فيما يخص الزواج من تحمل مسئولية بيت ورعاية الأبناء والزوجة, كما يجب علينا كخطباء مساجد بذل المزيد من الجهود عبر المنابر والندوات لتوعية المواطنين بمخاطر ومشاكل الطلاق عليهم وعلى أبنائهم ومجتمعهم.
ولكي تكتمل الصورة حول ظاهره الطلاق التقينا بالاخصائى النفسي د/ زكريا عبدالرحمن وسألناه عن أسباب تزايد هذه الظاهرة¿ وما أهم آثارها على الزوجين¿ وما هو الدور أو الإجراءات التي يجب القيام بها للحد من هذه الظاهرة¿ فرد قائلاٍ:لاشك أن ظاهرة الطلاق في مجتمعنا اليمني وغيره من المجتمعات العربية في تزايد مستمر وملحوظ خاصة في الآونة الأخيرة لعده أسباب بعضها ترجع إلى الزوجين سواءٍ الزوج أو الزوجة, وهناك أسباب أخرى تتمثل في البيئة المحيطة واقصد هنا أسرتي الزوجين في تدخلاتهما.    
السلبية عليهما وبعض أسباب الطلاق تعود إلى الظروف المعيشية والاجتماعية فالزوج يكون سبباٍ في الطلاق عندما يمارس العنف على زوجته سواءٍ بالضرب أو بتوجيه الشتائم بالإضافة إلى البخل وعدم الإنفاق ومحاصرة الزوجة من زيارة أهلها وكذلك الزوجة أيضا تتسبب في الطلاق في بعض تصرفاتها كالعناء والانتقادات الزائدة للزوج وعدم القيام بمسؤوليتها المنزلية كتربية الأبناء وغيرها وهذه التصرفات تجعل بعض الأزواج المتهورين والمتسرعين في قراراتهم يوقعون في الطلاق غير مكترثين لعواقب ذلك القرار عليهم وعلى أبنائهم وأسرهم ومجتمعهم وأيضاٍ على المطلقات.
وأضاف: إن تدخلات أهالي الزوجين عامل سلبي أيضا في بروز ظاهرة الطلاق فالبعض من الأمهات والآباء وكذلك الأخوة يقومون بتحريض الزوج على زوجته أو العكس غير مدركين للعواقب الوخيمة لتلك التدخلات الخاطئة كما أن للطلاق أثاراٍ اجتماعية ونفسية كثيرة تتمثل في تفكك الأسرة والمجتمع وفي ظهور المشاكل التي من أبرزها تشرد الأبناء وتسربهم من المدارس وكذا ارتفاعا نسبة المطلقات فتكون فرص حصولهن على عريس قليلة بل إنها على واقعنا المعاش حالياٍ تكاد تكون نادرة لكون الكثير من الرجال لا يفضلون الزواج إلمطلقة ناهيك عن التأثيرات الأخرى مثل تأخر  سن الزواج وزيادة ظاهرة العنوسة.
ويختم د/ زكريا حديثه بالقول: إن الدور الرئيسي للحد من تزايد ظاهرة الطلاق مناط بعده جهات أهمها وسائل الإعلام التي يستوجب منها إعداد برامج توعوية وتثقيفية عن مخاطر الطلاق والتوعية حول كيفية الاختيار لشريك الحياة وعن أهم الواجبات والحقوق الزوجية وبأنه يجب أن يكون الطلاق آخر الحلول للتعامل مع المشاكل الزوجية وأن الطلاق يعتبر بداية طريق تفكك الأسرة ولا ننسى أن لخطباء المساجد والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني دوراٍ أيضا في الحد في تزايد هذه الظاهرة.

قد يعجبك ايضا